FP: هل تقبل السعودية بالتطبيع مقابل الوصاية على “الأقصى”؟
إعداد باسل درويش
نشر موقع “فورين بوليسي” مقالا للأكاديمي مايكل اشرنوف، ترجمته “عربي21″، حذر فيه من محاولة إسرائيل والولايات المتحدة حفز السعودية للتطبيع مع دولة الاحتلال، مقابل منحها حراسة الأماكن المقدسة في القدس.
وقال اشرنوف إن الأردن يعتبر نفسه حارسا للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ويتعامل مع الموضوع كأنه قضية أمن وطني، مشيرا إلى أن الشائعات المنتشرة حول منح السعودية رعاية المقدسات الإسلامية سيضعف الأردن ويتسبب بعدم الاستقرار بالمنطقة.
وأشار إلى أن قادة الأردن أصدروا في الأشهر الأخيرة سلسلة من التصريحات التي رفضوا فيها المحاولات الإسرائيلية تغيير الوضع القانوني والتاريخي للقدس، خاصة أن الأردن يتعامل مع وضعية المدينة بجدية ويرى أي محاولة لتغيير طابعها خطا أحمر.
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العام الماضي: “السيادة على القدس هي فلسطينية وحراسة الأماكن المقدسة هي هاشمية”.
وفي افتتاحه البرلمان الأردني الجديد، الشهر الماضي أكد الملك عبد الله الثاني التزام المملكة الهاشمية القوي بالدفاع عن القدس: “حراسة الهاشميين للأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس هي واجب، التزام واعتقاد ثابت ومسؤولية قمنا بفخر بواجبها على مدى مئة عام ولن نقبل بأية محاولة لتغير طابعها التاريخي ووضعها القانوني ولا أي محاولات، مؤقتة أو مكانية لتقسيم المسجد الأقصى- الحرم الشريف”.
وفي الوقت الذي وجه فيه الملك تصريحاته إلى إسرائيل إلا أنها بالتأكيد موجهة للولايات المتحدة والسعودية.
ويضيف الكاتب أن خطة السلام والإزدهار أو خطة ترامب أو اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل من جهة والإمارات والبحرين والمغرب والسودان من جهة أخرى، فاقمت من مخاوف الأردن بشأن القدس.
وحتى هذا الوقت قدمت اتفاقيات أبراهام تنازلات كبيرة، فقد حصلت الإمارات على مقاتلات أف-35 وشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب واعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
ويتساءل الأردنيون عما ستحصل عليه السعودية مقابل التطبيع مع إسرائيل؟ وفي الوقت الذي تسيطر فيه السعودية على أقدس مكانين إسلاميين وهما مكة والمدينة إلا أن عينها قد تكون على القدس لكي تسيطر وبشكل كامل على الأماكن الإسلامية المقدسة لدى المسلمين.
وتكشف اللفتات الأخيرة عن محاولة بهذا الاتجاه، وتشمل تجنب الاعتراف بالدور الأردني في القدس والتوقف عن التعهد بدعم الأماكن المقدسة فيها بـ 150 مليون في السنة، مما يقترح أن السعودية راغبة بلعب دور أكبر بالمدينة أو إضعاف التأثير الهاشمي. والأردن له علاقات قوية مع السعودية.
ونشأت علاقة تنافس وخصام في الماضي بين الهاشميين وآل سعود. وظل الهاشميون يديرون الأماكن المقدسة من القرن العاشر حتى عام 1924.
ونازع آل سعود الهاشميين السيادة على مكة والمدينة وسيطرت المملكة عليهما في 1924 وأصبحت الحارسة لهما بعد إعلان تأسيس المملكة في 1932. وبعد خسارة مكة بحث الهاشميون عن فرص لتأكيد مكانتهم وقيادتهم بين المسلمين والعرب.
وفي 1921 أنشأوا حكما وراثيا في إمارة عبر الأردن التي أصبحت المملكة الأردنية الهاشمية. وبدت القدس التي لم تكن تابعة لآل سعود فرصة للهاشميين لتحقيق طموحاتهم.
وساعدوا في 1924 على إعادة إعمار الحرم الشريف، مما منح المملكة التي لا تملك الطاقة تأثيرا جديدا. وأصبح موقع الأردن كحارس للأماكن المقدسة فعليا في الفترة ما بين 1948 – 1967.
وعندما احتلت إسرائيل المسجد الأقصى خلال حرب 1967 اتهمها الأردن بمحاولة تغيير “الطابع العربي” للمدينة المقدسة عبر الحفريات المستمرة حول المسجد بالإضافة لبناء مستوطنات في القدس المحتلة.
وبعد الحرب وأثناء السبعينات والثمانينات من القرن الماضي استمر الأردن بإصدار تصريحات متعلقة بالمدنية وتؤكد دورها فيها ولكنها تؤكد على عودة القدس والضفة الغربية للسيادة الأردنية.
وبحلول 1988 تعب الأردن من التنافس مع منظمة التحرير الفلسطينية للتأثير في الضفة الغربية وقرر الملك حسين قطع العلاقات القانونية والإدارية معها باستثناء القدس التي ظلت بعلاقاتها التاريخية والدينية للهاشميين جائزة كبرى للأردن. فعلاقته مع المدينة المقدسة قدم له الشرعية للحديث والدفاع عن المصالح العربية والإسلامية.
وفي معاهدة وادي عربة عام 1994 لم يحصل الأردن على الضفة الغربية لكن علاقته وحراسته للأماكن المقدسة في القدس تعززت.
واشترطت الاتفاقية “احترام الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس وعندما يتم التفاوض على الوضع النهائي. وستمنح إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخ في هذه الأماكن المقدسة”.
وتعززت الشرعية الأردنية في القدس أكثر عندما اعترف رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس عام 2013 بالأردن كحام للأماكن المقدسة في المدينة و”سيادة الفلسطينيين على فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية”.
وفي الوقت الذي تسارع فيه دول عربية للتطبيع مع إسرائيل أبدى الأردن قلقه من أن تكون صفقة تحفز السعودية على التطبيع مقابل نقل دور حراسة الأماكن المقدسة للسعوديين على حساب الدور التاريخي الأردني وحراسة الأماكن المقدسة.
ويحذر الكاتب من أن تجريد الأردن من دوره كحارس في القدس واستبداله بالسعوديين قد يؤدي إلى ثمن كبير حتى لو كان هذا سيقود إلى سلام مع السعودية.
فلطالما نظرت إسرائيل والولايات المتحدة للأردن كعماد للاستقرار في المنطقة. وهو حليف كبير للولايات المتحدة خارج دول الناتو.
كما وساهم في الحرب الدولية ضد تنظيم الدولة ويحاول الانتصار في الحرب الطويلة ضد منظمات العنف المتطرف عبر الاعتدال الديني والتسامح والحوار الديني.
وانتشار شائعات حول تغيير الوضعية الدينية في القدس سيضع ضغوطا لا ضرورة لها على الأردن، كما ستدفع الملك عبد الله لاسترضاء الأردنيين والفلسطينيين وتبديد شكوكهم من أن الهاشميين يتخلون عن حقهم في الدفاع عن الأماكن المقدسة في القدس.
فرمزية القدس نابعة من كونها مصدر شرعية للعائلة الهاشمية وساعدت على تنمية صورة عن عائلة هاشمية موحدة وأكدت على وحدة الأردنيين من شرق الأردن وغالبية أردنية من أصل فلسطيني تحت هوية أردنية وطنية واحدة.
فرابطة الأردن بالقدس تهدف للتأكيد على استمرارية العلاقات التاريخية والسياسية والدينية مع فلسطين وقدرته على تمثيل والدفاع عن الفلسطينيين والمصالح الإسلامية.
وينظر الأردن للقضية الفلسطينية كقضية مركزية محلية وفي السياسة الخارجية. ويتوقع للأردن لعب دور في المفاوضات النهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولديه مصالح في استقرار وازدهار المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن.
ومن هنا فتغيير الوضع الراهن في القدس يعني تدهورا في العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة وسيضر بالعلاقات بين المكونات السكانية للأردن وسيضعف دور الأردن المعتدل الراغب بحل سلمي للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني وسيخلق بالضرورة تداعيات غير ضرورية للأمن والسلام في المنطقة.
وفي النهاية ربما كانت اتفاقية سعودية- إسرائيلية إنجازا دبلوماسيا مهما، ولكن يجب ألا تتفوق المنافع على المخاطر.
فمنظور خسارة حراسة الأماكن المقدسة في القدس سيكون نكسة أخرى للأردن. ولو كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تتعاملان مع الأردن كشريك استراتيجي فيجب أن تأخذا بعين الاعتبار موقف عمان من القدس وقلقها الاستراتيجي.
وتأكيد المواقف والاعتراف بالأردن كحليف يوثق به يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب مع تبديد الشكوك في داخل المملكة أن الحل للنزاع سيكون على حسابها.
(المصدر: عربي21)