أبو تريكة وأوزيل.. إن لم تستطع وقف الظلم أعلنه على الملأ!
بقلم أ. د. حلمي محمد القاعود
في السادس والعشرين من يناير عام 2008م، كان المنتخب المصري لكرة القدم على موعد أمام المنتخب السوداني، في بطولة كأس الأمم الإفريقية، فاز المصريون بثلاثة أهداف دون رد. وفي المباراة رفع اللاعب المصري الشهير “محمد أبو تريكة” قميصه عقب تسديد هدفه في مرمى السودان، ليكشف عن رساله للعالم تجسّد معاناة الشعب الفلسطيني وقهره على أيدي اليهود الغزاة. الرسالة حملت جملة “تضامناً مع غزة”، كانت مطبوعة على قميص اللاعب المصري فاشتعل الرأي العام وقتها ليس في مصر أو إفريقيا فحسب بل في العالم أجمع.
بعدما أشهر اللاعب لكل الحاضرين جملة “تضامنًا مع غزة”، دعما لفلسطين ضد حرب الاحتلال على قطاع غزة فى ذلك الوقت. أخرج الحكم الكارت الأصفر للاعب “أبو تريكة” بتهمة خرق اللوائح والنظم ووضع شعارات سياسية في أثناء مباراة رياضية، وهو الأمر الذي يمنعه الكاف(الاتحاد الإفريقي لكرة القدم).
ما فعله أبو تريكة أثار الذعر لدى المسئولين في اتحاد كرة القدم المصرية، وقام مسئول رياضي مصري كبير بتحذير لاعبي المنتخب المصري من أن يحذوا حذو أبو تريكة، وإلا وضعهم على أول طائرة إلى القاهرة!
كان الاتحاد الأفريقي(الكاف) يسعى لتوقيع عقوبة الإيقاف على اللاعب وتغريمه مالياً. وكان لذلك وقع سيئ على الشعب المصري والعالم العربي فانهالت ملايين الرسائل الإلكترونية إلى الكاف، تأييداً لموقف أبو تريكة واستنكاراً للرغبة في معاقبته، وأسهم رؤساء البعثات الرياضية للدول المشاركة وبخاصة بعثات المغرب والسودان وتونس في إقناع الكاف بعدم توقيع أية عقوبة على اللاعب المصري، واستشهد المتعاطفون مع أبو تريكة بواقعة مشابهة حين قام بها اللاعب الغاني جون بينتسيل المحترف في نادي هابوعاليم بالكيان الغاصب الذي رفع العلم الصهيوني عقب فوز فريقه على منتخب التشيك في مونديال ألمانيا عام 2006م، وهو الموقف الذي أثار حفيظة الكثيرين، فلم توقع الفيفا أية عقوبة على اللاعب المذكور.
اكتفى الاتحاد الافريقي “الكاف” تحت ضغط الرأي العام بالإنذار الذي وجهه الحكم إلى اللاعب أبو تريكة في الملعب، محذرًا إياه من العودة إلى هذا السلوك مجددًا، بيد أن اللاعب أعلن فيما بعد أنه ليس نادمًا على ما فعله قائلاً: “تعاطفا مع غزة” في 2008 لم أفعله رياءً ولا نفاقاً، ولم أسع به للشهرة في الدنيا، ولكن ارتباطي به في الآخرة، فأنا أردت به الأجر من الله”، وأوصى بأن يتم دفنه بالقميص عند وفاته.
مرة أخرى، في يوليه 2017م عبّر أبو تريكة غاضباً وحزيناً على ما يجري للشعب الفلسطيني نتيجة الانتهاكات التي قام بها الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني بالقرب من المسجد الأقصى من خلال تغريدة على «تويتر» طالب فيها الفلسطينيين بالصبر ومسامحة الأمة الإسلامية على سكوتها تجاه ما يحدث لهم. وكتب: «شعب أعزل يواجه محتلاً غاشماً .. وأمة تعدادها قرابة ٢ مليار مسلم تتفرج.. يا أهل فلسطين سامحونا وندعو الله أن يثبتكم في وجه الاحتلال».
عندما يرى العالم الظلم الفادح الذي يحيق بالشعب المسلم المظلوم ولا يتحرك، فهذا خلل كبير، ومساعدة ضمنية للظالمين، ولكن الإعلان عن الظلم ضرورة لتنبيه الغافلين، وتذكير المقصرين بواجبهم، وهو ما فعله اللاعب التركي الألماني مسعود أوزيل في الآرسنال الإنجليزي، غضبا من أجل مسلمي الإيجور الذين تفتك بهم حكومة الصين الشيوعية، وتقوم بحصارهم والتضييق عليهم وتغيير عقيدتهم، وجمعهم في معسكرات ضخمة لغسيل أمخاخهم، وتغيير مناطقهم ديموجرافيا بإحلال عرقيات أخرى لإذابتهم في المجتمع الشيوعي، وإلغاء هويتهم الإسلامية في خطوة تمثل ما بعد الاحتلال الصيني الذي منحهم عام 1949حكما ذاتيا، حيث لم يعد لهذا الحكم الذاتي وجود!!
كان الأديب الراحل نجيب الكيلاني- رحمه الله- أول من تناول مشكلة المسلمين في تركستان الشرقية التي احتلتها الصين، وأسمتها شينكيانج، وصور قبل أربعين عاما تقريبا في روايته “ليالي تركستان” العذاب الذي يلاقيه المسلمون هناك، والقمع الذي يعانون، ولكن ما صوره الكيلاني في روايته يومئذ يبدو إزاء ما يحدث للمسلمين الآن أمرا هينا. وهو ما جعل لاعب الآرسنال “مسعود أوزيل” يوقظ العالم، والضمير الإنساني للالتفات إلى مأساة شعب تتم إبادته ماديا ومعنويا في ظل حكم شيوعي ظالم جائر، وبث أوزيل رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي تصف الإيجور بأنهم “مقاتلون يقاومون الاضطهاد” وتنتقد حملة الصين وصمت المسلمين. وكتب عبر تويتر قائلا: “يا تركستان الشرقية.. أنت جرح ينزف في جسد الأمة.. إنه مجتمع المجاهدين والمجاهدات المقاومين للظلم.. إنهم مؤمنون شرفاء يكافحون وحدهم في وجه من يحاولون إبعادهم عن الإسلام غصبًا”.
وأضاف: “القرآن يتم إحراقه.. المساجد يتم إغلاقها.. المدارس الإسلامية يتم منعها.. علماء الدين يقتلون واحدا تلو الآخر.. يرسلون الرجال إلى المعسكرات، ويضعون بدلًا منهم ذكورا صينيين في عائلاتهم”. واستطرد: “ويجعلون الأخوات يتزوجن الرجال الصينيين غصبًا.. بالرغم من كل ذلك، المسلمون صامتون.. صوتهم ليس مسموعا.. ألا يعرفون أن الرضاء عن الظلم ظلم أيضًا”.
واختتم أوزيل حديثه قائلا: “ما أجمل ما قاله سيدنا علي: إن لم تستطع وقف الظلم، أعلنه للناس جميعا، الإعلام الغربي يتحدث عن هذه الوقائع منذ أشهر.. ولكن أين إعلام المسلمين؟ ألا يعرفون أن الحيادية في الظلم انعدام للشرف؟ ألا يعرفون أن إخواننا الموجودين هناك، سيأتون بعد سنوات وسيتذكرون صمت الإخوة المسلمين، وليس ما تعرضوا له من ظلم وتعذيب..؟ يا الله، كن عونًا لإخواننا في تركستان الشرقية.. يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”. وذكرت رويتر أن تغريدات أوزيل جاءت على صورة خلفيتها مساحة زرقاء عليها الهلال والنجمة، تشير إلى علم “تركستان الشرقية”،
ما قاله أوزيل أشعل الغضب في الصين والعالم، فقد نفت الصين اضطهاد المسلمين، كما تفعل دائما. وقام التلفزيون الصيني في 20/12/2019 يقطع البث المباشر لحوار المرشحين الديمقراطيين الأمريكيين للانتخابات الرئاسية القادمة في 2020، لدى سؤالهم عن الإيجور- حيث تطرقوا إلى الانتهاكات التي يتعرض لها مسلمو تركستان وفشل الرئيس ترمب في مواجهة هذه الانتهاكات، ودعوا المسئولين الأميركيين إلى عدم الصمت إزاء ممارسات الصين الوحشية. وحذفت شركة صينية مسعود أوزيل، من نسخة الهواتف النقالة من لعبة كرة قدم إلكترونية في البلاد، وأعلنت شركة “نت إيز” الصينية المدرجة في أسواق الأسهم في الولايات المتحدة، أنها حذفت أوزيل من نسخة الهواتف للعبة “بي اي أس (برو إيفوليوشن سوكر)” في البلد الآسيوي، في أعقاب “تعليقه الحاد عن الصين”. وألغت القناة الرسمية الصينية بث مباراة أرسنال ومانشستر سيتي ضمن الدوري الممتاز في الأيام الماضية بسبب أوزيل لاعب الآرسنال. وحاولت الخارجية الصينية التغطية على الأمر بدعوة أوزيل لزيارة تركستان الشرقية زاعمة أنه سيرى شيئا آخر مختلفا عما يقال عن الاضطهاد.
من ناحية أخرى تضامن بعض لاعبي آرسنال مع أوزيل، وعبر النادي عن احترامه لحرية الرأي، ونأى بنفسه عن الموضوع، وفي العالم الإسلامي تفجرت بعض الاحتجاجات، تعاطفا مع مسلمي تركستان الشرقية، كما حدث في مظاهرة ضخمة ضمت الآلاف في اسطنبول خرجت من جامع السلطان أحمد، وكان عنوانها “الصرخة الصامتة”، ورفع المحتجون لافتات تقول “أوقفوا الوحشية” ورددوا هتافات منها “الصين القاتلة، اخرجي من تركستان الشرقية” و ”تركستان الشرقية ليست وحدها”، وقال أحد المحتجين ويدعى “أدم عادل“: تصرف مسعود أوزيل المشرف ألهمنا…ينبغي للجميع أن يرفعوا أصواتهم ضد هذا الظلم مثلما فعل مسعود”. وفي باكستان خرجت الجموع بالعاصمة إسلام آباد تستنكر وحشية الصين، وتتضامن مع المسلمين الإيجور المظلومين. كما تظاهر عشرات المحتجين أمام مبنى السفارة الصينية بالعاصمة النمساوية فيينا، تنديدا بانتهاكات بكين بحق مسلمي الإيجور في إقليم تركستان الشرقية. ورفع المتظاهرون لافتات مكتوب عليها “الحرية لأتراك الإيجور”، و “لا مزيد من المذابح”، و”مليون إيجوري محتجز في الصين بشكل تعسفي”.
المحزن في الأمر أن العالم العربي صامت، وبعض مسئوليه للأسف الشديد مع بعض أقلامهم المأجورة يؤيدون الصين الشيوعية في استبدادها وتسلطها وإجرامها، وتستقبل معظم العواصم العربية بضائع الصين الشيوعية ومنتجاتها على المستويين الرسمي والشعبي بكميات هائلة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
(المصدر: مجلة المجتمع)