مقالات

أثقل عمل في الميزان!

علاء الدين عوض

إذا سألت كثيرًا من الناس وقلت لهم: ما هو أكثر عمل يدخل الناس الجنة؟ سيَقول بعضهم: الصلاة، وسيقول بعضهم: الصيام، وسيقول بعضهم: الصدقة، وسيقول بعضهم: قيام الليل!

ولكن رسولنا الأكرم وأستاذنا الأعظم بيَّن لنا أن أكثر عمل يُدخل الناس الجنة هو تقوى الله وحُسن الخلق.

والإسلام هو خاتم الشرائع وهو ناسخ للشرائع التي كانت قبلَه، وهو دين الحضارة ودين الرقيِّ، وقمة الرقي الذي يبحث عنه الإنسان موجودٌ في الإسلام، والإسلام ليس دينًا يأمر الناس فقط بالصلاة والصيام والزكاة! ولكن يهتم الإسلام بالعلاقات التي بين الناس، ويحرص على أن تكون علاقات الناس بعضهم ببعضهم علاقات طيبة؛ لهذا اهتم الإسلام كثيرًا بمسألة حسن الخلق، وحث الناس عليها، ورغَّب فيها، بل وقرَنَها بالتقوى.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناسَ الجنة، قال: ((تقوى الله، وحُسن الخلق))، وسُئل عن أكثر ما يُدخل الناس النار، قال: ((الأجوَفان: الفمُ والفَرْج))!

قال ابن القيم رحمه الله: “جمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تُصلح ما بين العبد وبين ربه، وحُسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه؛ فتقوى الله توجب له محبَّة الله، وحسن الخلق يَدعو الناس إلى محبته”.

وحُسن الخلق من صفات الأنبياء والصدِّيقين والأتقياء والصالحين، وهو من الأمور السهلة التي يألفها الناس، ويحبونها.

ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رغَّبنا في حسن الخلق فقال: ((ما من شيءٍ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسن الخلق، وإن الله يُبغض الفاحش البذيء))؛ أخرجه الترمذي، وقال الألباني: صحيح.

وقال: ((إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسِنَكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدِكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدِّقون والمتفيقهون)).

وقال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الرجل ليُدرِك بحُسن خلقه درجةَ الصائم القائم))؛ رواه أحمد.

وقال معاذ بن جبل: آخِرُ ما أوصاني به رسول الله: ((حَسِّن خُلقك للناس يا معاذ)).

وأوصى رسولنا صلى الله عليه وسلم سيدَنا معاذًا فقال له: ((اتِّق الله حيثما كنت، وأتبعِ السيئة الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناس بخلق حسَن)).

قال الفضيل ابن عياض: لا تخالط إلا حسنَ الخلق؛ فإنه لا يأتي إلا بخير، ولا تخالط سيِّئ الخلق؛ فإنه لا يأتي إلا بشر!

والمرءُ بالأخلاقِ يَسمو ذِكرُه ♦♦♦ وبها يُفضَّلُ في الورى ويوقَّرُ

ورسولنا عليه الصلاة والسلام كان أحسَنَ الناس خَلقًا وخُلقًا حتى قال الله عنه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

وقال أنسُ بن مالك: “لقد خدمتُ رسول الله عشر سنين، فما قال لي قطُّ: أفٍّ، ولا قال لشيء فعلتُه: لم فعلتَه؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلتَ كذا”.

وعندما سُئلت أمُّنا عائشة رضي الله عنها عن خُلقه عليه الصلاة والسلام قالت: “كان خُلقه القرآن”!

وسلَفنا الصالح ضرَبوا لنا أروع الأمثلة في حسن الخلق؛ فها هو الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز خرَج ذات ليلة إلى المسجد ومعه رجلٌ من الحراس، فلما دخل عمرُ المسجد مرَّ في الظلام برجل نائم، فأخطأ عمرُ وداس عليه، فرفع الرجلُ رأسه إليه وقال: أمجنونٌ أنت؟ فقال: لا، فتضايق الحارس وهَمَّ أن يَضرب الرجل، فمنعه عمر، وقال له: إن الرجل لم يصنَع شيئًا غير أنه سألني: أمجنون أنت؟ فقلتُ: لا!

فتأمَّلوا هذا الخلُق العجيب!

وها هو سيدنا علي بن الحسين رضي الله عنه، وكان معروفًا بالحِلْم والعفو والصفح، وقيل: إنَّه كانت له جارية تَسكب له الماء، فسقَط من يدها الإبريق على وجهه رضي الله عنه فشجَّه، فرفَع رأسه إليها، فقالت له: إنَّ الله يقول: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾، فأجابها رضي الله عنه: “قد كظَمتُ غيظي”، قالت: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾، فقال رضي الله عنه: “عفا الله عنك”، ثمَّ قالت: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، فقال: “اذهَبي أنت حرَّة لوجه الله”.

حُسن الخلق له ثمراتٌ في الدنيا، وله ثمرات في الآخرة؛ فمِن ثمرات حسن الخلق في الدنيا أنَّ صاحب الخلق الحسَن يألف الناسَ ويألفه الناسُ؛ فإن قلوب الناس تَميل دائمًا إلى صاحب الخلق الحسن، وتُبغض الإنسان صاحب الخلق السيئ.

ومن ثمراته في الآخرة أنه من خيرِ أعمال العباد، ومن أثقل الأعمال في الميزان، وهو سببٌ لدخول الجنة، والإنسان صاحب الخلق الحسن يكون حبيبًا لرسولنا عليه الصلاة والسلام، ويكون قريبًا منه في الجنة؛ كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسِنَكم أخلاقًا)).

وحُسن الخلق له أشكال كثيرة منها: الحِلم والصدق، والحياء والتواضع، والصبر والعفو، والمروءة والأمانة وكظم الغيظ… وغيرها من الأخلاق الحسنة التي أمر بها ديننا الحنيف.

فحسن الخلق من الصفات الجميلة التي يجب أن يسعى كلُّ مسلم للتحلِّي بها، وكذلك يجب على كل مسلم أن يبتعد عن سوء الخلق، وجاء في الحديث: ((سوء الخلق يُفسِد العمل كما يفسد الخلُّ العسلَ)).

وكما قال القائل:

إذا لم تتَّسعْ أخلاقُ قومٍ ♦♦♦ تَضيقُ بهم فَسيحاتُ البلادِ

قال الفُضيل بن عِياض: مَن ساء خُلقه شان دينَه وحسَبَه ومروءتَه.

وقال يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى: “سوء الخلق سيِّئة لا تَنفع معها كثرةُ الحسنات، وحُسن الخلق حسنةٌ لا تضرُّ معها كثرةُ السيئات”.

وكما قال أحمد شوقي:

وإذا أُصيبَ القومُ في أخلاقِهم ♦♦♦ فأقِمْ عليهم مأتمًا وعَويلَا

فعلى الإنسان أن يكون حسنَ الخلق، وأن يُعامل الناس بحُسن الخلق، ويبتعد عن سوء الخلق.

وحسنُ الخلق منه ما هو جِبلِّي، ومنه ما هو مكتسَب، ورسولنا عليه الصلاة والسلام يقول: ((إنَّما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم))؛ رواه الطبراني وغيرُه، وحسَّنه الألباني.

فالإنسان يعود نفسه ويربي نفسه على مكارم الاخلاق، ويتعبد لله تعالى بهذه العبادة العظيمة.

ومن الأسباب التي يتَّخذها الإنسان ليرزقه الله حُسن الخلق: التضرُّع لله عز وجل بالدعاء؛ فقد كان النبي يسأل الله تعالى حُسن الخلق، فروى أحمدُ في المسند من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: ((اللهم كما حسَّنتَ خَلقي فحسِّن خُلقي)).

وفي دعاء الاستفتاح الطويل الذي خرجه مسلمٌ من حديث علي رضي الله عنه أنه كان يقول: ((واهدِني لأحسن الأخلاق، لا يَهْدي لأحسنِها إلا أنت، واصرف عني سيِّئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت)).

وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الشِّقاق، والنِّفاق، وسوء الأخلاق)).

المصدر: شبكة الألوكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى