مقالاتمقالات المنتدى

آفة بعض من ينسبون أنفسهم للفكر الإسلامي

آفة بعض من ينسبون أنفسهم للفكر الإسلامي

بقلم د. الخضر سالم بن حُليس (خاص بالمنتدى)

آفة بعض من ينسبون أنفسهم للفكر الإسلامي، وكُتّاب القراءات المعاصرة للنص الشرعي القدوم لهذا الحقل الفكري من خارج نطاق التأسيس العلمي الصحيح ومستوياته التعليمية المعهودة، والبعد عن فهم تسلسل مصطلحات العلم الخاصة به. فيتعامل مع النص القرآني كنص أدبي قابل للنقد والتشذيب. ويحشو عباراته سوء أدب مع الله كأنه يتحدث معه على طاولة حوارية كحديث شخص لشخص (تعالى الله قدرًا ومهابةً). ثم يجري تعديلاته وقراءاته أيضا على مهام الأنبياء وشخصياتهم المعصومة ويأخذ في توصيف مواقفهم بما لا يليق من الأوصاف. وتحت هذا المنزلق وقع كثير من رموز الحداثة المعاصرة ومعتنقي أفكارهم فبات على تعابيرهم وقراءاتهم تحفظات كثيرة.

ثم توصف تلك القراءات بالنفاسة العلمية، والقدرات الفكرية الخارقة، وقادهم هوس العمق إلى وصف تعابيرهم بالعمق العميق، والقدرة البلاغية المبهرة في التعبير، والذائقة الأدبية مشتركة المفاهيم، والتي لايمكن لنا فهم أبعادها وأسرارها للوهلة الأولى، هذا مع التسليم بعدم كفاءتهم في العلوم اللغوية والبلاغية.

تابعت كثيرًا من قراءاتهم وأبحرت مع كتاباتهم فوجدت كمية من المصطلحات الإعلامية المرتجلة لصنع نوع من الإبهار على تلك القراءات كمصطلحات طرابيشي في كتابه (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث) “العقل المعقلن، تصحيح الصحيح، قائد الانقلاب السني، تصنيم النص، قرأنة السنة، تسنين القرآن، تنفيذ الانقلاب، نبي بلا معجزة، من الأمية إلى الأممية”.

ووجدت كمية أخرى من الجهل بمعاني النصوص دون الرجوع إلى المعاجم اللغوية لغريب القرآن وغريب الحديث التي دونها أشهر من عرفت العربية في التاريخ الإسلامي، كقول حسن حنفي في كتابه (من النقل إلى العقل) وهو يفسر خاتم النبوة بخاتم يلبس على الإصبع، وتفسيره العنزة التي وضعت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة إليها بالحيوان المعروف، ثم ذهب يشرح موضوع الرفق بالحيوان عند هذه الفقرة.

ووجدت جهلا صادما حتى بتلاوة القرآن الكريم بطريقة صحيحة كما تسمعها للراحل محمد شحرور على أرشيف الملفات المرئية (يوتيوب)، وفوق ذلك فهو الخبير المبدع بقراءة الفكر القرآني ورسم مساراته بتعبير أحدهم.

أثناء بحثي للدكتوراه في قراءة التقعيد التفسيري في مسلكية الطبري في تأسيس موسوعته التفسيرية (جامع البيان)، وجدت أن الطبري(ت:310) رفض أن يدرس التفسير على يد شيخ لايجيد قراءة القرآن بطريقة أدائية صحيحة؛ لأن ذلك يؤثر على فهم اللفظة القرآنية. مقاييس اعتمادية صارمة للحفر في معنى اللفظ القرآني السميك، مع ما أضافه أبو حيان الأندلسي(ت:745) في القرن الثامن من معايير ومؤهلات مفسر القرآن في مقدمة (البحر المحيط) والأدوات والموارد التفسيرية التي يجب أن يمتلكها كل مقدم على نحت النص القرآني واستخراج مكنوناته، وصولا إلى ابن عاشور (1393) في القرن الرابع عشر الذي شدد على خطورة الانفلات في قراءة النص القراني وضرورة الإنضباط العلمي المقتدر عند البحث في مفاهيمه ومقاصده ونظامه الاجتماعي، فيُنظر بعدها لتلك المسلكيات الصارمة والضوابط الحادة، والتشديدات المنهجية، على أنها قيود حاجبة، بينما توصف الترهلات والفوضى القرائية، والتأويلات الفاسدة، والغرائب العجيبة بأنها حرية رأي ووجهات نظر معتبرة. لا… وفوق ذلك قراءات عميقة.

لست ضد القراءات الفكرية بمختلف جوانبها، ولكن يجب أن تمضي تلك القراءات محملة بكامل الأدب العلمي مع النص، وبالغ الاحترام الاجتماعي للإسلام، والإحاطة الشاملة بأساسيات العلوم الشرعية وضبط مصطلحاتها ومصادرها وأعلامها وكافة جوانبها للحصول على قراءة سليمة هادفة مفيدة، نستطيع أن نقول إنها معبرة عن طبيعة المادة المقرؤة ومقصودها وأبعادها، وقد قدم الشيخ محمد الغزالي نموذجا فريدا في تلك القراءات المتينة، وليس إلا لأنه قادم من منطقة الدراسات الشرعية، مدرك لطبيعتها ومفاهيمها، هذا ولم ينس رائد كأبي إسحاق الشاطبي(ت:790) أن يضخ مزيدا من الانضباطات والتقييدات المتينة لحراسة النص القرآني من العبث القرائي المائج على ضفافه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى