مقالات مختارة

أزمة القيادة في الحركات الإسلامية حقيقية

بقلم إدريس أحمد

ناقش الشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي، رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا أزمة القيادة بين الجماعات الإسلامية في برنامج بلا حدود الذي تبثها قناة الجزيرة. وقد تعرض خلال هذه الحلقة على أسباب انتشار الخلافات في داخل صفوف الحركات، وأزمة القيادة في استيعاب الآراء المختلفة، وتجاوز محنها ومراجعة المناهج واللوائح التي تعتمدها هذه الحركات.

الخلاف ظاهرة طبيعية

بدأ الشيخ محمد الحسن حديثه عن أسباب الخلافات والانشقاقات بين صفوف الحركات الإسلامية بتأصيل لطبيعة الخلاف والنظر الشرعي له، فإنه يرى أن الخلاف ظاهرة طبيعية وأمر فطري بين البشر لاختلاف مستوياتهم وإدراكهم، وقد جعل الله سبحانه وتعالى البشر متباينين في آرائهم واجتهاداتهم.. ولكن المهم هو تدبير هذا الخلاف والتخلص من سلبياته وعدم السير وراء الأهواء والتعصب لأي طرف فيه، وهذا حسب قوله هو المطلوب.

ويرى أن “الخلاف جرى بين أفراد أفضل حركة إسلامية عرفها التاريخ، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وانتشر فيما بعد ذلك في كل الحركات الإسلامية التي شهدتها الأمة”. واستدل ببعض الشواهد القرآنية والسنن النبوية التي تحذر من الخلاف الذي يؤدي إلى التفرقة والنزاع.. فمن الآيات القرآنية قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) /هود: 118 – 119/. وكذا أبرز الربط بين الخلاف والشرك، وأن الخلاف يعد من مظاهر الشرك، وذلك في قوله: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) /الروم: 31 – 32/. كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلاف الذي يفرق بين الأمة بحالقة الدين.

الخلاف ظاهرة طبيعية وأمر فطري بين البشر لاختلاف مستوياتهم وإدراكهم، وقد جعل الله سبحانه وتعالى البشر متباينين في آرائهم واجتهاداتهم.. ولكن المهم هو تدبير هذا الخلاف

أما الحركات الإسلامية منذ نشأتها “فلا بد أن تختلف آراؤها في الأمور الاجتهادية، سواء تعلقت بالدين أو الدنيا وسواء كانت من أمور السياسة أو الاقتصاد.. أو حتى الاختلاف بين الأفراد في المطامع والمطامح، وعندما يقترب الناس من المغانم واقتسام الكعكة يدخل الشيطان ويقع النزاع والخلاف”.

الخلاف سبب فشل الحركات الإسلامية

وللإجابة عما إذا كان النزاع سببا من أسباب فشل الحركات الإسلامية في تحقيق أهدافها حتى الآن ، فإن الشيخ محمد الحسن فرق بين التأخر والفشل، رفض أن يصف تأخر الحركات الإسلامية عن تحقيق أهدافها فشلا، فالحركة لو فشلت في بعض الأمور فإنها تنجح في غيرها، وأن فشل أفراد أو جيل في الحركة ليس فشلا لها. وإن حصول الحركات الإسلامية على ثقة الناخبين والوقوف مع المبادئ والتمسك بها رغم المحن نجاحا لتلك الحركات لا فشلا.

أزمة القيادة في الجماعات الإسلامية

يرى ولد الددو أن القيادة الآسرة التي تسلم إليها النفوس وينساق الناس وراءها نادرة الوقوع، فإنه على مدار التاريخ يقع القائد ويكون مؤسسا لحركة أو مجددا فيها، ثم عندما تفقد الأمة أو الحركة أو الجماعة هذا القائد فكأنما فقدت الزمام.

وعزا فشل الحركة الإسلامية في تلمس طريق القادة المؤسسين إلى أن معظم هؤلاء المؤسسين يذهبون دائما في أزمات، وبعضهم يموتون في شبابهم مثل حسن البنا فحينئد تقع أزمة. ولا تقارن الزعامة في حالة الأزمة بالزعامة في حالة العافية، وفي الأزمات قلما تجد من يحقق القيادة الآسرة.

ثم درج قليلا إلى حقيقة القيادة، وأوضح أن الناس في قضية القيادة في غلو وشطط، وبين إفراط وتفريط، وأن القيادة هي تحمل مسؤولية، وهي من الأمور الشاقة، ولذلك فكثير من الناس يظنون أن القائد هو المعصوم الذي لا يخطئ والعالم الذي لا يجهد، وهذا غير صحيح، والقادة في زماننا هذا لا يعملون عن طريق وحي منزل من السماء، وإنما يعملون باجتهاداتهم، وإن كثيرا من المعلومات مغيبة عنهم.

وتحدث عن صفات القائد الشرعية، في الحركات الإسلامية، سواء كان مرشدا أو مراقبا، وتتلخص في أمرين: الورع والعقل، فإنه بالورع يعف لدينه، وبالعقل يسأل، وهذا ما أشار إليه بعض المفسرين في قوله تعالى: (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) حيث قيل: إن البسط في العلم هو العقل، فيجب على القائد للحركات الإسلامية أن يتمتع بعقل يستوعب الواقع، ويشخص الوضع.

التلاعب بالانتخاب عن طريق حشد الأصوات لا يجوز بحال لأن في ذلك إبطالا للانتخاب في أصله، الذي ينبغي أن ينبني على حرية الاختيار ومسؤولية الفرد

وبشأن التشبث بالقيادة، قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يؤم الإنسان في الصلاة قوما وهم له كارهون، وذكر أنه من الثلاثة الذين لا ترفع الصلاة فوق رؤوسهم شبرا، موضحا أن إمامة الصلاة هي أصل للإمامة الأخرى.

لوائح الحركات الإسلامية

يرى ولد الددو أن يصدر في دستور الحركات الإسلامية تحديد مدة للقيادة، وبين أن القيادة عمل طوعي، ليس من الدولة، ولا له شيء يفرض نظامه، ويفترض أن تكون لكل جماعة لوائح توضع طواعية وبشفافية كاملة وأن يوافق عليها جمهور الناس لأنها هي التي تحكم المصالح، واحترامها هو الذي يبايع عليه الإنسان في قضية الخلافة الراشدة.

وأكد ضرورة أن تكون هذه اللوائح صادرة عن أهل الشرع وأهل الخبرة، وتعرض على الناس ويوافق عليها ولا يحل للقيادات تعديلها أو تغييرها إلا برضا الناس، وهي ليست وحيا منزلا، ولذلك تجب مراجعتها دائما مع كل التطورات التي تقع في العالم الذي اكتشف اليوم التداول السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وهذا أمر لم يكن معروفا قديما.

وأجاب الشيخ محمد الحسن عن بعض التجاوزات التي تمارسها بعض القيادات في داخل الحركات أحيانا في موضوع الانتخابات، حين يتلاعب عن طريق حشد الأصوات للأشخاص التي يريدها القيادة. يرى أن هذا التلاعب لا يجوز بحال لأن في ذلك إبطالا للانتخاب في أصله، الذي ينبغي أن ينبني على حرية الاختيار ومسؤولية الفرد.

المحن قدر محتوم

وفي النهاية إن المحن والأزمات لها حلول وتلك الأيام ندوالها بين الناس، فلا يتحتم على القادة في داخل الحركات الإسلامية أن تخلق محنة تلو الأخرى، ويرى ولد الددو أن المحن تمثل المفاصل في تاريخ الحركات الإسلامية، وأنها يجب عليها في هذه المفاصل أن تراجع عدة أشياء، إما أن القيادة غير صالحة لهذه المرحلة فتجب أن تتنحى، وإما أن اللوائح والمناهج لم تعد تصلح فيجب أن تراجع مرة أخرى، وإما أن الظروف والملابسات التي جرتها إلى المشاركة في السياسة غير ملائمة، أو مراجعة ترتيب الأولويات، لذلك هذه المحن التي تمر بها الحركات الإسلامية توجب مراجعة هذه الأشياء شرعيا.

المصدر: الاسلام أون لاين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى