مقالاتمقالات مختارة

الإسلاميون وفلسطين.. من يستفيد من الآخر؟!

الإسلاميون وفلسطين.. من يستفيد من الآخر؟!

بقلم عدنان حميدان

تردد في الآونة الأخيرة حديث قديم جديد لبعض الشخصيات العاملة في الحقل السياسي الإسلامي، خلاصته: ما شأننا وفلسطين؟ ولماذا تبنّي القضية الفلسطينية فرض عين على كل عربي مسلم؟ ومعظم الناس يعلمون بؤس أوضاعنا المحلية وصعوبتها، فكيف لمن لم يمكّن لنفسه في بلده وينهض بِه ويعلي شأن اقتصاده ومنعته؛ أن يفكر بتحرير فلسطين أو تبني قضيتها؟!

وقبل أن تسيطر عليك الصدمة وأنت تقرأ ما أكتب حول هذا التبرؤ من فلسطين والتخلي عنها! أودّ التأكيد مبدئيا على حق أي شخص في التعبير عن رأيه، وأن هذا القيادي السياسي الإسلامي حر بطريقة تفكيره، ولا أحد يمكنه الطعن في انتمائه لأمته أو دينه لمجرد حديثه عن أفكار جالت في خاطره، وتخويف الناس من مجرد طرح أفكارهم عمل مستقبح مرفوض. وعليه أودّ مناقشة هذا الطرح بتجرد وموضوعية وبعيدا عن عبارات الانتماء أو التخوين، وأسأل حول الإسلاميين وفلسطين: من المستفيد من الآخر؟

يذكر التاريخ المعاصر أن الإخوان المسلمين في مصر كانوا أول من تطوع على شكل مجموعات منظمة للقتال دفاعا عن فلسطين ومواجهة الاستعمار البريطاني قبل الاحتلال الصهيوني عام 1948، وقبل انتشار المد القومي والناصري، وقد وثق ذلك المرحوم كامل الشريف في كتابه “الإخوان المسلمون في حرب فلسطين”. وبقيت قضية فلسطين حاضرة معهم ومواكبة لامتدادات الصحوة الإسلامية في الأقطار العربية، ويسجل لهم إحياء جذوة القضية في نفوس العرب والمسلمين.

كان هذا الخطاب رافعا لشعبية الإسلاميين، ومساهما رئيسا في التفاف الجماهير حولهم والتصويت لهم كلما سنحت فرصة لانتخابات حرة ونزيهة، فاستفاد الإسلاميون من رفع لافتة فلسطين انتخابيا وجماهيريا، كما استفادت القضية من اهتمامهم بها

وكانت قضية فلسطين، وتحديدا القدس المحتلة برمزية المسجد الأقصى فيها؛ عنوان ربط الإسلاميين للجماهير العربية والإسلامية بمفهوم الأمة، التي هي أكبر من أقطار سايكس بيكو والتي تختلف في ملفات كثيرة ولكن تتفق على مكانة القدس وقدسيتها، كما نص على ذلك القرآن الكريم: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله..” فهي أرض مباركة تحريرها واجب والدفاع عنها شرف. ويسجل الفضل لخطباء الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية القريبة منهم بإذكاء ذلك في وجدان الأمة من جاكرتا شرقا إلى الرباط غربا.

وفي نفس الوقت كان هذا الخطاب رافعا لشعبية الإسلاميين، ومساهما رئيسا في التفاف الجماهير حولهم والتصويت لهم كلما سنحت فرصة لانتخابات حرة ونزيهة، فاستفاد الإسلاميون من رفع لافتة فلسطين انتخابيا وجماهيريا، كما استفادت القضية من اهتمامهم بها.

وعليه من تغير رأيه من الإسلاميين حول مكانة قضية فلسطين أو أولوية الاهتمام بها، ورأى أن القضايا ذات النزعة المحلية والقُطرية أولى فهذا شأنه، ولكن عليه أن يكون صريحا مع الشارع الذي أوصله للمكانة التي هو فيها ويعلن ذلك صراحة له ويقول: أنا في حزبي السياسي ذي المرجعية الإسلامية لن أشتغل لقضية فلسطين ولن يكون الحديث عنها أو الاهتمام لأولوياتها ضمن أولوياتي، وإذا انتخبتموني فسيكون عملي بمعزل تام عنها؛ ليكون هذا الحزب واضحا في ذلك حتى يقرر الناس انتخابه أم لا وهم على بيّنة من هذا الأمر.

جرت العادة في العقود الماضية على استخدام العاملين في الحقل السياسي الإسلامي للقضية الفلسطينية عامة وقضية المسجد الأقصى تحديدا في كسب تعاطف الشارع معهم وتحقيق مكاسب انتخابية وشعبية، وعليه آن الأوان لمن يرى منهم غير ذلك أن يكون صادقا مع نفسه وجمهوره وواضحا في مشاريع عمله وحملاته الانتخابية ويقولها صراحة: أنا لا شأن لي بفلسطين وقضيتها! ويمكنه بعد ذلك تبرير موقفه بتعقيدات السياسة وإكراهاتها، ولا مانع أيضا أن يلصق ذلك ببعض العبارات العاطفية عن فلسطين، من قبيل أننا حتى لو قمنا بالتعامل مع الاحتلال ففلسطين حاضرة في قلوبنا!! وهذه عبارات لا تسمن ولا تغني من جوع.

خلل في وعي من يطرح مفهوم النأي بالنفس عن القضية الفلسطينية ولو كان ذلك مرحليا أو براغماتيا؛ حيث أنه لا يستوعب خطر المشروع الصهيوني في العالم الإسلامي وسعي الاحتلال للسيطرة على المنطقة وثرواتها

والمسألة المنهجية الثانية في سياق علاقة الإسلاميين بفلسطين ترتبط بالخلل في وعي من يطرح مفهوم النأي بالنفس عن القضية الفلسطينية ولو كان ذلك مرحليا أو براغماتيا؛ حيث أنه لا يستوعب خطر المشروع الصهيوني في العالم الإسلامي وسعي الاحتلال للسيطرة على المنطقة وثرواتها. وصاحب هذا الطرح أيضا يتعامى عن دور الاحتلال في اختيار الحكام بالمنطقة العربية والإسلامية وتثبيت من أراد وخلع من لا يريد. ومثال بشار الأسد حاضر بقوة، حيث اتفقت واشنطن وتل أبيب فضلا عن موسكو على أهمية بقائه في السلطة مهما حدث، وعدم المغامرة بالسماح للشعب باختيار حاكم بديل لا أحد يعلم كيف سيكون موقفه من الاحتلال. وكلما كانت الدولة أقرب جغرافيا لفلسطين المحتلة كلما زاد تدخل الاحتلال ومن خلفه واشنطن بتركيبة النظام السياسي الحاكم فيها.

ومن جهة أخرى، أين هو وعي ذلك القيادي الإسلامي سياسيا أمام الشواهد الحاضرة أمامه من مركزية “إسرائيل” بالنسبة لواشنطن، فيما هو يبتعد بنفسه عن مركزية “فلسطين” بالنسبة للأمة؟ وكيف يفسر مقايضة قضايا محلية للدول، مثل رفع اسم السودان عن قوائم الإرهاب أو الاعتراف بمغربية الصحراء، بقضية التطبيع مع الاحتلال؟

كيف يقرأ التوقيع على “اتفاقية أبراهام” كما جرى الحال مع الإمارات والبحرين والسودان، والتي تعتبر المقاومة الفلسطينية المسلحة جماعات إرهابية؟! والسياسة شائكة ومتداخلة ولا يمكن فصل الملفات، ولكن يمكن فهم مرحلية العمل والتدرج واعتماد دبلوماسية الطرح والخطاب تحت وطأة ظروف سياسية معينة، دون مقايضة الحقوق الفلسطينية بمكتسبات قُطرية محلية، ولا استخدام أدبيات عاطفية في التضامن مع فلسطين سلّما للصعود السياسي ثم التخلي عنه في أول اختبار حقيقي لذلك.

وفي النهاية علمتنا التجربة أن كل الدول التي تماهت مع الاحتلال وإملاءات المجتمع الدولي سعيا لتحقيق تنمية محلية واقتصادية في دولها عجزت عن ذلك، وجنوب السودان خير شاهد على ذلك، وعلى السياسي الإسلامي أن يعي أن وجوده عمليا يتناسب طرديا مع القضايا المركزية للأمة مثل قضية فلسطين، وإن تخلى عنها تخلت الأمة عنه.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى