أبناء معتقلي الرأي في الإمارات.. حقوق مسلوبة ومعاناة متزايدة
أبرز مركز مناصرة معتقلي الإمارات ما يعانيه أبناء معتقلي الرأي في سجون النظام الإماراتي من واقع اضطهاد في ظل حقوق مسلوبة ومعاناة متزايدة بفعل التضييق عليهم والانتقام منهم.
وذكر المركز أن الإعلام الرسمي الإماراتي وجد في يوم الطفل العالمي (20 تشرين ثاني/نوفمبر من كل عام)، فرصة سانحة للاحتفاء بما أسماه السجل الحافل بالإنجازات في تعزيز المكتسبات التي من شأنها حماية حقوق الطفل وتوفير الحياة الكريمة له، زاعماً أن البلاد رائدة في حماية الأطفال ورعايتهم.
وأبرزت التغطية الإعلامية قانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل، المعروف باسم “قانون وديمة 2018″، تكريماً لطفلة إماراتية قتلها والدها وأخفاها في الصحراء، كونه أحد أهم الإنجازات في هذا المجال.
والحقيقة أن هذا القانون يحتوي على بنود متقدمة جداً في توفير الحماية للأطفال ومنحهم حقوقاً لحياة كريمة، إلا أن أغلب ما يكفله “وديمة” مرهون بمصطلح “وفقاً لأحكام القوانين المعمول بها في الدولة”.
وهو ما يعني عملياً أن الحقوق ليس لها أي قيمة، إذ يمكن ببساطة الالتفاف على مضمونها وتجريدها من جوهرها من خلال القوانين الأخرى.
المادة 10 من قانون “وديمة” تنص على: “للطفل الحق في الجنسية وفقا لأحكام القوانين المعمول بها في الدولة”، ولو ذهبنا إلى قانون الجنسية وجوازات السفر رقم 17 لسنة 1972، المعمول به في هذه الحالة، سنجد أنه يفرّغ هذا الحق من قيمته بل ويسمح بسحب الجنسية من الأطفال أيضاً، إذ تنص المادة 16 على: “إذا سحبت الجنسية عن شخص جاز سحبها بالتبعية عن زوجته وأولاده القصّر”.
وقد استخدمت السلطات الإماراتية هذه المادة بكثرة للانتقام من معتقلي الرأي، حيث قامت بسحب جنسيات عدد من أبنائهم، مثل أطفال كل من عبد السلام دوريش (سلمان وعمران وحمدان)، ومحمود الحوسني (حمد، وأفنان).
وهناك العديد من الأمثلة والشواهد التي تؤكد أن حقوق الطفل التي يكفلها قانون “وديمة” ليست سوى حبر على ورق، وأن أبوظبي تنتهكه باستمرار دون احترام لنصوصه.
فقصة حمدان نجل المعتقل دوريش تؤكد أن قانون “وديمة” ليس إلا للاستهلاك الإعلامي ولا يُطبق منه شيء على أرض الواقع، فالسلطات سحبت جنسية الابن، منتهكة أبسط حقوقه.
ثم قامت بإيقاف تمويل علاجه بالخارج، في خرق صريح للمادة 18 من قانون “وديمة” التي تنص على “حق الطفل في الحصول على الخدمات الصحية”.
ولم يتمكن حمدان من رؤية والده منذ سنوات، وهذا انتهاك غير أخلاقي ليس لحقوق الطفل فقط، بل لحقوق الإنسان أيضاً.
ورغم أن القانون أشار في العديد من مواده إلى أن الأُسرة هي البيئة الأفضل لتنشئة الأطفال وعلى دور الوالدين في تحقيق الاستقرار النفسي لهم، إلا أن احتجاز السلطات لآبائهم تعسفياً، يحرمهم من النشوء في رعايتهم، وحتى من رؤيتهم أو القدرة على معانقتهم وتقبليهم أثناء زيارتهم في السجون.
وقد اشتكت المعتقلة أمينة العبدولي من عدم قدرتها على معانقة أطفالها الـ5 أو لمسهم عند زيارتهم لها، بسبب حاجز زجاجي يفصل بينهم، بل إن المحققة كانت تقوم بتعذيب الأم نفسياً، بإخبارها أن أولادها شاردي الذهن دوماً، وتحصيلهم الدراسي تراجع بسبب اعتقالها.
وخلال السنوات الأخيرة، وصل انتهاك حقوق الأطفال مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الإمارات، فلأول مرة يُدرَج الصغار على قوائم الممنوعين من السفر، حيث أبلغت السلطات في 2012 أبناء المعارض محمد صقر الزعابي بمنعهم من السفر للخارج.
قصة أخرى تمثلت بمحمد النعيمي الذي توفي مؤخراً بعد منعه من السفر لوالده المعارض أحمد الشيبة النعيمي، ورغم أن محمد كان يعاني من شلل دماغي منذ الولادة ولا يستطيع النطق، إلا أن السلطات لم تترد في منعه من السفر انتقاماً من أبيه.
ولا يبدو أن أبوظبي تكترث كثيراً لنص المادة 4 من قانون “وديمة” والذي يمنع السلطات المختصة من الإضرار النفسي بالأطفال في جميع مراحل المحاكمة والتحقيق، حتى لو كانوا أطرافاً في القضية أو شهوداً فيها، وتقوم بالإضرار بهم رغم أنهم ليس أطرافاً في القضية ولا علاقة لهم فيها أصلاً.
وتشكل هذه القصص غيضاً من فيض في بحر الانتهاكات التي تمارسها السلطات ضد أبناء المعتقلين، والتي تصل أحياناً إلى معاملتهم كبالغين وتجميد حساباتهم المصرفية أو منعهم من استخراج أوراق رسمية لمتابعة دراستهم.
وقصة منع عائشة من تقديم امتحان الكفاءة الذي يشترط اجتيازه للالتحاق بالجامعة لمجرد أنها ابنة المعتقل حسين الجابري، هي مثال من أمثلة كثيرة قام “مركز مناصرة معتقلي الإمارات” بتوثيقها.
وللمفارقة فإن قانون حماية حقوق الطفل الذي تم تسميته بـ”وديمة” والذي لا تحترمه الإمارات، يمكن إطلاقه على حالة أطفال معتقلي الرأي، الذين تتشابه قصتهم مع وديمة، حيث تحاول السلطات دفن انتهاكاتها ضدهم من خلال الترويج للقانون، وهو ما يمكن تلخيصه في جملة واحدة: “لم يحموا وديمة حية .. ويستغلونها ميتة”.
المصدر: مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث