مقالاتمقالات مختارة

أسباب انتشار الإلحاد بين الشباب السوري

بقلم ياسين صديقي
القابلية للإلحاد لدى الشباب السوري

قبل نقد الخطاب الإلحادي خاصة في عالمنا العربي، ينبغي أن نجتهد في فهم الحالة الإلحادية العربية، والبحث في أسبابها العميقة، النفسية منها والاجتماعية حتى نتمكن من توجيه نقد قوي وملائم وأكثر إقناعًا.

لطالما نبهنا الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي للقابلية الاستعمارية لدى الشعوب المستعمرة، حيث تنشأ هذه القابلية إما بطبيعة نفسية تميل للخضوع والخنوع، أو بتطبيع من الاستعمار نفسه من خلال بعض الأساليب التي تُطوِّع بها الشعب المستعمَر فتجعله مؤمنًا بقابليته للاستعمار، بل يدافع باستماتة عن هذه الفكرة، فيرفض أي خطاب يستنكر عليه هذه القابلية.

وكذلك القابلية للإلحاد تتشكل أحيانًا بحكم طبيعة الشخص المتمردة، أو أحيانًا لأسباب معقدة ومتراكمة، تجعل الإنسان قابلًا للإلحاد فيُقبل عليه ويعتنقه أولَ ما يكتشفه، إذ إن الكثير من الشباب يكون قابلًا للإلحاد إلا أنه لا يلحد، لا لكونه يرفض فكرة الإلحاد، بل لأنه لم يتصادف يومًا مع الخطاب الإلحادي، أما إذا تعرف عليه ووجد من يشاركه هذه الفكرة، أو لجأ إلى بلد يحميه من تبعات الإلحاد فإنه لن يتردد في إعلان إلحاده.

سنحاول في هذا المقال التمثيل للقابلية الإلحادية من خلال تسليط الضوء على طبيعة الإلحاد الذي ينتشر بين الشباب السوري على الرغم من أن الإحاطة بالرقم الصحيح لعدد الملاحدة في العالم العربي أمر صعب المنال، وذلك بسبب رفض العديد من الذين يعتنقون الفكر الإلحادي الإعلان عن أنفسهم، خوفًا من ردة فعل المحيطين بهم، مع ذلك فإن الذي يتتبع مواقع التواصل يجد أعدادًا مهولة من المتابعين للصفحات الإلحادية التي بدأت تظهر الواحدة تلو الأخرى، وفي هذه الصفحات يجد الملاحدةُ حريةً أكثر في التعبير عن آرائهم، خاصة أصحابُ الحسابات المستعارة.

لنبدأ أولًا بـ:

مشكلة الشر

هذه المشكلة كانت وما زالت إلى يومنا هذا من أكثر الأسباب تأثيرًا في انتشار الإلحاد، إذ لا يتمكن الكثير من التوفيق بين رحمة الله – عز وجل- شأنه والشر الذي يقع في عالمه، ولا يخفى على أحد حجم الكارثة التي حلت على الشعب السوري؛ إذ دُمِّرت بلد بأكملها، وهاجر الملايين، وقُتل مئات الآلاف، ناهيك عن وحشية التعذيب والاغتصاب وغيره، كل هذه الفظائع تؤثر تأثيرًا شديد الوطأة على ذوي القلوب المرهفة، فتزرع في قلوبهم شكًّا كبيرًا يجعلهم أكثر قابلية للإلحاد إذا واجهوا خطابًا إلحاديًّا قويًّا.

تأخر الاستجابة

يضاف إلى الشر والألم الذي يراه الشباب عاملًا آخر، وهو تأخر الاستجابة مع إلحاحهم في الدعاء، فيتزلزل إيمان الكثير منهم، ويدخل في موجة شكٍ تنتهي به إلى إنكار وجود الله، وهذا راجع إلى جهلهم بالله وبسننه الشرعية والكونية، مع إيمان مرهف يهتز، وكثيرًا ما يسقط أمام أي مواجهة مع رياح الابتلاءات والمحن.

فشل الثورات العربية

ثورات الشعوب الأخيرة انقسمت بين واحدة فشلت في إسقاط نظامها، ودخلت في دوامة العنف، وأخرى نجحت في إسقاط النظام، لكنها لم تجد تغييرًا ملموسًا يحقق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، والذي زاد الطين بلة هو قيادة بعض الشخصيات الدينية البارزة لزمام هذه الثورات، وإضفاء الصبغة الإلهية، مما سبب موجة شك كبيرة بين صفوف الشباب، فكيف لهذه الثورات المؤيدة بمدد إلهي أن تفشل!

الإرهاب الديني

الإرهاب الديني يتجلى في صور مختلفة منها: تيار يرفض الثورة ويقف ضد الشعب إلى جانب الحاكم، ويشرِّع له قتل الشعب باسم الله ورسوله، وتيار آخر يمارس ألوانًا من العنف والإرهاب ضد الشعب، بحجة إقامة شرع الله؛ فيغتصب، ويقتل، ويجلد باسم الله ورسوله وجهادًا في سبيله، ومع أن الإسلام بريء تمامًا من هذه الفظائع التي تُمارس باسمه، وهو أول منكر لها، فإن الكثير من الشباب يخلط بين هذه الممارسات والإسلام الصحيح ويلجأ إلى الإلحاد.

الإقامة في البلاد الأوروبية

إن الكثير من الشباب الذين هاجروا إلى أوروبا كانت لديهم القابلية للإلحاد، إذ حملوا في ذكرياتهم صورًا مؤلمة عن الحرب، بالإضافة إلى سخط كبير على الأوضاع التي حلّت بالبلد، وسخط على الفظائع التي ارتكبتها فرق تنتسب إلى الدين، كل هذا السخط الذي عبرنا عنه بالقابلية للإلحاد إذا صادف الخطاب الإلحادي العالمي المغري، الذي يلاقي رواجًا في العالم العربي، سيدفع بالشاب إلى اعتناق الإلحاد، خاصة إذا كان في بلاد الغرب، حيث لا يوجد أسهل من إعلان الإلحاد فيها دن خوف من أي تكاليف.

الانتقام

لا يكاد يوجد إنسان في سوريا لم يكتو بنار الحرب، وغالب الذين تعرضوا للظلم أو التعذيب، أو فقدوا عزيزًا تولدت لديهم مشاعر الكراهية والانتقام، لكن ممن سينتقم؟ من بلد بأسرها؟

لهذا السبب يبحث الكثير من الشباب عن حلول تمكنه من التعبير عن حجم الغضب الذي ينطوي عليه، فبعضهم يتجه إلى التطرف في استعمال العنف، وهذا نوع من الانتقام الخارجي، والبعض يلجأ إلى الانتحار، أو الإدمان، أو التطرف في الجنس، كالشذوذ مثلًا، وهذه كلها أنواع من الانتقام العكسي أو الداخلي، والإلحاد كذلك، لكن الذي يهمنا هو وجود الشعور بالحاجة للانتقام الذي يمكننا عده نوعًا من القابلية للإلحاد؛ إذ يلجأ الشاب إلى الإلحاد تعبيرًا عن الكره والانتقام، ولكنه انتقام لا عقلاني؛ فبإلحاده ينتقم من نفسه أولًا قبل أن ينتقم من ظالمه.

لهذا السبب ينبغي أن نهتم كثيرًا بفهم القابلية الإلحادية لدى الملحد، والأسباب والدوافع قبل مناقشته والدخول معه في جدالات جافة قد لا تزيده إلا بعدًا ونفورًا.

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى