أبوجهل والسياسة.. استنساخ متجدد
بقلم عمار العربي
عندما تتكون حالة من الغضب حِيال المسلك السياسي لدولة ما، فليس ذلك سوى لأنها تُسبب الغيظ بأعمالها شرقاً وغرباً، ولأنها وبكل بساطة تضبط أداءها السياسي وفق مؤشرات مصالح الأمة، ولأنها ترعى شؤون الجاليات في الغرب وفي أفريقيا، وتأخذ بعين العطف مآسي المعذبين في الأرض وفي القارة السوداء، ولأنها تُقدم إسلاماً يجد قبولاً في مشارق المعمورة ومغاربها، ولأنها تبني مساجد في مجاهل أفريقيا.
وإزاء كل ما سبق لا غرابة أن يغضب كل حفيد لأبي جهل ويسب غيره ناعتاً إياه برعاية الإرهاب، ويواصل مغامراته الصبيانية في بقاع العروبة قاصفاً المرافق العامة وحافلات المدارس، ومُدعياً للحرص على مصالح الأمة وحماية حقوقها. حينها يأتيه الدليل المُخزي في مشاركته في قصف قطاع غزة، وقيامه بشراء ذمم السياسيين في كافة أرجاء المعمورة، والتدخل في شؤون الأشقاء امتداداً من ليبيا واليمن وجزيرة سوقطرى إلى ما لا نهاية.
وعندها لا يتوانى عن التجسس على خطوط اتصال المواطنين، غير مكتف بذلك بل يُراقب حكومات الدول المجاورة، ويُمارس هواياته في تقديم الرشاوى والهدايا والتدخل في كثير من انتخابات بلدان العالم، لذا يشرعن لنفسه حق مهاجمة أمريكيا حامية الحقوق المدنية، التي لا ترتضي عسكرة المجتمعات المدنية، ومن هنا وبناء على تلك المعطيات فهل من قابلية لتكرار أبي جهل في منظوره السياسي القيمي؟!
المتأمل في المشهد السياسي العربي، يجزم القول بحتمية تكراره لعدة اعتبارات، والتي في الطليعة منه لحظات غضبه وانفعالاته السياسية، فحينما تتقاطع ثوابت دولة ما مع مرجعيات الأمة، وعندما تجتهد في بناء مساجد شتى في مجاهل أفريقيا، لتكون تلك المساجد بمثابة مدارس لتعليم القراءة والكتابة وتعريف الناس بأمور دينهم ودنياهم فتلك أمور لا تُرضيه، وعليه فليس من المستغرب أن يثور وزير أثيوبي قائلاً لا نحتاج أن تعلمونا الإسلام لأنه ضاع منكم! ومن تلك الاعتبارات ما يبدو عليه أبو جهل عمرو بن هشام، وقد توافرت فيه صفات كثيرة تُعيد نفسها مراراً وتكراراً، فإن مات فإن أحفاده لا زالوا على نفس خطاه نراهم عياناً، يبنون مكانتهم في قومهم على توظيف ديني وإعلامي لغوي وتجيير للمقدسات الدينية سعياً لاكتساب الشرعية وإقرارها عبر اللغة والتجارة والتعصّب القبلي.
عمّر أبو جهل قرابة نصف قرن أساء فيها للمسلمين وتملؤه الرفاهية والسيادة متتلمذاً على دار الندوة، وعلى نفوذه الممتد، ففي الوقت الذي كان فيه يحوز منزلة رفيعة في المجتمع القرشي إلى درجة أنه لم يكن هناك أكثر نادياً منه لتشعب سطوته في أم القرى وما حولها، فإنه اليوم يعمل جاهداً على أن يستجر أتباعه! إن المال اعتبار فذ يصنع الأتباع في أفريقيا وآسيا، وكذا التجارة والاستثمار في الأبراج ونشر المنكرات، وما لا يرضي الله ولا رسوله. أما الاعتبار الجرمي فحقيقة مشاهدة بقدر ما ينزاح الستار كل يوم عن خفايا جرمية، ومن قبل لم يتورع أبو جهل بعنجهيته الجاهلية عن قتل الصحابية سمية أم عمار، واليوم يُكرر فعلته في كل ميدان.
ومن تلك الاعتبارات الخصومة إلى حد الفجور، لذا كان الاجتماع في دار الندوة مع من يسير على منواله في السياسات العملية. ومن تلك الاعتبارات أن هذا المُكابر لا يُريد الجلوس على طاولة المفاوضات، ولذلك يُعاند فإن نجت قافلته نجت، وإلا فسيظل يصر ويعاند ويصف الآخرين برويعي الغنم، ويصدق فيه قول الشاعر حسان بن ثابت:
ألم تجدوا كلامي كان حقاً.. وأمر الله يأخذ بالقلوب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا.. صدقت وكنت ذا رأي مصيب.
ومن تلك الاعتبارات تشكيله لدار الندوة كغرفة تحكم تتكفل له بالمراد، ولذلك قام بشراء وسائل الإعلام في أمريكيا لتُشوه من يعاديه ولتحسن صورة أفعاله، وهو الحائز على صفات وقدرات استثنائية لم تُوظف لصالح الأمة بل تم توظيفها في خدمة العدو قبل الصديق، ونرى ذلك اليوم بأم أعيننا.
لقد تمتع أبو جهل الأب بالمنعة والجود والثراء والقوة النظرية واللسان والتأثير، وكذلك تمتع أبو جهل الابن ببعض تلك الصفات وزادها أن كان أفّاكاً أثيماً، مُظهراً أم الصفات لديه وهي حب الزعامة في قيادته لسدنة حماية التراث القرشي الوثني، بحضوره الفاعل في الصراع بين الحق والباطل. تَجدُه الأشد عداوة والمحرّض على خوض المعارك وإنه الفرعون الطاغية المتجدد الذي لا تأخذه في مصاحبة الشيطان الرجيم لومة لائم!.
(المصدر: مدونات الجزيرة)