مقالاتمقالات مختارة

أبو يعرب المرزوقي يكتب: ليست تركيا مستهدفة وحدها.. بل كل من بقي مرفوع الرأس

بقلم أبو يعرب المرزوقي

سأعود إلى البحث بعد كلام عاجل أريد أن اقوله حول ما يجري الآن في تركيا. وسيكون خطابي موجها مباشرة إلى دولتين عربيتين في المشرق ودولتين عربيتين في المغرب. والكلمة بسيطة جدا: سأفترض ان تركيا بقيت وحدها وتمكن منها الانتقام الاسرائيلي والأمريكي والاوروبي وأنظمة العرب العميلة. وسأسأل حكام قطر والكويت في المشرق وحكام الجزائر والمغرب في المغرب سؤالين وأريد منهم أن يجيبوا دون موقف النعام:

1. لماذا يراد الإطاحة بتركيا؟

2. وهل سيبقى لكم أدنى شروط الاستقلال بعد ذلك إن لا قدر الله فحصل ما يخطط له من يسعى لاستكمال الخطة التي بدأت منذ قرن تقريبا؟

والسؤال الأول يسير الجواب: خطة الحرب العالمية الأولى فشلت في إقليمنا لأن البعض من أهله شرعوا في الإقلاع بما يشبه ما حصل في جنوب شرق آسيا وذلك بإفشال هذه الخطة: أولا إفشال فرض العلمنة وثانيا بمحاولة بيان استحالة تواصل قيم الحضارة الإسلامية في العصر الحديث.

وقد أرادوا بهذه الخطة التي هي انجليزية فرنسية روسية في الأصل والتي ورثتها عنهم أمريكا وإسرائيل التي هي من ثمراتها لضرب الشعبين اللذين يعتبرهما الغرب بمقتضى التجربة التاريخية خطرا محتملا لا ينبغي ترك الفرصة لأن يستأنف دوره التاريخي: الأتراك غاية والعرب بداية.

وهم اليوم مطمئنون إلى أن أهم ما في الركن العربي من هذه الخطة شبه حاصل بسبب السيطرة على أكبر دوله كما هو بين من الحلف الجديد للثورة المضادة المحاصرة لكل بلاد الربيع ولكل من ينحاز إليها من يعني قطر وبنحو منا الكويت وبقيت تركيا التي إلى حد الآن استطاعت أن تناور للحفاظ على قوتها.

ودون أن أقلل من قدرة تركيا على الصمود فإن الحذر واجب لأنه إذا كانت الصين بما نعلم من حجمها ما تزال تخشى ممن بيدهم القوتان الكبيرتان أعني سلاح الاقتصاد وسلاح الحرب فما بالك بتركيا التي ما تزال لم تصل حتى لمستوى الدول الاوروبية التي هي محميات أمريكية.

فإذا اضفت أن ما يهددون به إيران كلام لكن ما يخططون له لضرب تركيا فعل. وما تنتظره إيران من أوروبا حقيقة ولا يمكن لتركيا أن تنتظر خيرا من أوروبا لأن أوروبا هي التي لم تنس دور العثمانيين في تاريخها. ولهذه العلة فالمعركة تتجاوز تركيا وتهم كل المسلمين لو كانت قياداتهم واعية.

ومن السذاجة أن يصدق أي عاقل أن الحملة مقصورة على أردوغان ولا حتى على حزبه. هي تستهدف الشعب الذي بيّن لهم أن ما كانوا يستعملونه للتحكم في مصير تركيا لم يعد ذا فاعلية كافية لإيقاف الاستئناف الذي بدأ يزداد حصوله رجحانا لأن ما حصل في تركيا خلال أقل من عقدين يشبه المعجزات.

لذلك فهم سيضاعفون الهجمة لأن ما فعلوه مع “الرجل المريض” لم يعد كافيا الآن وقد تعافى ولم يفقد روحه بل استردها ويمكن أن يصبح “الرجل السليم” الذي يمكن أن يمثل نموذجا قادرا للانبعاث الإسلامي الحديث بمعايير الحداثة في كل المستويات دون التخلي عن فرادته الحضارية.

وإذا كانت الحملة مركزة الآن على إيران بالأقوال فهدفها ليس إيران بل من التركيز عليه صار بالأفعال والاقوال في حملات شعواء وشريرة وحقيرة وخاصة لدى زعيمتي أوروبا المتيامنة إيديولوجيا مع المسلمين حتى وإن بدا حكامها وكأنهم غير قابلين لإيديولوجيا اليمين في المسائل الداخلية.

والتركيز عليه ليس لذاته بل لأنه يمكن أن يكون نموذجا قاطرا لكل المسلمين وليس عندي مسلمون إلا السنة الذين يعاديهم الغرب وكبار استراتيجييه الذين يصل بعضهم إلى اعتباره سرطانا في قلوب خمس البشرية ويخططون لمحاربته محاربتهم للإشتراكية سابقا لكأنه قابل للمقارنة معها.

وعندما عينت الدول الاربع العربية بالذات لم يكن ذلك من باب اعتبارها دولا يهمها الإسلام فلست عليما بسرائر الحكام بل من باب اعتبار أعداء تركيا لهم بكونهم المراكز الأخيرة -بعد التي خضعت- في الإقليم التي ينبغي القضاء عليها لإرجاعه إلى مجرد مرتع لإسرائيل في نظام العالم الجديد.

وإذا لم يهبوا الآن وليس غدا إلى مساندة تركيا لإفشال الخطة فدورهم يتبع مباشرة بعد أسقاط تركيا لا قدر الله. ولأدقق قصدي: فخطة احتلال قطر والكويت جاهزة ولا تنتظر إلا هذه النتيجة. أما الجزائر والمغرب فالأمر يحتاج إلى خطة أخرى: دولتان كبريان في المغرب ينبغي تفتيتهما بمفجر القومية.

مفجر القومية والطائفية فشل في تركيا ولذلك مروا معها مباشرة للعصا الغليظة وهي ضرب الاقتصاد التركي رغم أني اعتقد أن هذه الخطة يمكن أن تصبح لصالح تركيا أيضا إذا قامت هذه الدول الأربعة بما ينبغي أن تقوم به للدفاع عن نفسها وليس عن تركيا.

فتخفيض قيمة العملة إذا توقف عند حد معلوم ومحسوب يمكن أن يصبح رافعة لتصدير المنتجات التركية وجاذبة للسياحة والاستثمار في المدى المتوسط وحتى القصير. لكن لا بد من إيقاف التردي في قيمة العملة إذا لم يكون محكوما بهذه الاهداف. والحل بسيط وهو نوعان، مغربي ومشرقي.

فأما المغربي فلا يمكن أن يكون ماليا لأن البلدين ليس لهما ما يفوق الحاجة ومن ثم فالدور المنتظر هو التضامن والسياحة. لكن المشرقي هو الحل الأهم: يمكن لقطر وللكويت صاحبي الفائض المالي أن يضعا وديعتين في البنك المركزي التركي بقدر لا يمكن أن يتغلب عليه التلاعب بالعملة التركية.

ويمكن مع ذلك أن تسمح الدولتان للأثرياء من شعبها أن يفتحوا حسابات مهمة في تركيا بالدولار علما وأن قطر والكويت قادرتان على جعل وديعة كل منهما بما قدره خمسين مليار دولار تسترد لاحقا أو تبقى شبه عربون على مستورداتهما بضائع وخدمات من تركيا لعقود. وليس ذلك بالعسير وليس فيه أدنى خسارة.

قد يظن ذلك في البداية وكأنه مساعدة لتركيا. لكنه في الحقيقة شرط بقاء لهما. ذلك أني واثق من أنه لو لا قدر الله نجحوا حتى في الإطاحة بأردوغان دون الإطاحة بتركيا فإن هذه بحكم علماني يعود بعده مباشرة لن تكون إلا من صف من خضعوا نهائيا لإسرائيل وأمريكا في خطة أعادة استعمار الإقليم.

(المصدر: جريدة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى