MEE: ما الذي يدور حوله النقاش بموضوع “الإسلام اليساري” بفرنسا؟
استحوذت على حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظرية مؤامرة تزعم وجود تحالف بين الأوساط الأكاديمية ذات التوجه اليساري والإسلاميين، ما نجم عنه ظهور دعوات تطالب بالتدخل لوقف انتشار هذا الحراك المفترض داخل مؤسسات التعليم العالي.
وذلك الأمر الذي صيغ للتعبير عنه مصطلح “الإسلام اليساري”، كان ذات يوم حديث فئة معزولة في أوساط اليمين المتطرف داخل فرنسا، أما اليوم فقد اكتسب حضوراً غير مسبوق، وذلك بوصول الجدل حوله إلى التيار العام.
في الرابع عشر من شباط/ فبراير أعلنت وزيرة التعليم العالي في فرنسا فريديريك فيدال عبر محطة التلفزيون سي نيوز اليمينية المتطرفة أن “الإسلام اليساري يفسد المجتمع بأسره والجامعات غير محصنة من ذلك”. وبعد يومين اثنين، دعت الوزيرة إلى إجراء تحقيق في قطاع الأبحاث داخل الجامعات الفرنسية للتعرف على “ما الذي يندرج ضمن البحث الأكاديمي وما الذي يقع ضمن النشاط الفكري أو السياسي أو التعبير عن الرأي”.
أثارت تصريحاتها جدلاً وسخطاً داخل الوسط الأكاديمي الفرنسي. ورد عليها المركز الوطني للأبحاث العلمية، وهو الكيان الرائد في مجال الأبحاث داخل الدولة، بالقول إن “الإسلام اليساري ليس حقيقة علمية”. وبحلول الرابع من آذار/ مارس فقد تجاوز عدد الموقعين على عريضة تطالب باستقالة الوزيرة الاثنين وعشرين ألفاً.
وفيدال هي الوزيرة الثالثة منذ تشرين الأول/ أكتوبر التي تندد بالانتشار المفترض لأيديولوجيا “الإسلام اليساري” في البلاد، وذلك بعد وزير الداخلية جيرالد دارمانين ووزير التربية الوطنية جان ميشيل بلانكيه.
بعد الضجة التي أحدثتها تصريحات فيدال ومطالبتها بإجراء تحقيق، دعا بلانكيه إلى “الرزانة” في النقاش يوم الثاني من آذار/ مارس، ولئن أصر في نفس الوقت على أنه “ثمة شيء أيديولوجي يجري ولا بد أن يعلن عنه صراحة” داخل الأوساط الأكاديمية.
وبعد اتهامه البحث الأكاديمي في قطاع الدراسات الاجتماعية بأنه “منكفئ” وبأنه متناقض مع قيم التنوير، فإنه قال في مقابلة مع إذاعة إنتر: “كثير من الأمور تتقدم تحت غطاء من السرية ويمكن أن تؤثر بشدة على مستقبلنا”.
وفي خضم الضجيج، تبقى بلا إجابة مجموعة من الأسئلة حول المعنى الحقيقي لمصطلح “الإسلام اليساري”، ولماذا يتم استهداف الوسط الأكاديمي الفرنسي، رغم أنه كما يبدو واحد من المجالات التي يستبعد أن يتمكن التطرف الإسلامي المزعوم من اختراقها.
من مفهوم جيوسياسي إلى شعار يأخذ بالألباب
يقال إن أول من صاغ مصطلح “الإسلام اليساري” هو المؤرخ بيير أندريه تاغيف في كتاب له صدر في عام 2002 بعنوان “الخوف الجديد من اليهودية” وذلك في إشارة إلى التحالف الذي نشأ بين النشطاء اليساريين والنشطاء الإسلاميين حول قضية مشتركة وهي معارضة الاحتلال الإسرائيلي أثناء الانتفاضة الثانية.
يقول الأكاديميون إن التعريف إنما هو لظاهرة جيوسياسية أمكن ملاحظتها أيضاً في ستينيات القرن الماضي، وينطبق التعريف على كل من منظمة مجاهدين خلق في إيران، والانبهار الشخصي للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو بالثورة الإيرانية عام 1979 وكذلك حركة الفهود السود في الولايات المتحدة.
ولقد أكد بعض رموز التيار اليساري المتطرف عبر العقود الماضية، ومنهم التروسكي البريطاني كريس هارمان، أنه ينبغي على اليسار الغربي التحالف مع الحركات الإسلامية عالمياً في النضال البروليتاري ضد الرأسمالية. رغم أنه من غير المؤكد ما إذا كانت مثل هذه الآراء قد ترجمت إلى تعاون حقيقي يتجاوز مجرد الحكايات التي تروى بين الفينة والأخرى.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي رافائيل لواجيه: “في الواقع، تخلى هؤلاء المفكرون اليساريون منذ زمن طويل عن انبهارهم بفكرة التحالف مع الإسلاميين. وإنه لمن المفارقة أنهم في هذه اللحظة بالذات عندما لم يعد أحد في التيار اليساري منبهراً بهذه الفكرة سواء داخل الوسط الأكاديمي أو في غيره… يتهمون بما يسمى “الإسلام اليساري”. هذا أمر مريب، وغريب ومتهافت”.
تبنى هذا المصطلح في العشرية الثانية من هذه الألفية أتباع اليمين المتطرف في فرنسا، وتم استخدامه بطريقة مسيئة لاتهام الخصوم والنيل من سمعتهم.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الحرة ببروكسيل جان إيف برانشير: “أول صعوبة في هذا المصطلح هي أنه لا يميز بين الإسلام والإسلاموية، ما يسمح بكل أشكال الانزلاق”.
وأضاف: “يتصدر اليمين المتطرف معركة – يوشك أن ينتصر فيها – للهيمنة الثقافية من خلال فرض لغة من نمط معين. ففي مصطلح “الإسلام اليساري” يكمن خوف من الإسلام وخوف من اليسار… يمثل هذا المصطلح وسيلة ناجعة لخلق تقاطع من المخاوف من خلال التجميع في تكتل واحد أناساً لا يوجد بينهم ما هو مشترك”.
في هذه الأثناء، تشير أمل بو بكر، المختصة في علم الاجتماع، إلى أنه على الرغم من تهمة التواطؤ اليساري الإسلامي، إلا أن المسلمين الفرنسيين في واقع الأمر تم إقصاؤهم فعلياً من المشاركة في العملية السياسية في البلاد.
وقالت في تصريح لموقع ميدل إيست آي: “يعتقد مسلمو فرنسا ويشعرون بأنهم فقط يستخدمون من قبل اليسار في تنافسه مع اليمين حول القضايا الاجتماعية، ولكنهم مغيبون تماماً ولا رأي لهم ولا تناط به أي مسؤولية داخل هذه الحركات”.
اتهامات باللامبالاة
في السنوات الأخيرة حقق مصطلح “الإسلام اليساري” اختراقاً في النقاش العام – بما في ذلك داخل الحكومة التي يقودها ماكرون، الذي يفترض فيه أنه ليبرالي وسطي.
فيما بعد هجمات شارلي إبدو وباتكلان في عام 2015، ومؤخراً جريمة قتل معلم المدرسة صامويل باتي في السادس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، أصبح مصطلح “الإسلام اليساري” شعاراً يرفع ضد كل من يتهمون باللامبالاة إزاء الخطر الذي يشكله العنف الإسلاموي على فرنسا.
منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر، عددت حكومة ماكرون من المبادرات للحد من نشاط الإسلاميين، سواء من خلال قانون الأمن العالمي، وميثاق أئمة مثير للخلاف يندد بإثارة موضوع “عنصرية الدولة”، أو قانون ضد الانفصالية يتهم بأنه يستفرد بالمسلمين دون غيرهم.
وهذه المعركة ذات الطابع الصقوري هي ما حفز دارمانين في شباط/ فبراير على اتهام لوبان – زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف – والتي أشادت بتصريحات فيدال، بأنها “متساهلة جداً مع الإسلام”، في ما اعتبر تصريحاً صادماً للكثيرين.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قالت أنايس فوي غيليس، الباحثة المهتمة بحركات اليمين المتطرف في أوروبا: “ما يجري ليس تحليلاً منطقياً للأمور، وإنما هو تحليل عاطفي. إلا أن مثل هذه المواضيع تحتاج إلى العقلانية”.
وعلى الرغم من أن استخدام مصطلح “الإسلام اليساري” نفذ إلى التيار العام، إلا أنه كما يقول الفيلسوف لواجيه لا أساس له في الواقع.
ويقول إن حكومة ماكرون “نجحت في شهور قليلة بإنجاز ما لم يتسن للتجمع الوطني {والذي كان يعرف سابقاً بالجبهة الوطنية} إنجازه على مدى ما يزيد على العشر سنين من خلال استخدام مصطلح “الإسلام اليساري” – بمعنى إضفاء شرعية في النقاش العام على أفكار لم تكن سوى خيال وأوهام يوحي بها الشعبويون في تيار اليمين المتطرف إلى أتباعهم”.
لقد أظهر البحث الذي أجري عقب الجدل الذي أثارته تصريحات فيدال أن مصطلح “الإسلام اليساري” ما لبث يستخدم بكثافة من قبل اليمين في مواقع التواصل الاجتماعي منذ عام 2016. وقال عالم الاجتماع فابريس دوم سونزونغي في شهر كانون الأول/ ديسمبر في تصريح لصحيفة لوموند بأن نصف الإشارات تقريباً إلى “الإسلام اليساري” في الصحافة الوطنية المطبوعة منذ عام 2003 كانت ترد في صحيفة لوفيغارو ذات التوجه اليميني.
وحسبما يراه برانشير فإن مصطلح “الإسلام اليساري” بات وسيلة مريحة لإيجاد “أكباش فداء” بينما يتم صرف النظر عن الانتقادات الموجهة إلى اليمين.
وفي إشارة إلى مثال المظاهرات المحافظة التي نظمت في عام 2012 للاحتجاج على زواج المثليين، قال برانشير: “إن الإسلاموية التي تمثل مشكلة في فرنسا أمر واقع، ولا مجال لإنكارها، ولكنها ليست يسارية على الإطلاق. بل إن لديها مع اليمين ارتباطات أكثر مما لديها مع اليسار. وإذا كانت علاقات المحسوبية مع الإسلاميين عاراً، فإنه ينبغي علينا في الواقع التساؤل حول العلاقات التي كانت قائمة بين السياسيين من ذوي الميول اليمينية المتطرفة عندما كانوا في السلطة وممالك البترودولار مثل المملكة العربية السعودية”.
الوسط الأكاديمي في مرمى النار
حرص ماكرون خلال الشهور الأخيرة على إظهار حكومته بمظهر السلطة التي تتخذ إجراءات صارمة ضد التطرف الإسلامي، ولكنه، وكما حذر البعض، يجازف بذلك في تعميق مشاعر الكراهية والعداء ضد سكان البلاد من المسلمين.
ولكن ما الذي زج بالوسط الأكاديمي فجأة في هذه المشكلة؟
تقول فوي غيليس: “هناك دوماً استثناءات، إلا أن الجامعات ليست الأماكن المفضلة بالنسبة لمن ينتسبون إلى أيديولوجيات متطرفة تسعى لارتكاب هجمات. يتعامل النقاش مع البحث الأكاديمي ليس على أنه علم وإنما باعتباره معسكراً سياسياً يستحق أن يحارب. ومن خلال هذه الهجمات المختلفة ضد العالم الأكاديمي، يحاولون نزع الشرعية عن العمل الذي يقوم به الباحثون الذين يسعون لتسليط الضوء على المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا”.
وفي خضم التهديد المفترض الذي يشكله “الإسلام اليساري”، تجد الجامعات نفسها متهمة بأنها بزعمهم باتت رهينة لمفاهيم أمريكية مثل التقاطعية ونظرية الجندر ودراسات ما بعد الاستعمار.
في خطاب وقعه 253 مفكراً – بمن فيهم تاغويف الذي يعتبر أب فكرة “الإسلام اليساري” – في تشرين الأول/ أكتوبر دعماً لما ورد على لسان بلانكر وردت العبارة التالية: “إن الأيديولوجيات التي تتحدث عن السكان الأصليين وعن العنصرية والتحرر من الاستعمار (والمأخوذة من الجامعات في أمريكا الشمالية) تغذي الكراهية ضد “البيض” وضد فرنسا”.
بل إن ماكرون نفسه أثار ردود أفعال في حزيران/ يونيو، بعد تسريب تصريح له يلوم فيه “عالم الأكاديميا … الذي شجع تعريق القضايا الاجتماعية” ويحمله المسؤولية عن النشاط الشبابي ضد عنف الشرطة وضد العنصرية في ذروة الاحتجاجات التي نظمتها حركة “حياة السود تهم” في عام 2020.
من وجهة نظر برانشير فإن استخدام مصطلح “الإسلام اليساري” ينتهي به المطاف بشن هجوم على الأبحاث التي تجري حول المواضيع التقدمية التي لا علاقة لها بالإسلاموية.
ويقول في ذلك: “نحن هنا في خضم خطاب حول الحرب الأهلية التي لا علاقة لها بالواقع. كل شيء يلقى به معاً، فحتى الكتابات المتضمنة للجندر غدت عنصراً من عناصر “الإسلام اليساري”، كما لو أن الإسلاميين وداعش (تنظيم الدولة الإسلامية) معروفون بنشاطهم في الدفاع عن اللواطيين”.
يرفض بانشير المزاعم التي تقوم إن “الإسلام اليساري” اخترق الوسط الأكاديمي في فرنسا من خلال نظريات يزعم أنها نشأت في الولايات المتحدة، ويشير إلى أن فرنسا لديها تاريخها الطويل والخاص بها في التدبر في المواضيع الخاصة بالجندر والاستعمار والعنصرية، ومن بين المفكرين البارزين في هذا المجال فرانتز فانون وكوليت غويلومين.
ويقول: “كل أولئك الذين نددوا بالاستيراد من الأنغلوساكسون هم أنفسهم يستوردون “الحروب الثقافية” مثل تلك التي يقودها اليمين الأمريكي”. ويضيف أن الصيد الموجه ضد الوسط الأكاديمي بحجة التنقيب عن “الإسلام اليساري” يرقى لأن يكون نمطاً من أنماط الماكارثية.
تقول فوي غيليس إن الجدل الحاصل ما هو إلا محاولة متعمدة لصرف النظر عن الضربة التي تلقتها شعبية ماكرون بفعل جملة من التطورات التي شهدتها فرنسا خلال السنوات الأخيرة وبشكل خاص الخلاف حول أشكال الإصلاح التعليمي في أوج تفشي جائحة كوفيد-19 وحركة الاحتجاجية لأصحاب السترات الصفراء في 2018.
وتضيف: “ليست هذه هي المشكلة الأهم في الجامعات، وإنما هي انعدام الموارد لدعم البحث العلمي ورعاية الطلاب. عندما ترغب في تزعم تحقيق حول “الإسلام اليساري” فأنت لا تطرح على نفسك الأسئلة الأساسية التي تهم الجامعات”.
لعبة انتخابية خطرة؟
مع تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في نيسان/ إبريل 2022، يأتي الجدل بشأن “الإسلام اليساري” في فترة من الشحن السياسي.
يبدو أن ثمة إجماع عام بأن زعيمة اليمين المتطرف لوبان سوف تنجح تارة أخرى في الوصول إلى الجولة الثانية من التصويت.
يقول برانشير: “يتمكن اليمين المتطرف من خلق تقاطعات من الكراهية والخوف والهلع الأخلاقي ما كان ليتمكن اليسار، ناهيك بالتأكيد عن اليسار المتطرف، من النجاح في خلق مثيل لها، ما يسمح له بتجميع كتل الناخبين التي ما كان اليسار ليتمكن من لم شملها. فقط مارين لوبان هي التي بإمكانها في نفس الوقت كسب أصوات محتجي السترات الصفراء وضباط الشرطة الذين أطلقوا النار على السترات الصُّفر”.
أدار ماكرون حملته الانتخابية في عام 2017 من خلال تقديم نفسه على أنه “لا هو يسار ولا هو يمين”، حتى أشيد بانتصاره على اعتبار أنه “وابل” ضد اليمين المتطرف. ولكن مع اقتراب انتخابات 2022 ما فتئت حكومته تتبنى، وبشكل متزايد، نفس الخطاب الذي يلقيه على مسامع الناس اليمين المتطرف، مركزاً على الإسلام وقضايا الأمن.
يقول لواجير: “لا يمكن فصل ذلك الذي يحدث مع فكرة “الإسلام اليساري” من قانون الانعزال وقانون الأمن العالمي. إنها عملية مستمرة كجزء من التغيير الذي ما لبث يجري أثناء فترة ماكرون الرئاسية”.
على الرغم من وجود شخصيات من التيار اليميني في حكومته، إلا أن ماكرون نفسه، كما يعتقد لواجير، ما هو سوى شخص شعبوي، ويضيف لواجير: “إلا أن طريقة تفكيره وتبريره للأمور سوف تؤول إلى إيجاد هامش واسع من الشعبوية… وهكذا ينتهى المطاف بماكرون إلى أن ينسى أصوله ومعتقداته، وهي ما يقع فيه جميع السياسيين مع اقتراب موعد الانتخابات”.
وترى بوبكر أن الإسلام والمسلمين ما هما سوى ذرائع مناسبة في الصراع السياسي الدائر منذ زمن داخل فرنسا.
وتضيف: “يشعرك هذا الجدل بأنه أكثر ارتباطاً بالتاريخ الفرنسي والصراع بين اليمين واليسار، وبين الحركات القومية والجمهورية، وهذه كلها لها جذور تاريخية عميقة في فرنسا تسبق الأسئلة المطروحة حول الإسلام”.
وترى فوي غيليس أن ماكرون يخوض بالانتخابات “لعبة خطرة” من خلال “محاولة الصيد في حقول اليمين المتطرف” كما فعل سلفه الرئيس نيكولا ساركوزي.
وتقول: “ثمة إدراك بأن الانتخابات لن تسير كما حدث في عام 2017، لأن الناخبين اليساريين لن يصوتوا غداً لصالح ماكرون، وهذا الأمر يكاد يكون مؤكداً. ولكنني لست واثقة، في ما يتعلق بالسياق الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا اليوم، أننا سوف نرى نفس النتائج في عام 2022”.
وتضيف: “إنها لعبة غير صحية لأنها تساهم في تقسيم مجتمع يعاني أصلاً من حالة من التشرذم والتفتت”.
إسكات مسلمي فرنسا
بينما يتركز الجدل بشأن “الإسلام اليساري” – وهنا تكمن المفارقة – على مهاجمة وجهات النظر اليسارية، إلا أن الخطاب مع ذلك كان له أثر سلبي على المجتمع المسلم في فرنسا – والذي يعاني أصلاً من التمييز والعداء.
ولقد حث ائتلاف من منظمات المجتمع المدني في شهر كانون الثاني/ يناير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالبدء بإجراءات مخالفة رسمية ضد الحكومة الفرنسية بسبب ما أطلقوا عليه “الإسلاموفوبيا المتخندقة” في البلاد.
وبينما كانت عبر السنين قد أثير ما لا يحصى عدده من القضايا المثيرة للجدل بشأن الحجاب والبوركيني في فرنسا، إلا أن المسلمين كانوا باستمرار يقصون من المشاركة في تلك النقاشات، كما تقول بوبكر.
والتي تضيف: “يتم إخضاع السكان المسلمين للعقاب دون أن يُشركوا في نفس تلك النقاشات النخبوية حول الأكاديميا. لا رأي لهم في النقاش العام لأنهم سوف يُتهمون بأنهم “مجتمعيون” أو الأسوأ الآن بأنهم “انعزاليون”. وبذلك لا نسمع سوى رأي الأكاديميين اليساريين البيض أو الخبراء البيض، ولكن لا نسمع بتاتاً من السكان أنفسهم”.
وتقول بوبكر إن التغيير الضروري لمواجهة هذه المذاهب يتمثل في أن تصبح فرنسا أكثر ارتياحاً واستعداداً لمناقش المواضيع الاجتماعية والتاريخية التي كثيراً ما تكنس تحت البساط.
وتضيف: “تحتاج النقاشات حول الطبقة والعرق إلى التطبيع داخل النقاش العام، ويحتاج ذلك لأن يتم بشكل علمي وليس من خلال أدعياء الخبرة والاختصاص عبر شاشات التلفاز رغم عدم علمهم في واقع الأمر بما يتحدثون عنه”.
وتقول فوي غيليس، التي ألفت كتاباً بعنوان “الاتحاد الأوروبي في مواجهة اختبار النزعات القومية”، إن فرنسا تمر بحالة من التحول اليميني، ولكن الوضع هناك أبعد ما يكون عن كونه فريداً من نوعه.
وتشير قائلة: “مسائل الهوية باتت شائعة في جميع البلدان الغربية. هناك حالة من التيه والتوتر المحيط بموضوع الإسلام – ومن خلال الإسلام بموضوع الهوية”.
ويرى برانشير كذلك في المناخ الحالي في فرنسا أعراض إشكالات تتجاوز مسألة أين هو مكان الإسلام في البلد، وهذه الأعراض لو سلط الضوء عليها لكانت المفتاح في مواجهة ما يبدو أنه الصعود المحتم لنفوذ اليمين المتطرف.
ويقول: “عندما يتفشى الهلع الأخلاقي، فهذا يعني انعدام الشعور بالأمن، وهو إحساس ذو أبعاد اجتماعية عميقة. وهذا يتطلب التطرق لمواضيع السياسات الاجتماعية والسياسات التعليمية…. ولكننا لن نتمكن من مواجهة (مثل هذا النمط من الخطاب) في الساحة التي يسعون فيها للنيل منا”.
(المصدر: عربي21)