مقالاتمقالات مختارة

آسام الهندية.. قصة شعب يفقد الوطن بين عشية وضحاها

آسام الهندية.. قصة شعب يفقد الوطن بين عشية وضحاها

بقلم صبغة الله الهدوي

لم تزل كشمير تفور وتثور، ولم يزل شبح البطالة والفاقة يخيم فوق الملايين ويخنق مستقبلهم ويطحن أنفسهم، ولم يزل العنف والاعتداءات العنصرية تتصعد وتتزايد، ولم يزل الشباب يتيهون في الأرض بحثا عن الفرص التي تبهج زهرة حياتهم، لكن كل هذه الأوضاع الحرجة لم تقض مضاجع الحكومة الهندية ولم تحرك ساكنهم ولم تزل في نومتها العميقة، حتى عادت مجددا بإثارة قضية أخرى ساخنة حساسية، هي قضية أن آر سي، التي هي عبارة عن تسجيل المواطنين الذين سكنوا في ولاية آسام، متذرعة بهذه الحركة المروعة إبادة المسلمين ونفيهم وزجهم في معتقلات قسرية هي أشبه بزنازن هتلر المعروفة لبربرية التعذيب.

تزامنت هذه الحركة المأساوية من قبل الحكومة الحالات التي نراها ونشهد في ولاية كشمير، من قمع وبطش واعتقال وتنكيل، وقد قذفت هذه الصور الفزاعة رعبا وذعرا في قلوب هؤلاء الباحثين الحياة، المضطرين إلى إثبات هويتهم كلما مرت بهم جنوب وشمأل، فبعد كشمير، يتجه المؤامرون نحو ولاية آسام، ليعكروا صفوها وليفرقوا شملها.

موقع آسام الجغرافي

تقع ولاية آسام بأقصى شمال شرق الهند، تحدها شمالا دولة بوتان وغربا بنغلاديش، وتجاورها كل من ولايات بنغال الغربيي، وميزورام، وتربارا، وناجلاند.

  

السجل الوطني وخيط المؤامرة الطويل

في اللحظة التي تقف بهارتيا جنتا متأهبة لكل الألاعيب السياسية هدفا إلى تغطية الثغرات التي لاحقتها في الأشهر الماضية القريبة نحس صمتا رهيبا مخيفا من قبل الأحزاب المعارضة القيادية، حتى كونجرس نسيت أولوياتها وانشغلت في المشادات الكلامية التافهة، وحتى الأحزاب اليسارية ذابت ثورتها فانسحبت من الميدان لتقنتع بالتصريحات الصحفية والشعارات الجوفاء، بل اضطرت قيادات الأحزاب المسلمة العلمانية إلى سكوت لازم، وتهمشت عفويا من متن السياسة الهندية.

المشهد السياسي الهندي يسوده الخوف والهلع، ولا نجد أحدا يفتح باب النقاش حول هذه القضايا التي تورط حياة الملايين في مهب الرياح العاتية، إذن ما هي أن آر سي، التي أصبحت كابوسا على أولائك الملايين الغرباء في وطنهم، هي عبارة عن سجل يشمل أسماء المواطنين الذين يمكنهم إثبات قدومهم إلى ولاية آسام الهندية قبل يوم 24 مارس 1971، وهو اليوم الذي سبق إعلان دولة بنغلاديش استقلالها عن باكستان.

أما الذين لم يشملهم السجل عليهم أن يظهروا هويتهم الهندية أو أن يدخلوا في المعسكرات بعيدا عن أطفالهم وذويهم حتى يحسم فيهم الأمر، والأسوء في هذه القضية أن بهارتيا جنتا تعامل مع هذه القضية معاملة المنتقم ولم يتخذ قرارا منصفا في المئات الذين عاشوا وخدموا الهند سنين طويلة، منهم من خدموا في الجيش الهندي، ومنهم من تولوا مناصب حكومية عالية، ومنهم من سلائل وزراء الهند السابقة حتى لم ينصف هذا السجل الوطني -يا ليته وطنيا- أقرباء رئيس الوزراء السابق للهند فخر الدين أحمد.

جاءت حملة توثيق الجنسية تحقيقا لطموحات المنظمات الهندوسية المتطرفة للسيطرة على مناطق المسلمين وشيطنة هويتهم وابتزازهم بهذا الشبح المخيف، والذي يزيد شراسة هذه الحملة ترعيبا وتهديدا هو ما يحمل المتهمين باللجوء غير الشرعية مسؤولية توضيح هويتهم من خلال اثني عشر طريقا حتى يتوجب عليهم أنفسهم أن يكشفوا جنسيتهم وأصولهم الهندية بدلا من أن يحمل الذين طرحوا التهم عليهم، فإن استطاعوا ببعض الطرق لم يغن عنهم شيئا بل يبقون في مرتبة اللاجئ غير الشرعي أو الناخب المشبوه فيه، فإنه لو بحثنا أصول هذه الأزمة سنجدها راسخة في أجندة بهارتيا جنتا حيث هو قلب الحقائق رأسا على عقبها وفرضت معاييرا جائرة ليتسنى له طرق الإبادة الجماعية الصامتة، أحقا أهؤلاء كانوا فوضويين حتى تطردهم الحكومة من أراضيهم، أم كانوا جواسيس بنجلاديش حتى يحاصرهم بجيوش لا رحمة فيها.

تاريخ هؤلاء الألوف المؤلفة يعود إلى ما قبل استقلال بنجلاديش من باكستان، حيث التزموا بأرضهم ولم يقتنعوا بالرجوع إلى بنجلاديش وطنهم الجديد، بل عاشوا في أراضيهم وأراضي أجدادهم، إذن فما هي الغاية القصوى التي تهم الحكومة الهندية وراء هذا الستار المسدل؟، إنه هو استفزاز مشاعر المسلمين وابتزازهم فحسب، حيث نرى قرى الهندوس في مأمن من هذه الضجات رغم أنها أيضا في هذه الورطة، لكن تغيرت بوصلة الحكومة نحوهم، بل حاولت لتبييضها وتجنيسها بجنسية الهند، فما هذه الطباق والمقابلة في قضية وطنية عامة وعارمة، فلم هذا الدور والتسلسل في شعب واحد بينما يظل إخوانهم من الهندوس في أمن وسلام، لا يتعكر صفوهم تهديدات حكومية ولا تزعجهم تلك الخطابات البارودية في الوطنية وتاريخ الهند.

وعلى طريق المثال، عندما تتعرض تلك المناطق المسلمة لكوارث طبيعية من الفيضانات والانهيارات الأرضية وتكبد خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات عادت الحكومة عابسة وكالحة، فلا نقير لهم في سبيل مواساتهم وإغاثاتهم، يعني أصبحت سلسلة من الإهمال والإعراض المخطط من قبل الحكومة تبين لذوي العقول حقيقية هذه الأزمة الجديدة المصطنعة.

الإسلام في ولاية آسام

ربما جهله الكثيرون منا بأن ديانة الإسلام هي الثانية بعد ديانة الهندوس عددا في ولاية آسام بل هي الديانة الأكثر نموا وارتقاء في تلك المنطقة الشرقية الهندية، حيث يشكل المسلمون فيها نسبة 34 في المائة لتكون في الدرجة الثانية بعد كشمير في عدد السكان المسلمين، بل يتواجدون في بعض المحافظات تواجدا قويا كما في محافظات باربيتا، ودارانغ، وهايلكاندي، وهي مما جعلها تحت تهديدات بهارتيا جنتا لتشعل فيها صراعات عنصرية دموية كما شهدت في مجزرة نييلي التي حدثت عام 1984م حيث أسقطت ثلاثين ألفا من المسلمين شهيدا في تلك المجزرة الدموية الشرسة، ومما يجعل وضعها قاسيا وشرسا هو تشابك الفرق المختلفة ضد المسلمين، من البوذيين والهندوس وغيرهم من أصحاب القبائل حتى اتفقوا على هذه الصفقة الجائرة هدفا إلى النيل من المسلمين وحرصا على أراضيهم الزارعة الآهلة.

رغم كل هذه التهم اللاذعة التي وجهت نحو مسلمي آسام، ورغم هذه الحملة التشكيكية المتعصبة للمصالح الهندوسية ظل المسلمون يلتزمون الهدوء والسكون حتى في هذا الجو المصطخب، ويسعون في إثبات هويتهم العريقة أمام المحكمات الخاصة التي فتحت من أجل هذه القضية.

الأمر الذي قلب السحر على الساحر هو ما نقله بعض المصادر المتعلقة بهذا الأمر أن السجل الأخير يشكل خطرا كبيرا للهندوس أكثر من المسلمين، حيث تضمن السجل الجديد معظم المسلمين الذين كانوا في ظلال الشك بشكل قانوني بينما أخرج السجل ذاته آلاف من الهندوس الذين توغلوا إلى الهند مستغلين بلبلة المنطقة في فترة الحروب بين باكستان وبنجلاديش، وظهر هذا الخبر صادما لطموحات بهارتيا جنتا حيث أخطأ في خطته المرسومة لبث الرعب في قلوب المسلمين حينا وآخر، فلم يبرح تثير فتنة تتلوها أخرى، لتنسدل الستائر على التعثرات التي يقع فيها.

لكن الأخطر في هذا الأمر أن بي جي ب وأذرعته المتطرفة من آر أس أس وفي أتش في، كلها تطمح إلى دولة خالية من الأديان السماوية، فإنه لو قمنا بلفتة سريعة إلى السبعينات التي تحكي عمق بشاعة هذه الأزمة والتي ترسم لنا الصورة الواقعية لخلفيتها الغامضة يتضح لنا أن بهارتيا جنتا لم يكن في فترة من التاريخ من حامي وطنية الهند ولا هو كان من مرابطيها الأوفياء، حيث إن حزب آسام غانا فرشت الذي يتبنى فكرة متطرفة خطيرة كان في مقدمة الفوضويين في عصر إندرا غاندي حتى أشعل أتباعه فتنة كبيرة في عصرها بل اجترأوا على نعت موكب إندهرا الذين جاءوا ليرفعوا علم الهند في يوم الاستقلال بأنهم كلاب الهند الضارية، ثم تغير وانقلب هذا الحزب واستدفأ في أحضان بهارتيا جنتا، وفي ظلال هذه الأحداث والحقائق التاريخية نستشهد بأن هذه الأزمة إنما هي وليدة فكرة متعصبة جاءت ليعمق خندق الخلاف ويصطاد في الماء الكدر.

سياسة العنف وبث الذعر

يتضح لكل من يتتبع أحداث الهند الأخيرة أن الحكومة الهندية تستهدف المسلمين بالذات تضييقا وتطويقا، وتمارس سياسة العنف وبث الذعر، ولا تدخر جهدا منذ اعتلائها عرش الهند في سبيل استهداف المسلمين وفي تقليل شأنهم ومكانتهم في المنظر العالمي، وقد نجحت في تعتيم هذه العمليات الشنيعة التي ترفض الحقوق الإنسانية بستار الوطنية ومحاربة الفوضويين، بل استطاعت في تهميش الأحزاب القيادية المعارضة حتى لا تتدخل في هذه القضايا المتأججة، والأمر الذي جعل بهارتيا جنتا في قمة الانفعال والحماسة هو التقاعد الصريح والاستسلام المطمئن الذي تعرض له هذه القيادات المعارضة، ولا غرو لو قلنا إن ظاهرة الوطنية هي السلاح الأكبر والأخطر الذي اخترعه صناع الهند الحديثة، وبها يقتل الشعب وبها يحيى.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى