مقالاتمقالات مختارة

“أبو مهدي المهندس”.. رجل الظل الإيراني في العراق

“أبو مهدي المهندس”.. رجل الظل الإيراني في العراق

بقلم أحمد مصطفى الغر

لم يُعرَف عن “أبو مهدي المهندس” أي حضور سياسي مهم في الساحة العراقية طيلة الأعوام الماضية، وهو ما جعل ظهوره وتصريحاته لوسائل الإعلام محدودة، فقد دأب الرجل على تنفيذ أجندة طهران بشقيها العسكري والسياسي في العراق، سهر الليالي من أجل بناء ومتابعة شبكة الوكلاء الإيرانيين على أرض الرافدين، لم تشغله الأضواء ولم يسعى للشهرة، لكنها سعت نحوه رغم أنفه مرتين، الأولى عندما تقلد منصب الرجل الثاني في ميليشات الحشد الشعبي، والثانية عندما قُتِلَ في غارة أمريكية استهدفته مع صديقه الحميم “قاسم سليماني” في مطار بغداد الدولي. فمن هو “أبو مهدي المهندس”؟، وما الدور الذي كان يمارسه هذا الرجل في العراق؟

اسمه الحقيقي هو “جمال جعفر آل إبراهيم”، وبالمناسبة فإن هذا الاسم لم يتم الكشف عنه سوى بعد اغتياله قبل أيام، فالرجل يحمل 19 اسمًا حركيًا، وُلِدَ عام 1953 في محافظة البصرة بجنوب العراق، كان مغرمًا بالسياسة منذ صغره، فانضم إلى حزب الدعوة الإسلامية وهو لا يزال طالبًا في المدرسة الثانوية، ثم درس في قسم الهندسة المدنية بالجامعة التكنولوجية، إلى أن حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة عام 1977، قبل أن يعمل مهندسًا في إحدى المنشأت، وسرعان ما ترك الهندسة ليتجه لدراسة العلوم السياسية، ليحصل فيها على شهادة البكالوريوس ثم الماجستير والدكتوراه في الاختصاص ذاته، كشيعي متدين لم يغفل التعليم الديني فدرس مقدمات الحوزة العلمية في البصرة، وعقب أحداث رجب عام 1979 تم اعتقال العديد من الطلاب، وكان “المهندس” أحد أهم المطلوبين لمحكمة الثورة. في عام 1979؛ تسلم “صدام حسين” حكم العراق، وقُتِلَ “محمد باقر الصدر”، فاستشعر “المهندس” أن لا داعي لبقاءه بالعراق، فغادره عام 1980.

 بعد 5 سنوات أصبح عضوًا في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ومن خلال هذه العضوية بدأ “المهندس” في ممارسة العمل السياسي، جنبًا إلى جنب مع ممارسة دوره العسكري كقائد لفيلق بدر، الذي صار قائداً له حتى أواخر التسعينات، وفيلق بدر هى القوة التي شُكِلَت في إيران من مقاتلين عراقيين لدعم إيران في الحرب ضد نظام “صدام حسين”، خلال الفترة (1980-1988)، وفي عام 2003 لعب دورًا هامًا في العملية السياسية التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق، قاد بنفسه تشكيل الائتلاف الوطني الموحد، والائتلاف الوطني العراقي، ومن ثم التحالف الوطني، وقد أصبح لفترة قصيرة عضوًا في البرلمان العراقي عقب انتخابات عام 2005.

قضى “المهندس” فترة من حياته في الكويت، وفي عام 198؛ صدر ضده في الكويت، حكمًا بالإعدام، لتورطه في هجمات استهدفت سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا، لكنه فرَّ من هناك قبل إلقاء القبض عليه، فـ “المهندس” الذي يحمل الجنسيتين العراقية والإيرانية ويتقن اللغة الفارسية ومتزوج من إيرانية، هو أحد الأعمدة التي اعتمدت عليها إيران في تنفيذ أجندتها الخاصة في العراق، إذ ساهم في تأسيس كتائب “حزب الله” العراقية، والتي تعدّ النسخة العراقية من ميليشا “حزب الله” اللبناني، وفي عام 2009 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على “المهندس” وكتائب “حزب الله” العراقية، واعتبرتهما إرهابيين، حيث أكدت واشنطن حينها أن “المهندس” يدير شبكات تهريب للأسلحة، وشارك في تفجير سفارات أجنبية، ودبّرَ محاولات اغتيال لشخصيات بارزة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن قيادة الحشد الشعبي كانت في يد مستشار الأمن الوطني العراقي “فالح الفياض”، لكن “المهندس” الذي كان في منصب نائب قائد الحشد، هو من يتولى القيادة بشكل فعلي على الأرض.

 بل إن “المهندس” قد عمل بجد لتطوير الحشد من مجرد منظمة عسكرية تشكلت على عجل، بعد فتوى من المرجع الشيعي الأعلى في العراق “علي السيستاني”، وبصورة أساسية لمحاربة داعش، وجعله قوة ذات تأثير في المعادلة السياسية والعسكرية العراقية، في محاولة لاستنساخ دور ميليشا حزب الله في الواقع السياسي والأمني في لبنان، وبالرغم من أن الحشد الشعبي قد تم دمجه في وقت لاحق مع القوات الأمنية العراقية الرسمية، لكن ما زالت بعض فصائلها المتشددة، تمارس نشاطات مستقلة بعيدًا عن القيادة الرسمية للقوات المسلحة أو رئاسة الوزراء، وعلى الرغم من منصبه الحساس في الحشد الشعبي، إلا أن “المهندس” نادرًا ما كان يظهر في العلن أو أن يشارك بشكل ظاهر في الحياة السياسية، قليلة هى المرات التي خرج فيها عن صمته؛ منها العام الماضي.. عندما خرج ليعلن اتهامه للولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء سلسلة انفجارات غامضة استهدفت قواعد للحشد الشعبي في العراق.

كما كان “المهندس” مستشارًا شخصيًا للجنرال الإيراني “قاسم سليماني”، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، حيث كانا يظهران معا في العديد من المناسبات والمناطق الساخنة، ولعل هذه الصداقة هى ما تفسر تاريخ “المهندس” الطويل فيما يخص العمل مع المليشيات المتطرفة وتأسيسها وتدريبها، وقد تم توصيفه على أنه “عنصر مفوض” من قبل إيران، بحسب تحليل نشره معهد واشنطن في عام 2015، ولا يكتفي “المهندس” بالظهور المتكرر على جبهات القتال كما يفعل صديقه الحميم “قاسم سليماني”، بل إنه في أحد اللقاءات الصحفية باللغة الفارسية التي يتقنها، قال مفاخرًا: “أفتخر أن أكون جنديًا لدى الحاج قاسم سليماني، وهي نعمة إلهية”، وقد شاءت الأقدار أن يكون مقتله بمعية هذا الجنرال، على إثر ضربة جوية أمريكية استهدفت موكبهما قرب مطار بغداد الدولي، المؤسف بالنسبة لإيران ـ هنا ـ أنها لم تخسر ثعلب سياستها الخارجية والمنفذ لأجندتها العسكرية في دول المنطقة “قاسم سليماني” فحسب، بل خسرت واحدًا من أهم أتباعها المثاليين والمؤثرين في العراق، فقد كان “المهندس” تجسيد مثالي لرجل الظل الإيراني في بلاد الرافدين.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى