مقالات

أجرة الأجير إذا عمل بعض العمل

 

أجرة الأجير إذا عمل بعض العمل

 

مقالات شرعية – أ. د. عبدالله بن مبارك آل سيف

صورة المسألة: أن يتفق مع أجير خاص على عمل معين، ثم يعمل الأجير بعض العمل، فهل يستحق بعض الأجرة على ما عمل، أو لا يستحق شيئاً؟ قولان للعلماء.

اختيار ابن تيمية:

اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن العامل يستحق الأجرة بقدر ما عمل، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [1].

أقوال العلماء في المسألة:

القول الأول:

أنه لا أجرة له. وهذا مذهب الحنابلة [2]، وقول لأبي حنيفة رجع عنه [3].

القول الثاني:

أنه يستحق الأجرة على ما عمل بقسطه في أجرة الدار أو الأرض، أو في قطع المسافة دون ما سواهما.

وهذا مذهب الحنفية [4].

القول الثالث:

أنه يستحق الأجرة بقدر عمله ولو كان في غير الدار والمسافة.

وهذا مذهب المالكية [5]، والشافعية [6]، وقول بعض الحنفية [7]، وبعض الحنابلة [8]، وهو اختيار ابن تيمية.

أدلة القول الأول:

1- أن الإجارة عقد لازم، يلزمه إتمام العمل، فإن ترك فقد ترك مقتضى العقد فلا شيء له [9].

ونوقش:

أنه إذا فسخ فهذا لا يعني هضم حقه وظلمه؛ إذ الظلم حرام بالإجماع.

2- القياس على ما لو استأجره لحمل كتاب إلى بلد معين فوضعه في منتصف الطريق فلا أجرة له.

ونوقش:

أنه إذا كان المستأجر معه وسلمه له فقد قام ببعض العمل واستحق عليه الأجرة بقسطها.

3- أن في ترك العمل إضراراً بالمستأجر؛ إذ يصعب أن يجد من يعمله، وخاصة في دقيق العمل كالخياطة والنجارة، كما أنه لو وجد من يتمه فإنه يزيد عليه في السعر؛ لعلمه بحاجته، بل الغالب أنه لا يجد من يتمه.

4- القياس على الجعالة في كونه لا يستحق الجعل إلا إذا أتم العمل.

أدلة القول الثاني:

ولعل دليل الحنفية أنه في الدار والأرض والمسافة يمكن تجزء العمل بلا ضرر، بخلاف غيرها كالخياطة، إذ ترك العمل فيه ضرر فقد لا يرضى خياط آخر بإكماله  [10].

ونوقش:

أن هذا وارد أيضاً في المسافة والدار في بعض الصور.

أدلة القول الثالث:

1- قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾  [11].

ووجه الدلالة منها: أنها دلت على استحقاق الأجير أجره قلّ أو كثر، وكونه في عمل الآخرة لا يمنع الاستدلال به على أجر عمل الدنيا، وهذا مقتضى العدل والقياس الصحيح.

2- أن عدم إعطائه قيمة ما بذل يدخل في أكل المال بالباطل، وهو محرم، ولا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.

3- أن هذا مقتضى العدل الذي قامت عليه السموات والأرض؛ إذ الاحتمالات ثلاثة: إما أن تكون الأجرة كاملة للمستأجر ولا يأخذ الأجير منها شيئاً، أو العكس بأن تكون للأجير ولا يخصم منها المستأجر شيئاً، أو تكون بينهما بقسطها في مقابل العمل، وهذا هو القول الوسط الخيار المقتضي للعدل.

4- أن كل جزء من العمل يقابله جزء من الأجرة بقسطه، فكان له أخذ ما يقابل الجزء الذي عمله [12].

الترجيح:

والراجح – والله أعلم – هو القول الثالث:

1- لقوة أدلته ووجاهتها.

2- ضعف أدلة المخالفين.

3- موافقته للأصول الشرعية المعتبرة مثل: تحريم أكل المال بالباطل وأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، وهذا الأجير قد عمل عملاً يستحق عليه أجراً.

4- موافقته لمقتضى العدل والقياس الصحيح والفطرة السليمة.

ولو قيد هذا الترجيح بما ليس فيه ضرر على المستأجر، أو بما شرط المستأجر ذلك، لكان له وجه قوي.

وسبب الخلاف: الخلاف في مقتضى عقد الإجارة، هل من مقتضاه تسليم المنفعة كاملة، وعدم قبولها بغير هذه الصفة كالجعالة، أو أن مقتضاه استحقاق الأجير من الأجرة ما يقابل المنفعة جزءً بجزء؟ خلاف بين العلماء.

فالحنابلة ومن وافقهم قالوا: يلزم تسليم المنفعة كاملة ولذا قالوا: إذا هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها الحاكم من مال الجمال أو أذن [13] للمستأجر في الإنفاق وتخصم النفقة من الأجرة.

——————————————————

[1] انظر: مجموع الفتاوى: (30/ 183)، الاختيارات: (157)، المستدرك: (4/ 54)، حاشية ابن قاسم: (5/ 327).

[2] انظر: المغني: (8/ 27)، الإنصاف: (6/ 59)، كشاف القناع: (4/ 25)، شرح المنتهى: (3/ 656)، مطالب أولي النهى: (3/ 656)، حاشية ابن قاسم: (5/ 327)، وانظر: إنشاء الالتزام في حقوق العباد: (158).

[3] انظر: حاشية ابن عابدين: (6/ 14).

[4] انظر: تبيين الحقائق: (5/ 109)، البحر الرائق: (7/ 301)، حاشية ابن عابدين: (6/ 14)، بدائع الصنائع: (4/ 204، 206)، شرح العناية: (9/ 79)، شرح فتح القدير: (9/ 79)، مجمع الأنهر: (2/ 375).

[5] انظر: المدونة: (3/ 454)، مواهب الجليل: (5/ 389)، حاشية الخرشي: (7/ 2)، حاشية الدسوقي: (4/ 34)، التاج والإكليل: (7/ 494)، الفواكه الدواني: (2/ 109)، بلغة السالك: (4/ 6)، منح الجليل: (7/ 431).

[6] انظر: أسنى المطالب: (1/ 456، 430)، شرح البهجة: (3/ 333)، تحفة المحتاج: (4/ 32-33)، (6/ 187)، مغني المحتاج: (2/ 481)، نهاية المحتاج: (3/ 260)، (5/ 317)، حاشية الجمل: (3/ 557)، التجريد لنفع العبيد: (3/ 184).

[7] انظر: حاشية ابن عابدين: (6/ 15).

[8] انظر: المبدع: (5/ 116).

[9] انظر: شرح المنتهى: (2/ 263)، كشاف القناع: (4/ 25)، مطالب أولي النهى: (3/ 656).

[10] انظر: حاشية ابن عابدين: (6/ 14).

[11] سورة الزلزلة، الآية: (7).

[12] انظر: بدائع الصنائع: (4/ 204، 206)، حاشية ابن عابدين: (6/ 14)، شرح العناية: (9/ 79).

[13] انظر: الإنصاف: (6/ 60).

المصدر: موقع شبكة “الألوكة نت”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى