مقالاتمقالات مختارة

أذربيجان من الدولة الصفوية إلى الاحتلال الروسي ـ الأرمني

أذربيجان من الدولة الصفوية إلى الاحتلال الروسي ـ الأرمني

بقلم محمود القاعود

لم يكن المذهب الشيعي منتشرا في إيران حتى قيام إسماعيل الصفوي بإنشاء الدولة الصفوية، حيث أصبح التشيع مذهبا رسميا للدولة الصفوية. بدأت السلالة الصفوية في القرن الرابع عشر الميلادي. بعد استقرار الشيخ صفي الدين إسحاق بمدينة أردبيل في أذربيجان الجنوبية في إيران. ورغم اصوله التركية ادعى أنه أحد أحفاد السلالة السابعة للإمام رضا. وقد واجه حفيده الشيخ جنيد بسبب زيادة نفوذه بين الأتراك اضطهادا من حاكم دولة (قره قويونلو ) التركمانية جهان شاه مما اضطر للجوء الى (اوزون حسن ) بمنطقة ديار بكر. كانت دولة القره قويونلو التي اتسعت حدودها في الأناضول الشرقية وأذربيجان وإيران والعراق في أوج ازدهارها بعد أن اختار جهان شاه،تبريز عاصمة لدولته. تزوج الشيخ جنيد من اخت اوزون حسن الذي الحق الهزيمة بدولة (قره قويونلو) في عام 1469. حيث زوج ابنته من ابن اخته الشيخ حيدر. وكان الشاه إسماعيل الصفوي ثمرة هذا الزواج. بعد وفاة اوزون حسن بدأ طموح الشيخ حيدر للسلطة بالظهور. وبدأ بالدعاية للحركة الصفوية ـ وهي حركة صوفية تركمانية تحولت إلى التشيع الأمر الذي أدى إلى سخط يعقوب ابن اوزون حسن والى قيامه باغتياله وقد اضطر أولاده للعودة إلى أردبيل موطن آبائهم. لكن يعقوب تمكن من قتل اثنين من أبناء حيدر مما أرغم أصغر أبنائه الشاه إسماعيل للهرب من أذربيجان إلى ارزنجان. حيث بدأ مؤيدوه يتجمعون حوله وبفضل هذا التأييد الشعبي بدأ بوضع أسس الدولة الصفوية، بعد أن التف على فكرة (التقية والانتظار )، حيث ادعى ذات يوم أنه أخذ إجازة من (صاحب الزمان : المهدي المنتظر ) بالثورة والخروج ضد دولة آق قويونلو التركمانية أيضا التي كانت تحكم إيران. كما ادعى أنه شاهد الإمام علي (ع) في المنام، وانه حثه على إقامة الدولة الشيعية التي تمكن من تأسيسها بعد سقوط دولة (قره قويونلو ). وكانت أناضول الشرقية وأذربيجان عماد هذه الدولة.
ولد الشاه إسماعيل الذي يعتبر مؤسس الدولة الصفوية في 1487.أبوه هو الشيخ حيدر الذي توفي في الحرب التي خاضها ضد فروح يسار حاكم شيروان وحاكم دولة قره قويونلو يعقوب بك الذي هب لمساعدة الأول. بعد قضاء ستة أعوام رهن الاعتقال قام في 1500 بتنظيم حملة ضد فروح يسار للثأر منه. استطاع احتلال باكو، كما تمكن من إلحاق الهزيمة بحاكم قره قويونلو عام 1502 على مشارف ناخجوان، واحتل جزءا من مملكته. توجه منها إلى تبريز حيث لبس التاج ونال لقب ” الشاه “.احتل بعد قضاء موسم الشتاء ارجيس وبتليس والبستان كما احتل أرض فارس والعراق و تمكن من توسيع حدود مملكته. حيث أصبح في مواجهة عدوين لدودين،الأوزبكيون في الشرق، والعثمانيون في الغرب.وبهدف إسقاط الدولة العثمانية،استغل فترة الصراع القائم على السلطة بين الأمراء العثمانيين، فبعث نور علي، رسولا عنه إلى الأناضول ومع الفرسان التركمان دخل مدينة طوقات حيث تم فيها إلقاء خطبة باسمه. كما قاد شاه قولي،حركة عصيان في أنطاليا. مع وصول السلطان سليم للسلطة انتهى عهد الصراع بين الأمراء على السلطة. حيث قاد حملة ضد مؤيدي الشاه إسماعيل في الأناضول. كما تمكن في 23 آب 1515 من إلحاق الهزيمة بالشاه إسماعيل في سهل جالديران. وقد فقد الشاه إسماعيل على اثر هذه الهزيمة قوته السابقة، حيث أمضى بقية عمره في مدن مختلفة حتى وفاته في 1524 حيث دفن إلى جوار الشيخ صفي الدين بمدينة اردبيل. ويعتبر الشاه إسماعيل الذي كتب قصائده التركمانية باسم (خطائي ) من أبرز شعراء الصوفية في الشعر التركي.
مع ازدياد قوة الدولة الصفوية وتوغلها حتى أواسط منطقة الأناضول بدأ الصراع العثماني ـ الصفوي، الذي لم يكن صراعا مذهبيا في حقيقة الأمر، بل صراعا بين الاخوة تماما كالصراع بين دولتي (قره قويونلو و آق قويونلو ) التركمانيتين. وبدأت شرارة هذا الصراع بلجوء شقيق السلطان ياووز سليم، الأمير أحمد مع اثنين من أبنائه إلى الشاه إسماعيل الصفوي، ورفض الشاه إعادتهما للسلطان العثماني. ونتيجة لذلك بدأ السلطان سليم بالتنكيل بأنصار الشاه إسماعيل في الأناضول.واعتبر الشاه إسماعيل ذلك سببا لاعلان الحرب على السلطان العثماني رغم أن الدولتين كانتا تتنافسان على إظهار محبتهما لآل البيت. وقد تمكنت الدولة العثمانية بعد انتصارها قي معركة (جالديران) 1504 ودخول تبريز،من ترسيخ سلطاتها على منطقة الأناضول الشرقية التي ظلت متأرجحة الولاء فترة من الزمن. ومن نتائج تلك المعركة أنها أدت إلى انفصال الأناضول عن أذربيجان نتيجة النزاعات المستمرة.
التنافس العثماني
استمرت الصراعات لضم أجزاء مهمة من الأراضي الأذربيجانية نتيجة الحملات التي قادها السلطان سليمان القانوني على أراضي الدولة الصفوية، حيث تمكن من ضم كل من ناخچوان واريفان وقره باغ وبموجب اتفاقية بين الجانبين تم الحاق تبريز بالسيادة العثمانية. وفي عام 1639 تم التوقيع على اتفاقية (قصر شيرين ) تم بموجبها رسم حدود إيران الحالية تقريبا. وكان قد تم بموجب اتفاقية استانبول في1590 الحاق(قره باغ) و(كنجه) بالسيادة العثمانية لكن التهديدات الروسية ضد إيران ما لبثت أن نتجت عن تقسيم أذربيجان.
الصراع الإيراني ـ الروسي
تمكن الصفويون خلال حكم نادر شاه والقاجاريون من استرداد قوتهم من تكوين كيانات شبه مستقلة (إمارات ). لكنهم لم يتمكنوا من توحيد هذه الإمارات تحت راية واحدة. لذلك أصبحت أذربيجان منقسمة إلى عشرات الإمارات. كانت إيران في تلك الفترة تمثل فسيفساء للأثنيات المختلفة لكنها إداريا كانت تعتمد على كونفدرالية من عشائر وخانات معينة.
لقد جاء الاهتمام بالمذهب الشيعي والثقافة الفارسية لضرورة توحيد هذه الكيانات في بودقة واحدة.لكن الأوضاع بدأت تتطور لصالح روسيا في قفقاسيا الشمالية والتي بدأت مناطق نفوذها تمتد حتى حدود جورجيا.وقد دخلت هذه المنطقة تحت النفوذ الروسي في 1783. إلا أن إيران أعلنت أن جورجيا تقع ضمن أراضيها وبسبب ذلك أعلنت الحرب ضد روسيا والتي انتهت باحتلال الروس لمدينة باكو (عاصمة أذربيجان الشمالية حاليا ) كما تم احتلال شيروان وشكي ودربندي.
على ضوء هذه التطورات اتخذت كل من بريطانيا وفرنسا موقف التأييد لإيران وذلك لضمان كسبها إلى جانبها ضد روسيا. وكان هدف بريطانيا من ذلك هو ضمان وضعها في الهند، بينما كان هدف فرنسا هو ممارسة الضغط على منافستها في أوربا. بعد التوقيع على معاهدة تيلست بين فرنسا وروسيا، قامت بريطانيا بدعم إيران عسكريا.
انتهت الحرب الإيرانية ـ الروسية في 1812 بهزيمة إيران والتوقيع على معاهدة كولستان وبموجبها دخلت أذربيجان الشمالية باستثناء (اريفان) و(ناخجوان) تحت السيادة الروسية. وقد ساهم وجود الإمارات القائمة في الأراضي الأذربيجانية في سهولة توغل روسيا فيها. وبهدف جعل بحر الخزر في الشرق،ونهر آراس في الجنوب
كحدود طبيعية بينها وبين إيران، تم منح صلاحيات واسعة للإمارات القائمة،واعترف بمبدأ الوراثة فيها كأساس للحكم. في 1804 أعلن أمير منطقة (كنجة )عن رفضه المطالب الروسية، وظل يقاتل الروس ببسالة حنى مقتله.
كانت الكيانات المتمثلة بالخانات (الإمارات ) تفسح المجال أمام روسيا لتحقيق مطامعها التوسعية مثل حق السيادة على أذربيجان. وكانت إيران ترفض الادعاءات الروسية بالسيادة على أراضي أذربيجان الشمالية على اعتبار أن هذه الأراضي كانت مستقلة قبل الاحتلال الروسي. وقد دخلت إيران، أذربيجان الشمالية في 1826 لحماية مصالح الإمارات القائمة فيها. لكن الأمور تطورت سلبا بعد الاحتلال الروسي لتبريز. وبموجب معاهدة (توركمن چاي ) 1828 احتلت روسيا اريفان وناخچوان وارودباد.
بداية النفوذ الروسي
في البداية شكل الروس في أذربيجان الشمالية إدارة تقليدية بتقسيمها إلى سبع ولايات تدار من قبل قادة عسكريين. وقد تم اعتبار اللغة الفارسية لغة المحاكم الشرعية. في 1845 تم استحداث منصب المحافظ العام لعموم قفقاسيا. وفي 1846 قسمت قفقاسيا الجنوبية بشكل عام إلى أربع مناطق. وفي 1867 تم استحداث منطقة إدارية سميت (مقاطعة قفقاسيا الشرقية ) حيث تم بموجبها تقسيم السكان بحيث أصبح الأذريون الذين يقطنون خارج باكو (عاصمة أذربيجان الحالية ) ومدينة (كنجه ) التي تغير اسمها إلى (اليزافاتبول ) مجرد أقليات سكانية في أرمينيا وجورجيا.
بدأت عملية (ترويس ) المنطقة بإرسال مجموعات من الروس إليها بحجة أنهم إداريون وخبراء.كما تم في 1890 تشجيع هجرة الروس إلى المناطق الزراعية الخصبة بغية (ترويسها ). تم تمثيل المسلمبن في المجلس البلدي (الدوما ) بشكل محدود.ولم يتجاوز صوت الأعضاء المسلمين في تلك المجالس ثلت الأصوات في أحسن الأحوال. في عام 1859 اكتسبت باكو طابع المدينة الصناعية وذلك بعد إنشاء مصافي النفطية فيها. حيث بدأت روسيا بتشغيل الروس والأرمن بشكل عام في المناصب المهمة. ورغم تواضع نسبة الأذربيجانيين في القطاع الصناعي وخاصة في صناعة السجاد وانتاج الحرير إلا انهم تمكنوا من احتلال مراكز مهمة في التجارة والنقل عبر بحر الخزر.
ميلاد التيار القومي في أذربيجان
قام الكاتب الأذربيجاني فاتح علي أخوندزاده (1812 ـ 1878 ) بكتابة نصوص مسرحية اجتماعية بهدف التنوير والتثقيف،وبهدف جعل اللغة التركية لغة الأدب. كان ضد التعصب الديني.وكان يدرك ويعي أن الانقسام المذهبي يشكل أهم العوائق أمام الهوية الثقافية لأذربيجان. إلا أن تمرده ضد الدين قاده فيما بعد إلى الإلحاد لكن تأثيره على أبناء جيله كان قويا وحاسما. في عام 1875 أصدر حسن بك زردبادي أول صحيفة باللغة التركية. وقد قابل المتعصبون للغة الفارسية هذه الخطوة بردود واسعة، معبرين عن دهشتهم في اعتبار اللغة التركية لغة أدبية. في البداية أيدت الحكومة الروسية هذه الخطوة على اعتبار أنها ستساهم في إضعاف الصلات مع إيران. إلا أنها سرعان ما أغلقت تلك الصحيفة في 1877 بسبب تعاطف زردبادي مع العثمانيين.
وحدة في اللغة والفكر والعمل
اتهم الأذربيجانيون مثقفيهم الذين درسوا في المدارس الروسية، وتعلموا الروسية، وتولوا مناصب حديثة بأنهم يخدمون سياسة ترويس الشعب الأذربيجاني. ولحل إشكالية رفض التعليم في المدارس الروسية،ظهر تيار إصلاحي باسم (جديدچليك ـ التجديدية ) يدعو إلى تحديث البرامج التعليمية،واعتبار اللغة التركية لغة التعليم. وقد لاقت هذه الدعوة استجابة واسعة من قبل كل الشعوب الناطقة بالتركية في قفقاسيا. مما خلق شعورا بضرورة التأكيد على وحدة اللغة والثقافة. وقد أثمر هذا الشعور عن قيام إسماعيل كاسبرالي وهو من أتراك القرم، بإصدار صحيفة (ترجمان ) في 1883 تحت شعار (وحدة اللغة والفكر والعمل ) كما قام حسين زادة علي بك وهو من ابرز دعاة القومية بإصدار صحيفة (الحياة ) بمدينة باكو وذلك في 1905.
وتحت تأثير ثورة 1905 قام الأتراك في روسيا بتشكيل حزب (اتحاد مسلمي روسيا ) بزعامة علي مردان بك وقد أعلن الحزب في بياناته،أنه لا يمكن تحقيق التقدم والتضامن في ظل النظام الروسي. وبذلك كشف الحزب عن نزعته الراديكالية القومية. وهو ما سيشكل أيديولوجية حزب المساواة (مساوات پارتيسي ) الذي أسس دولة أذربيجان فيما بعد.
من مفهوم الأمة إلى مفهوم القومية
احتل الإسلاميون إلى جانب الراديكاليين والقوميين مواقعهم في الحياة السياسية لأذربيجان. وكان التكتل الراديكالي على اتصال وثيق مع حزب العمال الديمقراطي الروسي مع الحفاظ على استقلاليتهم. شكلت الجماعة المشرفة على صحيفة (همت ) في 1912 حزب المساواة. ورغم أنه رفع شعار الأمة الإسلامية في برنامجه، إلا أنه وبتأثير بعض الكتاب ومنهم رسول زاده محمد أمين. تم تغيير مبدأ القومية بدل الأمة،مع التأكيد أن(التضامن الاجتماعي، العدالة الاجتماعية والاستقلال السياسي ) هو شعار الحزب.
عند نجاح البلاشفة في إسقاط حكومة كرنيسكي في تشرين 1917 أبان الحرب العالمية الأولى، رفضت المجالس الشعبية الاعتراف بقوميسارية قفقاسيا الجنوبية. وعند انعقاد المجلس التأسيسي للبلاشفة في 5 كانون الثاني 1918 تم تشكيل برلمان يضم شعوب ترانسقفقاسيا الثلاثة الأذربيجاني والجيورجي والأرمني في 10 شباط 1918. وأعرب المناشفة الجيورجيين والطاشناق الأرمن عن عدم رغبتهم في الاستقلال عن روسيا. وأمام تهديدات الطاشناق الأرمن المتحالفين مع البلاشفة في باكو، هدد حزب المساواة بإعلان الاستقلال.
عند تشكيل جمهورية فدرالية في 22 نيسان 1918 برئاسة الجيورجي جنكلي ليتوفسكي، تم إجراء مباحثات السلام مع العثمانيين الذين رفضوا الموافقة على شروطه حول ضرورة إشراف كل من ألمانيا واستراليا والمجر على المباحثات. وفي الوقت الذي كان فيه الجيورجيين والأرمن يحاولون الحصول على دعم ألمانيا لموقفهم. كان الأذربيجانيون يرون في موقف الدولة العثمانية عنصر مؤازرة بالنسبة لهم. وكان البلاشفة الذين كانوا يحتلون باكو يهدفون إلى توسيع نفوذهم في الأراضي الأذربيجانية لذلك كانوا يقومون بدعم تحرك الأرمن في قره باغ.
وبإيعاز من ألمانيا انسحبت جورجيا من الحكومة الفدرالية بسبب مخاوفها من انتقال آبار النفط في باكو إلى يد الأتراك. وفي 26 مايس 1918 تم اتخاذ قرار بإلغاء جمهورية ترانسقفقاسيا حيث شكل الأذربيجانيون على أثره مجلسا للشورى في 28 مايس 1918 والذي اتخذ قرارا بإعلان جمهورية أذربيجان المستقلة. وقد تحرك على اثر هذا القرار قوات من الجيش العثماني بقيادة نوري پاشا لدعم الجمهورية الفتية، ومواجهة التهديدات البلشفية.
في 10 حزيران 1918 تعرض مقر القائد العثماني إلى هجوم مسلح من قبل 13 ألف أرمني بقيادة البلاشفة. وقد تمكن نوري باشا من صد الهجوم والانتصار على البلاشفة ومطاردتهم حتى باكو. وعلى أثر ذلك طلبت ألمانيا من القوات العثمانية إيقاف تقدمها. وأعلن رسول زاده استنكاره لاستمرار الاحتلال الروسي لباكو العاصمة الطبيعية لأذربيجان. وفي 9 ـ 17 آب بعث الإنكليز بوحدات عسكرية إلى باكو وذلك على اثر حدوث تغييرات في إدارة الحكم بباكو بعد انتزاع اليمين الديمقراطي الاجتماعي الإدارة من أيدي البلاشفة. وعندما أحست ألمانيا أن ميزان القوى هناك قد تخلخلت، تخلت عن معارضتها لدخول القوات العثمانية إلى باكو. وأشعلت الضوء الأخضر أمام الجيش العثماني. وهكذا دخلت القوات العثمانية باكو في 16 أيلول 1918 بقيادة نوري باشا، الذي أعلن أن تدخل قواته حدث بطلب من الحكومة الأذربيجانية. لكن هذا الوضع لم يستمر طويلا. فقد اضطرت القوات العثمانية إلى الانسحاب في 30 تشرين الأول بموجب معاهدة موندروس. فكان أن دخلت القوات البريطانية باكو على أثرها، وظلت فيها حتى شهر آب 1919. وفي 15 كانون الثاني 1920 اعترفت دول التحالف بجمهورية أذربيجان التي ظلت تصد الهجمات الأرمنية على قره باغ.
الاحتلال الأرمني
استغل الأرمن فرصة الفراغ الأمني عقب التوقيع على الهدنة فقاموا باحتلال كومرو وقارص من جديد. وقد أدى نشوب حرب التحرير التركية بقيادة مصطفى كمال إلى إيقاف هجمات الأرمن في 1920 على الجبهة الشرقية بقيادة الجنرال كاظم قره بكر.حيث تم استعادة صاري قامش وقارص وكومرو من الأرمن. وبدعم من الضباط الأتراك، قام الشيوعيون الأذربيجانيون بإقامة النظام السوفيتي. وقد ظن الأذربيجانيون،أن ذلك سيدفع بالجيش الأحمر لنجدة تركيا التي كانت تقاوم قوات الاحتلال الأجنبي بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى. في نيسان 1920 احتل الجيش الأحمر أذربيجان،و استسلمت الحكومة الأذربيجانية لإدارة البلاشفة. وتم في نفس الشهر إعلان جمهورية أذربيجان الاشتراكية التي انضمت إلى جمهورية قفقاسيا الاتحادية الاشتراكية. في 1936 وبموجب الدستور السوفيتي أصبحت أذربيجان جمهورية من جمهوريات اتحاد الجمهوريات السوفيتية.
في 2 نيسان 1920 تمكنت تركيا بموجب معاهدة كومرو من فرض حمايتها على ناخچوان، واقناع الأرمن بذلك. في 3 تشرين الثاني استولى البلاشفة على الأوضاع في أرمينيا، وأعلنوا عدم اعترافهم بأحكام المعاهدة التي وقعوا عليها مع تركيا. لكن حكومة أنقرة تمكنت وبموجب اتفاق مع موسكو في 21 آذار 1921 من اعتبار ناخچوان منطقة للحكم الذاتي ضمن السيادة الأذربيجانية. وبموجب هذه الاتفاقية اعترفت موسكو بالحدود التركية ـ الأرمنية. وعلى ضوء اتفاقية قارص بين الاتحاد السوفيتي وأرمينيا، اعترفت أرمينيا بالحدود التي تم تحديدها بموجب معاهدة قارص الأنفة الذكر، والتي تضمنت أيضا السيادة الأذربيجانية على ناخچوان
عقب تقسيم أذربيجان في 1828 بين روسيا وإيران أنشئت مستوطنة للأرمن فوق الأراضي التابعة لإمارتي أريفان وناخچوان من قبل القيصر الروسي نيقولا. حيث تم توطين 125 ألف أرمني من أرمن الإمبراطورية العثمانية والروسية.واستمرت روسيا التي كانت تطمح إلى توسيع نفوذها في المنطقة إلى تشجيع الأرمن للسكن في هذه المنطقة. حيث تشكلت منذ تلك الفترة مجموعات عرقية تحلم وتخطط لأرمينيا الكبرى، وتشكل عنصر تهديد دائم للأذربيجانيين.
وخلال 1905 ـ 1907 تمت عمليات تصفية متعددة في باكو وزنكزور وصوصا تنفيذا مشروع أرمينيا الكبرى. حيث قامت عصابات من الطاشناق في 1918 وبدعم من البلاشفة بقتل 50 ألف من الأذريين 20 ألف منهم من منطقة باكو. وقد ذكر القنصل البريطاني في باكو ماك دوول في تقرير له عن الحادث ” لم يبق ثمة مسلم في شوارع المدينة غير الجثث “. وفي 1919 ـ 1920 احتل الأرمن بدعم عسكري روسي أجزاء كبيرة من أذربيجان، ونظموا تصفية لسكان المنطقة من الأذريين
بعد 70 عاما من دعم كرملين المخطط للأرمن « استمر الدعم الروسي حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. حيث تمكن الأرمن بعمليات عسكرية في نهاية الأمر عقب إعلان استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي في 17 تشرين الثاني 1991 « من احتلال30% من الأراضي الأذربيجانية في 1992، وتشريد مليون نسمة من سكانها الذين لا يزالون يعيشون في الخيام. حيث لا تزال مشكلة قره باغ والأراضي الأذربيجانية الأخرى المحتلة من قبل أرمينيا غائبة عن الاهتمام الدولي.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى