أبعاد المؤامرة المجوسيَّة-النُّصيريَّة لتدمير الشَّام 2من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
تحالُف الرَّوافض وأتباع النُّصيريَّة: خنجر في ظهر الأمَّة الإسلاميَّة
في عام 1979م، وتزامنًا مع وصول ملالي قُم إلى حُكم إيران بعد تأسيس نظام إسلامي على مذهب الإماميَّة الاثني عشريَّة، قدَّم الدَّاعية الإسلامي سوري الأصل الشيخ محمَّد سرور بن نايف زين العابدين، تحت الاسم المستعار عبد الله محمَّد غريب، كتابه وجاء دور المجوس، سعى من خلاله إلى كشْف حقيقة الشّيعة على مرّ العصور، وخياناتهم للأمَّة المسلمة، معبّرًا عن رأيه بأنَّ الشّيعة هم في الأصل يهود ومجوس اعتنقوا الإسلام تقيَّةً ليفسدوا على المسلمين دينهم. أثار الكتاب جدلًا واسعًا عند طرحه لأوَّل مرَّة، ولذلك كان يُوزَّع سرًّا على المعنيين، وقد حرص الشَّيخ عبد العزيز بن باز، مفتي عام المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، على اقتناء 3 آلاف نسخة منه، كان يهدي منها للمهتمّين، كما صرَّح الشَّيخ محمَّد سرور خلال استضافته في برنامج “مراجعات” على قناة الحوار الفضائيَّة. بدأ توزيع الكتاب في المكتبات العامَّة في بعض الدّول العربيَّة بعد اندلاع الحرب العراقيَّة-الإيرانيَّة عام 1980م، ليحقق رواجًا كبيرًا، لكنَّه مُنع من التَّداول في دول أخرى، من بينها الكويت والعراق.
يعتبر كتاب وجاء دور المجوس: الأبعاد التَّاريخيَّة والعقائديَّة والسّياسيَّة للثَّورة الإيرانيَّة (1979م)، للشَّيخ الدُّكتور محمَّد سرور، ثمرة جهد طويل من متابعة الشّيعة، أو الرَّافضة كما يفضّل تسميتهم، وأنشطتهم لنشْر مذهبهم في العالم الإسلامي. وشملت متابعات الشَّيخ سرور المنشورات الصَّادرة عن مرجعيَّات الرَّوافض، للتَّدليس على صحابة نبيّنا مُحمَّد، بل وعليه هو ذاته (ﷺ)، بهدف تحقيق الشَّعبيَّة في البلدان المأهولة بالشّيعة، مثل لبنان وسوريا والعراق ودول الخليج العربي، من خلال الطَّعن في أصول المذهب السُّنّي والتَّجريح في كُتبه. بدأ العمل على هذا الكتاب الضَّخم قبل الثَّورة الإيرانيَّة بـ 3 سنوات، ولكن قدَّر الله أن ينتهي سرور من إعداده بالكامل تزامنًا مع نجاح الثَّورة عام 1979م. يعتبر سرور الثَّورة الإيرانيَّة، أو الخمينيَّة كما تصحُّ تسميتها، في الأصل من تدبير أمريكا، بأن “شارك كارتر في تصميمها”، في إشارة إلى الرَّئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر (يناير 1977-يناير 1981م)، المعاصر لأحداث الثَّورة، موضحًا أن الثَّورة نجحت في إقامة حُكم ملالي قُم بفضل تحييد الجيش بتدبير أمريكي (ص13).
وبرغم الأساس العقائدي الفاسد لتلك الثَّورة، الَّتي نادت بتأسيس خلافة إسلاميَّة وفق عقيدة الإماميَّة الاثني عشريَّة، فقد انخدع كثيرون من المنتمين إلى تيَّار الإسلام السّياسي، ومن بينهم جماعة الإخوان المسلمين، بشعاراتها، معتقدين أنَّها بمثابة إعادة لزمن الصَّحابة! يقف الشَّيخ محمَّد سرور عند الحفاوة الشَّديدة الَّتي استقبلت بها المجلَّات الإسلاميَّة نبأ نجاح ثورة الخميني ووصوله إلى قمَّة السُّلطة في إيران، ويتعجَّب من اتّفاق الجماعات الإسلاميَّة السُّنّيَّة على تأييد المرجع الشّيعي الأكبر حينها، برغم اختلاف تلك الجماعات فيما بينها، ويعلّق سرور على ذلك بقوله “ما أسهل مهمَّة الأعور الدَّجَّال بين هؤلاء النَّاس…الرَّافضة يحيكون المؤامرات ضدَّ المسلمين، وجمهور أهل السُّنَّة يصفّقون لهم” (ص15). ومن طرف خيط مؤامرات الرَّوافض على المسلمين منذ مهد الدَّعوة الإسلاميَّة إلى يومنا هذا، يتناول القسم التَّالي تاريخ تلك المؤامرات، الَّتي تثبت أنَّ المذهب الشّيعي وكأنَّما نُسج لطعْن الأمَّة الإسلاميَّة في ظهرها من قِبل منافقين يدَّعون الإسلام تقيَّةً ويبطنون ملَّة المجوس.
تآمر الرَّوافض تاريخيًّا على الإسلام وأهله
يقلّب سرور في صفحات التَّاريخ، ويعيدنا إلى مرحلة مهد الإسلام، ومولد النَّبيّ (ﷺ) الَّذي قدَّر الله تعالى أن يتزامن مع صعود كسرى أنوشروان إلى سُدَّة الحُكم في إمبراطوريَّة فارس القديمة، الَّتي كانت تحتلُّ العراق وتعتبرها جزءًا من حدودها. كان كسرى أنوشروان مجوسيًّا، وعمِل على توحيد الدّيانة في فارس لتتَّبع مذهبه، وأكمل حفيده، كسرى بن هرمز بن كسرى، مسيرته، وواصل غزو البلدان العربيَّة لإخضاعها إلى سُلطان العرش المجوسي، وكانت دمشق من بين المدن الكبرى الَّتي احتلَّها. من تدابير الله تعالى أن جعل غزوات كسرى بن هرمز في بداية الدَّعوة الإسلاميَّة هي آخر غزواته لإخضاع البلاد والعباد لديانة عبادة النَّار، أو لتقل عبادة الشَّيطان المخلوق من النَّار، بأن بدأ النَّبيّ (ﷺ) في تأسيس دولة الإسلام في يثرب عام في العام الرَّابع عشر للبعثة النَّبوية، الموافق لعام 622م. كما ينقل سرور، كان كسرى الفرس من بين المستطلعين لأخبار الرّسالة المحمَّديَّة، والمنزعجين من انتشار الدَّعوة، خشية أن يبدد نور الإسلام ظلام الشّرك وعبادة الشَّيطان؛ وكانت خشيته في محلّها. وبعث النَّبيّ (ﷺ) برسالة إلى كسرى الفُرس لدعوته إلى الإسلام، وحملها إليه عبد الله بن حذافة السهمي (رضي الله عنه)، يقول نصُّها:
“بسم الله الرحمن الرحيم من مُحمَّد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلامٌ على من اتَّبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافَّة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك“.
وما كان من كسرى بن هرمز لمَّا تلقَّى تلك الرّسالة إلَّا أن مزَّقها واستهزأ بالنَّبيّ ودعوته؛ وما ما كان من نبيّنا مُحمَّد (ﷺ) إلَّا أن دعا الله تعالى بقوله “مزَّق الله ملكه”، كما حدث بالفعل في بضع سنين، وإن لم يشهد النَّبيُّ ذلك اليوم. وبلغ ملك المجوس من إساءة الأدب في حق النَّبيّ الكريم أن أمر واليه على اليمن، الَّتي كانت تحت سيطرته حينها، بأن يأتيه بالنَّبيّ (ﷺ) إلى فارس، فتهلَّل مشركو الأعراب فرحًا، ظنًّا منهم أنَّ كسرى الفرس سينجح فيما فشلوا هم في تحقيقه بإنهاء دعوة الإسلام. غير أنَّ الله تعالى سلَّط على كسرى ابنه، الَّذي قتله وأنهى ملكه هو، لينقلب السّحر على السَّاحر، ويبدأ العدُّ التَّنازلي لانقشاع ظلام الشّرك عن جزيرة العرب والشَّام والعراق، ومن بعدها بلاد فارس وما وراء النَّهرين. بدأت محاولات فتْح بلاد فارس منذ عام 11ه، الموافق لسنة 633م، في عهْد الخليفة أبي بكر الصّدّيق (رضي الله عنه وأرضاه)، ونجحت جيوش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد حينها في فتْح العراق، ثمَّ جاء الصَّحابي سعد بن أبي وقَّاص عام 14ه، 636م، ليكمل مسيرة فتْح فارس، في عهْد أمير المؤمنين عُمر بن الخطَّاب، في معركة القادسيَّة، الَّتي أخضعت أعناق الجبابرة وأسقطت دولة المجوس ودخل أهل فارس بعدها في دين الله أفواجًا. غير أنَّ فتْح فارس في زمن عُمر (رضي الله عنه وأرضاه) أوغر صدور المجوس على دولة الإسلام، لتنطلق أولى مؤامراتهم لإسقاط الدَّولة الإسلاميَّة، بتدبير اغتيال خليفة المسلمين.
يرى سرور أنَّ فئة من المجوس أظهروا اعتناقهم للإسلام تقيَّةً، خشية سُلطان المسلمين، معتبرًا أنَّ ذلك كان بمثابة “استسلام مَن يعتقد أنَّها عاصفة لا بدَّ وأن تمرَّ…وقلَّة قليلة منهم هم الَّذين حسن إسلامهم واستقاموا على منهج الله” (ص58). بدأ التَّخطيط لقتل أمير المؤمنين عُمر، بانتقال فيروز النَّهاوندي، أو أبو لؤلؤة المجوسي إلى المدينة المنوَّرة، أو يثرب قديمًا وحديثًا، ونفَّذ المجوسي مخطَّطه الخبيث عام 23ه، بطعْن عُمر في ظهره وهو يؤمُّ المسلمين في صلاة الفجر، في المسجد النَّبوي. وليس أدلَّ من حقد الفُرس على أمير المؤمنين عُمر، الَّذي فُتحت فارس في عهده، أكثر من تبجيلهم لقاتله وتخصيصهم قبرًا فخمًا يأوي رفاته في مدينة كاشان الإيرانيَّة أطلقوا عليه “قبر بابا شجاع الدّين أبو لؤلؤة فيروز”.
وتجدر الإشارة في هذا السّياق إلى أنَّ الرُّوايات السُّنّيَّة، وتتَّفق معها بعض الرُّوايات الشّيعيَّة، تؤكّد أن المجوسي أبا لؤلؤة لم يخرج من المدينة المنوَّرة حيًّا، حتَّى يموت ويُدفن في فارس؛ ممَّا يعني أنَّ مقربته في كاشان مجرَّد خدعة لتبجيل قاتل فاتح بلاد فارس، ونموذج لتبرُّك الرَّوافض بالقبور واتّخاذها مساجد، في اتّباع صريح لنهج الأمم الضَّالة السًّابقة على الإسلام. ويجد الشَّيخ محمَّد سرور في مقتل عُمر، الَّذي أعزَّ الله تعالى به الإسلام وأذلَّ الشّرك والمشركين، “مؤامرة اشترك في تدبيرها المجوس والنَّصارى”، وكان المجوسي أبو لؤلؤة فيها مجرَّد أداة (ص60).
أمَّا عن سبب ادّعاء الرَّوافض موالاتهم، أو تشيُّعهم، لأهل البيت، فينسبه سرور إلى سببين؛ الأوَّل هو أنَّ في ذلك إحياء لعقائد الزرادشتيَّة والمانويَّة والمزدكيَّة، الَّتي اعتنقها الفُرس قبل الإسلام، ووجدوا وسيلة لتلبيس الحقّ بالباطل ودمج عقيدة الغنوصيَّة بصحيح الإسلام من خلال ادّعاء أنَّ آل البيت النَّبوي هو ظلّ الله تعالى، وتتنزَّل عليهم الحكمة الإلهيَّة، كونهم معصومين. والغنوصيَّة، الَّتي تُعرف كذلك بمذهب العرفان والإدراكيَّة، باختصار، هي عقيدة انتشرت في الأمم الوثنيَّة قبل الإسلام، ادَّعت الاتّصال بين الرَّبّ والبشر من خلال تنزُّل فيوض نورانيَّة، يُطلق عليها الحكمة الإلهيَّة، في جلسات تأمُّليَّة. وادَّعى الشّيعة أنَّ الإمام عليّ (كرَّم الله وجهه) هو إمام أهل العرفان ووريث العلم الباطني، عن النَّبيّ (ﷺ)، كما يرى محمود المراكبي في كتابه عقائد الصوفيَّة بين الكتاب والسُّنَّة (1996م)، وقد اعتُبر الإمام عليٌّ، صهر النَّبي وابن عمّه وربيبه، الوصيّ على العلم الباطني، كما أخبرت أسفار العهد القديم أنَّ يشوع بن نون هو وصيُّ نبي الله موسى (عليه أزكى الصلوات وأتم التَّسليم). جدير بالذّكر أنَّ في تحريف صحيح الإسلام إلى مذهب العرفان ما يتَّفق مع انحراف الشَّريعة الموسويَّة إلى العقيدة الباطنيَّة المعروفة بالقبَّالة، وهي ذاتها الَّتي تعبّر عنها الأناجيل المكتوبة ورسائل بولس الرَّسول.
أمَّا السَّبب الثاني لتبجيل الرَّوافض لأهل البيت النَّبوي، وبخاصَّة نسل الإمام الحسين بن عليّ، فهو اقتران الحسين بن عليّ، سبط النَّبيّ (ﷺ)، بابنة يزدجرد، ملك الفُرس، وتُدعى شهربانو، الَّتي اقتيدت إلى ديار الإسلام مع غيرها من الأسرى. أثمر زواج الحسين بابنة ملك الفُرس ابنًا واحدًا، هو الإمام عليّ زين العابدين، الملقَّب بعليّ السجَّاد، واعتقد الرَّوافض، فارسيُّو النَّزعة والهوى، أنَّ دم سلالة الملوك السَّاسانيين المقدَّس عندهم يسري في عروق الإمام عليّ السجَّاد، كما ينقل سرور عن العالم الإسلامي إحسان إلهي ظهير في كتابه الشّيعة والسُّنَّة (1976م). يستنتج سرور ممَّا سبق طرحه أنَّ في تعصُّب الرَّوافض لأهل البيت “إحياء لعقيدة المجوس”، وأنَّ تمجيدهم للحسين، رغم أنَّهم خذلوه في صراعه مع يزيد بن معاوية مع أنَّهم هم الَّذي شحنوه ضدَّه وشجَّعوه على مواجهته لانتزاع الخلافة منه ووعده كذبًا بمبايعته خليفة للمسلمين، هو في الأصل يرجع إلى “عصبيَّتهم الفارسيَّة لأولاد شهربانو السَّاسانيَّة” (ص62). ربَّما بدأ الانحراف العقائدي للفُرس بعد دخولهم الإسلام عند نفي الإمام عليّ بن أبي طالب لعبد الله بن سبأ، اليهودي اليمني الَّذي أدخل أولى التَّحريفات إلى عقيدة الإسلام، إلى المدائن، عاصمة فارس قديمًا، وعلى يديه بدأت عقيدة الشّيعة، الرَّافضة لصحيح السُّنَّة النَّبويَّة والمحرّفة للقرآن الكريم، تتكون.
التَّآمر الفارسي على الدَّولة العبَّاسيَّة
يعتبر الشَّيخ محمَّد سرور أنَّ أبا مسلم الخرساني، صاحب الدَّعوة العبَّاسيَّة في خراسان، وواليها منذ عام 128 إلى عام 137ه، والَّذي يُشاع أنَّه من أحفاد آخر الأكاسرة يزدجرد الثالث، يمثّل بداية التَّآمر الفارسي على الإسلام. اشتهر الخراساني بسطوته وبطشه، وكانت جهوده من أهم عوامل تأسيس الدَّولة العبَّاسيَّة عام 132ه، وتحت قيادته، “أشفى معظم الفُرس غليلهم من العرب والمسلمين، فأشبعوهم قتلًا وتنكيلًا وبطشًا منذ بداية قيام الدَّولة العبَّاسيَّة عام 137ه” (ص65). يشير سرور إلى أنَّ الفُرس كانوا الحُكَّام الفعليين لدولة الإسلام في عصر العبَّاسيين، وبلغت الوقاحة بالخراساني أن سخر من أبي جعفر المنصور، لمَّا همَّ بتسلُّم الخلافة بعد أخيه أبي العبَّاس السَّفاح، مؤسّس الدَّولة العبَّاسيَّة، في ذي الحجَّة من عام 136ه. غير أنَّ المنصور نجح في استدراجه وقتله، الأمر الَّذي أغرى المجوسي سنباذ بالخروج على رأس جيش من الفُرس للمطالبة بدماء الخراساني، لكنَّ الخليفة المنصور نجح في إخماد الفتنة وقهْر سطوة المجوس حينها. لم تخمد الفتنة بهزيمة سنباذ وجيشه، فقد ظهرت عام 141ه فرقة تنتسب إلى أبي مسلم الخراساني، تُطلق على نفسها الرَّوانديَّة، سعت للثَّأر لدماء الخراساني، وكانت تؤمن بعقائد وثنيَّة، من بينها تناسُخ الأرواح والحلول والتَّجسُّد، وقد نجح المنصور في إخماد تلك الفتنة أيضًا. مع ذلك، سرعان ما اشتعلت فتنة جديدة في دولة الإسلام على يد المجوس بعد وفاة المنصور، وقد تعامل معها خليفته، المهدي، بمنتهى القسوة، لكنَّه قُتل بمؤامرة فارسيَّة عام 169ه، وهو في ابن 43 عامًا.
تجدَّد التَّآمر الفارسي على دولة الإسلام في عهد هارون الرَّشيد، نجل المنصور، على يد أسرة البرامكة الفارسيَّة، مجوسيَّة الأصل، والَّتي استوزر الخليفة أبو العبَّاس السَّفاح رأسها، خالد بن برمك، وكان من أكبر دُعاة العبَّاسيَّة خراسان. ازداد نفوذ أسرة البرامكة، بعد تعيين يحيى، ابن خالد بن برمك، واليًا على أذربيجان، ثمَّ وزيرًا لهارون الرَّشيد، وقد ساعدهم ذلك في جمْع الأموال والتَّحكُّم في السُّلطة، لدرجة طغيان صيتهم على صيت الخليفة ذاته. وفي عام 187ه، قرَّر هارون الرَّشيد القضاء على تلك الأسرة؛ فأنزل عليهم عقوبتي القتل والسَّجن. ويرى سرور أنَّ الفُرس مارسوا تأثيرًا كبيرًا على دولة الإسلام زمن الخلافة العبَّاسيَّة، ويتجَّلى ذلك التَّأثير في انتشار العديد من الفرق الباطنيَّة، الَّتي أدخلت البدع والضَّلالات إلى صحيح الإسلام. انتشرت كذلك بعض العادات الفارسيَّة الوثنيَّة، ومن بينها الاحتفال بأعياد، مثل رأس السَّنة الفارسيَّة وعيد النيروز، كما انتشرت بعض العقائد المجوسيَّة بين زعماء المسلمين نتيجة اقتران بعض كبار رجال الدَّولة بنساء فارس. ولعلَّ أشهر نموذج لاقتران حُكَّام المسلمين بالفارسيَّات، زواج الرَّشيد من فارسيَّة أنجبت ابنه المأمون، الَّذي انتزع الخلافة من أخيه، الأمين، بمساعدة الفُرس، وشجَّع فتنة خلْق القرآن، الَّتي ظهرت في عهده، ونَصر مروّجيها على أئمَّة أهل السُّنَّة المعارضين لها، وعلى رأسهم أحمد بن حنبل. وامتدَّ تأثير الفُرس إلى الحركة الفكريَّة زمن الدَّولة العبَّاسيَّة إلى نشْر التُّراث الأدبي الفارسي القديم من خلال المنتجات الفكريَّة العربيَّة حينها، لدرجة تمجيد فارس وكسرى والسُّخريَّة من العرب وتاريخهم (ص70).
المصدر: رسالة بوست