مقالاتمقالات مختارة

اغتيال الأئمة المناهضين للتطبيع في فلسطين 48.. إعلام الصَّمَم!!

اغتيال الأئمة المناهضين للتطبيع في فلسطين 48.. إعلام الصَّمَم!!

بقلم أحمد التلاوي

لحظة كتابة هذه السطور، في مساء الثامن من يناير 2021م، كانت الثماني والأربعين ساعةً السابقة عليها، قد شهدت اغتيال ثلاثة من أئمة المساجد في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م.

ووفق الشهادات التي جمعها الكاتب من بعض القريبين من الأوضاع هناك، وفي بعض منصَّات مواقع التواصل الاجتماعي المحلِّيَّة لمناطق في داخل الخط الأخضر، ولاسيما مناطق أُمِّ الفحم والناصرة، فإنَّ هذا الأمر ليس بالحَدَثِ المنفرد؛ حيث شهدت الفترة الأخيرة، عمليات اغتيال أو محاولات اغتيال لعدد من الأئمة في هذه المناطق.

هذه الشهادات وما يُنشَر على منصَّات التواصل الاجتماعي، تشير إلى أنَّ الأئمة الذين تم اغتيالهم أو التهديد بالاغتيال والمُعَرَّضين له، هم الأئمة الذين يعلنون موقفًا واضحًا وصريحًا مِن موجة التطبيع الأخيرة التي بدأتها عددٌ مِن الحكومات العربية، وشَمِلَت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

الغريب في هذا الأمر، هو أنَّ وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية الأهم، لم تنشر أي شيءٍ عن هذه الموجة من جرائم القتل، وإنْ كان هناك تناولاً إعلامياً حثيثاً بعض الشيء لقضية قريبة الصِّلَة بذلك، وهي عدم اهتمام أجهزة الشرطة والأمن المدنية الصهيونية بالحالة الأمنية في مناطق كثافات عرب الـ48، مما أدى إلى شيوع جرائم متعددة، من بينها العنف الجسدي بأشكاله المختلفة، والقتل.

ومِن بين وسائل الإعلام الفلسطينية المهمة التي تهتم بهذه القضية، مَوقِعا “قدس برس” و”عرب 48″ على وجه الخصوص، ولكن في السياق العام المتعلِّق بالحالة الأمنية في مناطق الكثافات السكانية العربية كما تقدَّم، ولكن ليس في هذا الإطار المُخَصَّص الذي نهتم به في هذا الموضِع من الحديث.

ومما يكشف أنَّها بالفعل حملة قتل مُستَهدَف وليست مجرد جرائم قتل أو اغتيال فردية؛ فإنَّه بجانب الأئمة الثلاثة الذين تم افتتاح الحديث بالإشارة إلى اغتيالهم؛ كانت هناك محاولات اغتيال أخرى لشخصيات ترتبط بمسألة التطبيع وملفات القضية الفلسطينية الأهم، مثل القدس.

أحدث هذه الجرائم لحظة كتابة هذه السطور، محاولة قتل أو – بالأحرى – اغتيال تعرَّض لها القيادي في الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948م، جناح الشمال الذي لا يعترف للآن بالكيان الصهيوني، وهو الدكتور سليمان أحمد، وهو قيادي في الصف الأول للحركة، وأسيرٌ مُحرَّر، وهو أحد المسئولين عن ملف القدس والاقصى في الحركة الاسلامية.

وسبق ذلك، اغتيال أحد الشباب الناشط في الحركة الإسلامية في كفر قرع، وهو سليمان نزيه مصاروة، وهو نجل المحامي نزيه سلمان مصاروة، وهو بدوره من الرموز المهمة الناشطة في أوساط عرب الداخل في هذه المناطق في الحركة.

وكالعادة، لم تُذكَر أخبار هاتَيْن الجريمتَيْن مثل غيرها من الأخبار المماثلة في أيَّة مساحة إخبارية فلسطينية أو عربية، وفقط نقلته منصَّة قرية معاوية العربية على موقع “فيسبوك” في منشور مشفوع بصورة للقيادي الفلسطيني الذي تمَّ إطلاق النار عليه.

وبشيء مِن الجهد في البحث على الإنترنت، سواء أكان بحثًا عامًّا أو مُخَصَّصًا للأخبار، فإنَّ آخر خبر تمَّ نقله في هذا الصدد، كان مِن خلال الصفحة العربية لوكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، بتاريخ الثالث من أبريل عام 2018م، عندما نقلت الوكالة نبأ مقتل الشيخ محمد سعادة، إمام مسجد التوحيد في أم الفحم، رميًا بالرصاص مِن قِبَل مجهولين بعد خروجه من المسجد.

وكالعادة أيضًا، لم تبذل السلطات الأمنية الصهيونية جهودًا تُذكَر للبحث عن الجُنَاة، لا في هذا الحادث ولا في غيره كما نعلم جميعًا، وهو ما يجبُّ كُلَّ ما تطنطن به الحكومات الصهيونية عن “دولة المواطنة” المُتَوَهَّمة هناك.

الشهادات التي تمَّ جمْعَها في هذه الصدد، على قِلَّتِها، تشير إلى عددٍ مِن المعلومات المتوافرة في هذا الصدد، أولها، هو أنَّ هناك أطرافًا فلسطينية متورطة في هذا الموضوع، وهذه الأطراف تضم أيضًا بعض الدروز من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948م، وهم من المعلوم أنَّهم أقرب المُكَوِّن الفلسطيني من مناطق النكبة للسلطات الصهيونية، ويخدمون في أجهزة الأمن والجيش الصهيونيَّيْن.

كذلك لدى عددٍ من أصحاب هذه الشهادات التي تم جمعها رابطٌ زمني بين هذه الظاهرة، وبين بدء التطبيع الحميمي بين الإمارات والكيان الصهيوني؛ حيث يذكر أصحابها –هذه الشهادات– أنَّ “كُل” أئمة وخطباء المساجد الذين انتقدوا التطبيع الإماراتي الصهيوني، إمَّا تمَّت تصفيته أو تعرض لمحاولة اغتيال في غضون أيام قليلة من جَهْرِه بموقفه هذا.

ويدللون على صحة ربطهم هذا بأمرَيْن، الأول، أنَّ هذه الظاهرة التي شمِلَت فئاتٍ أخرى، مثل رجال أعمال ومُعَلِّمين مناهضين للتطبيع، قد بدأت في نفس أسبوع بداية التطبيع الإماراتي الصهيوني.

وتذكر هذه الشهادات أنَّ فئة رجال الأعمال دخلت في دائرة الاستهداف بسبب رفض عددٍ منهم التعاون مع رجال أعمال إماراتيين قاموا في الآونة الأخيرة بشراء عشرات مِن العقارات من فلسطينيين في الداخل المحتل، وفي القدس والضفة الغربية المحتلتَيْن، ثم تسليمها للحكومة الصهيونية كهدية!

وهذا الأمر يمكن تصديقه بسهولة، حتى من دون معلومات أو شهادات، فهناك صفقة مشاركة رجل الأعمال الإماراتي الشيخ حمد بن خليفة آل نهيان، وهو أحد أعضاء الأسرة الحاكمة الإماراتية، لنصف أسهم نادي “بيتار القدس” المعروف بأنَّه ممثل لأسوأ نوعية من عنصرية في المستوطنات اليهودية المقامة على أراضي الفلسطينيين المحتلة في القدس والضفة الغربية.

السؤال المطروح هنا، هو لماذا لا نجد صدىً لمثل هذه الجرائم في الإعلام الفلسطيني؛ على الأقل بمنطق الاهتمام بأمور الداخل المحتل عام 1948م، وهو أحد أبرز المساحات التي يدور حولها المشروع الصهيوني منذ تأسيسه في فلسطين، وحتى الآن كما نعلم.

الحقيقة، أنَّ الجريمة الأكبر ليست في اغتيال هؤلاء؛ فهذا سياق طبيعي للصراع الحالي على أرض فلسطين، وسياق من الطبيعي أن يلجأ إليه خصوم هذه الشخصيات التي تُمثِّل ممانعة فعَّالة ضد خطط الضم والتهويد وتذويب القضية الفلسطيني، بينما الشهداء – نحسبهم كذلك عند اللهِ تعالى – الذين يسقطون نتيجة ذلك؛ إنَّما هم يعلمون أنَّ ذلك هو احتمال كبير في سياقات المعركة الشريفة التي يخوضونها، وجزاؤهم عند اللهِ تعالى هو أنْ يكونوا مع الصِّدِّيقين والشهداء وحَسُن أولئك رفيقًا.

إنما الجريمة الحقيقية هي في تجاهُل مثل هذه الأمور، وعدم التشهير بالأطراف التي تقف خلفها، وتصعيدها في مختلف المنابر الحقوقية والإعلامية والسياسية، وتكريم ضحايا هذه المعركة؛ معركة مواجهة موجة التطبيع على الأقل لدعم الجهود المبذولة في هذا الاتجاه في فترةٍ هي الأكثر حَرَجًا في تاريخ القضية الفلسطينية.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى