مقالاتمقالات مختارة

أباطيل المغضوب عليهم

أباطيل المغضوب عليهم

بقلم التهامي مجوري

المغضوب عليهم في عرفنا الشرعي هم الذين يعرفون الحق ويتعمدون مخالفته، وإذا كان هذا الحق عائقا لهم في مساراتهم، فإنمهم يعملون على تشويهه بكل ما أوتوا من قوة، على خلاف الذين يعملون السوء بجهالة، الذين أطلق عليهم مصطلح الضالين..؛ لأنهم ضلوا بسبب جهلهم.

ومن أسوإ ما أنجب المغضوب عليهم، -ويتبعهم الضالون بعد ذلك- من الوسائل لمواجهة خصومهم، نبش القبور، وتتبع العورات والعثرات، التي لا يخلو منها أنسان..، وهي الأسلوب الأنجع والأنفع لأساليبهم المتردية، لما تحدثه من تشويش ودعايات مغرضة تلبس الحق بالباطل، وهي طريقتهم المثلى التي يريدون بها التأسيس لرأي عام مضاد للحقائق والفضائل التي يتمتع بها خصومهم..، وهذا النهج لو أرادوا به التماس تكذيب القرآن والتشكيك فيه من خلال القرآن نفسه، لوجدوا في مثل قول الله تعالى (ويل للمصلين!!) وقوله (لا تكرهوا فتياتكم على البغاء)..، ولأحدثوا اهتزازات في نفوس الناس؛ لأن مدلول الجزء الأول من الآية التجذير من الصلاة، ومدلول الجزء الثاني، مشروعية البغاء.. لأن المنع المنصوص عليه متعلق بالإكراه فقط.

من مثل هذه الشرذمة خلد لنا القرآن الكريم، قصة مسجد الضرار لتكون عبرة للناس، فيما يمكن أن يفعله خصوم الحق والفضيلة ورسالة الأخلاق الكاملة ونواتها الصلبة وجوهرها رسالة التوحيد، وكيف يمكن أن يخدع بها الصالحون، فضلا عن المحايدين{وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:107-110].

نزلت هذه الآيات في حق مجموعة من المنافقين، بنوا مسجدا وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم تدشينه، وأوهموه أن هذا المسجد بني لذي الحاجة، وتوسعة على المؤمنين من الذين قد لا يلحقون بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم على موعد مع غزوة، فأرجأ الموضوع إلى ما بعد الغزوة، وبقيت الجماعة تنتظر يوم التدشين..، وكاد يخدع النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الادعاء، ولكن الله سلَّم، حيث نزلت عليه هذه الآيات -والنبي صلى الله عليه وسلم، عائد إلى المدينة، في طريقه من الغزوة – التي تكشف عن خبث سريرة هذه المجموعة، التي لم ترد الخير، إنما أرادت أن تفرق بين المسلمين، وتقوي شوكة المنافقين بالمدينة..، لأن المجتمع يومها كان متماسكا، يجمعهم المسجد الذي أنشأه الرسول صلى الله عليه وسلم.

فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن أمر بتحطيم هذا المسجد، وحوله المسلمون إلى مزبلة.. بحيث أصبح الناس إذا مروا به ابتعدوا عنه مبالغة في التهوين منه ومن الموقع الذي بني عليه  (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا)، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

يتفرغ لمثل هذه المهمة القذرة اليوم في بلادنا طائفة من المغضوب عليهم والضالين، بالبحث فيما كان يكتب الشيخ عبد الحميد بن باديس، لاستخراج نصوص تدينه وتدين منهجه الإصلاحي، فاقتطعوا نصوصا من سياقها التاريخي والأدبي والفني، وأذاعوها وكأنها مواقف مبدئية ومقررات غائية، تبناها ابن باديس ودافع عنها، فكانت النتيجة التي توصل إليها هؤلاء، الذين غلبت عليهم شقوتهم، أن ابن باديس عميل للاستعمار!! أو لم يكن يحارب فرنسا وإنما كان يدافع عنها!! أو أن منهجه لم يكن استقلاليا وثوريا، وإنما كان إصلاحيا، أيا ترقيعيا!! وإلى ما هنالك من الألفاظ التي لا تليق بجزائري عادي، فضلا عن أن يكون هذاا لجزائري هو ابن باديس باعث النهضة في الجزائر.

ولماذا ابن باديس..؟ لأن البعد السياسي لهذه الحملة التشويهية، يريد تجريد الجزائر من البقية الباقية من الإرث الباديسي، الذي ترك بصماته واضحة في أجيال الجزائر كلها، بمن فيهم خصومه من بعض شيوخ الزوايا المعروفين بمواقفهم المضادة لحركة الإصلاح.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى