بقلم حسام الدين أحمد
نبدأ بقصة رمزيةٍ تحكي عن طالبٍ في قاعة الامتحان، و المراقب يوزع الأوراق حتى وصل إلى بطل قصتنا و أعطاه ورقة، فنظر له الطالب بريبةٍ ثم قال في نفسه: “ماذا إن لم يكن ذلك هو الامتحان و قد أعطاني الرجل ورقةً مضللة”؟
لكنه تمالك نفسه و بدأ في النظر للأسئلة و ما إن قرأ السؤال الأول حتى بدأ في الحل ثم توقف.. و قال في نفسه: “ماذا إن كانت إجابتي خاطئة، ماذا إن ذاكرت من كتبٍ قديمة؟، أو لم أتذكر شرح الأستاذ فعلاً و إنما هي تهيؤات؟ “..
ثم ترك هذا السؤال و بدأ في الذي يليه و كان سهلاً جداً و لكنه عاد يقول في نفسه: “ماذا إن كان هناك شيءٌ مختبئ في السؤال و أنا أظنه سهلاً”؟ و “ماذا إن كان السؤال سهلاً فعلاً و لكن الأستاذ يريد إجابةً معينةً بنصها؟”.
فترك ذلك السؤال أيضا حتى وصل إلى السؤال الثالث و الأخير، فوجده شديد الصعوبة فضجر بشدة و قال في نفسه” “و لماذا يشترط بذلك الامتحان أن يكون مقياساً لقدراتي فعلاً و ما الذي يجبرني على ذلك؟” ثم قام و ترك الامتحان!..
إن آفة زماننا الشذوذ، شذوذ الفكر و العادات و الأفعال، و الترويج لهذا.. “و ما يدريك لعل ذلك المجاهر بالمعصية أفضل عند الله من ذلك المتدين”.. “أنا ألبس الحجاب و لكن لي أصدقاء رجال”.. “و ما الذي يجعل الامتحان و الشهادة شيئاً يثبت تحصيلنا لشيءٍ من العلم”.. “من الذي قال إن أهل العلم أولئك يعرفون شيئاً”.. ” كل واحدٍ حرٌ فيما يفعل” “لست وصياً على أحد” ” ادعم حرية الأشخاص حتى في المثلية “.. و هكذا من أفكار ظهرت في واقعنا نعلم بعض مصادرها ولا نعلم البعض الآخر، و هناك من يروجون لها للأسف، و بعضهم يستخدم مما أعطاه الله من مواهب في موضع خاطئ و على هذا سيحاسب.
فتجد شخصاً يروج لفكرة “أن بعض التلف في المخ يمكن أن يجعل الفرد يرتكب بعض الجرائم و من ثمَ لا نستطيع محاسبته، و بالتالي ننظر من جديد في موضوع محاسبة الأشخاص على جرائمهم من عدمه لأن الناس مجبرون على فعل تلك الجرائم”.. و هذا مخالف لفكرة خلق الله لنا و محاسبتنا على أفعالنا.
المشكلة الأساسية تكمن في ذكر حالة شاذة غير موثوق فيما حدث لها بالضبط، و استنتاج قاعدة مما حدث معها ثم تعميمها!، و الغريب أن من يرد على أمثال هذا الشخص يكون الرد عليه دائماً “نحن فقط نعرض فكرةً قد تكون صائبةً أو بها جانبٌ من الخطأ، للكل حرية التفكير و النقد، و هي ليست فكرتنا من الأساس فلا نستطيع الرد”.. فهل هذا مبررٌ لتضليل الناس أو نشر الفتن؟
المشكلة الأساسية تكمن في ذكر حالة شاذة غير موثوق فيما حدث لها بالضبط، و استنتاج قاعدة مما حدث معها ثم تعميمها!
أتذكر شخصاً يكتب أيضا في المجال العلمي قد قال: “من السهل توقع ماذا سيقول هؤلاء الأشخاص بمجرد متابعة الموضوع المثار في مجتمع الملحدين في الغرب في الآونة الآخيرة بعدها ستجده يُتَرجم ثم يظهر عندنا على ألسنتهم فجأة “!
و لكن السؤال الأهم ما الغرض من كل هذا أو لماذا يحدث؟
حسناً، إن الحالات الشاذة موجودة و لكن المشكلة في تعميمها، و المعروف في المجتمعات عندما تفسد تظهر بها شواذ الأمور، لأن الشيطان يستهويهم عندما يصلون لمرحلة معينة فيصبح من السهل عليهم فعل أو قول أي شيء و قوم لوط خير مثال، فهم لم يفعلوا فعلتهم إلا عندما جربوا كل معصيةٍ حتى ملوا منها و كانوا أسوأ أهل الأرض فابتدعوا معصية جديدة تكسر ذلك الملل و أيضا القواعد..
و بالفعل لو ركزت ستجد أن المشترك بين كل تلك الأمثلة هو شيء واحد، و هو كسر القواعد التي وضعها الله لنا لتنظيم حياتنا، أو بمعنى آخر مخالفة الدين، فيصبح الفرد متخبطاً لا يعلم ماذا يفعل عندما يخير بين شيئين، و هذا ما يريده الشيطان بالضبط.. غواية الإنسان و تضليله: {قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} [سورة الحجر:39].
و من أمثلة ذلك من ينشرون ادعاء التطور الذي ينفي قصة بداية الخلق و وجود الخالق، فهو ليس إدعاء علمياً بل عقيدة لدى الملحدين، و بدل أن يلاحظ الناس ذلك فيتجنبوها، يحاول بعضهم إثباتها مع إثبات وجود الخالق، فأين ذهبت الألباب؟
و لكن ما غرض الناس من نشر مثل ذلك؟ حسناً قد علمنا غرض الشيطان، فمال بال الناس؟.. بعضهم مفتون و البعض الآخر سيكسب من ذلك..
” ففي وسط التخبط يستطيع اللص السرقة، و يستطيع القوي وضع القواعد بدون مراعاة للضعيف أو الاحتكام لكلام الخالق “
فهل إلى خلاص من سبيل؟ و كيف نتجنب الوقوع في تلك الفتن؟
– أولاً: دعاء الله بالهداية و الثبات، و كما أوصانا الرسول صلى الله عليه و سلم التمسك بالكتاب و السنة كي لا نضل.
– ثانياً: ألا ننجر وراء ما يقوله الناس لمجرد أنه ينتشر، فالأولى النظر في مضمون الشيء و إلامَ يدعو و ما نتيجته.
علينا ألا ننجر وراء ما يقوله الناس لمجرد أنه ينتشر، فالأولى النظر في مضمون الشيء و إلامَ يدعو و ما نتيجته
– ثالثاً: أن نحاول الحفاظ على فطرتنا نقيةً و أن يكون هناك ميزانٌ للأمور فلا نتبع الشيء لمجرد اتباع هوانا، فكما سيسهل علينا شيئا سيسهل على غيرنا آلاف الأشياء الأخرى التي لا نعرف عقباها، و منها أن نترك الامتحان كله.
نسأل الله الهداية و الثبات و العافية.
(المصدر: موقع بصائر)