إعداد : سعيد بن محمد آل ثابت
الحمد لله ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما, ومل ما شاء من شيء بعد، هو الأول فيس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء،وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، له الحكم وإليه تُرجع الأمور، والصلاة والسلام على الهادي البشير، والسراج المنير، خير من وطئ الحصى، وبلغ وهدى-صلى الله عليه وسلم-تسليما كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد :
وبعد طرح موضوع (التربية الإيمانية)، ومن خلال البحث والتجربة فإنه لمح في الذهن، وانفتق في الخاطر أكبر ما يعين على التربية الإيمانية, وأشمل ما يعزز من قيم الشرائع الدينية، بل وكان الجامعة التي خرج منها رعيلنا الأول، وجيلنا الأسبق ..إنه المسجد، ولعظم هذا الموضوع سأتناوله من عدة جوانب :
- مقدمات
- آية وتأمل
- المقصود بالارتباط بالمسجد
- لماذا المسجد؟
- أهل المساجد والفضائل المعدة
- التربية على الارتباط بالمسجد
- من آداب المسجد، ومن المخالفات
- من نوافل العبادات
- الخاتمة
أولاً : مقدمات :
– المقدمة الأولى :
عند النظر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم نشاهد العمق التربوي الذي وصله بالمسجد، وكان ذلك عبر أمور كثيرة، منها:
- أول عمل عمله النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل بالمدينة مهاجراً من مكة بناء المسجد، وذلك ليٌُعطي رسالة واضحة أنه منشأ الانطلاقة الحقيقية لأي دعوة ربانية، وهو لا يقتصر فيه على الصلوات و إقامة الشعائر التعبدية، وإنما هو أشمل من ذلك .
- كانت حُجر أزواج الرسول –صلى الله عليه وسلم- ملاصقة للمسجد، وهذا له معناه حيث القرب من المسجد، والمكث مع أهله بجواره .
- لزوم أهل الصفة المسجد، وما بجواره، وهم الفقراء من المهاجرين –رضي الله عنهم – حيث أن لزومهم المسجد يضمن لهم الغذاءان الروحي المعنوي، والجسدي المادي .
- كان – عليه الصلاة والسلام – يعلم صحبه في المسجد، بل ويجعله منشأ الانطلاقات والغزوات والمعارك، وفيه يقضي أثمن وقته، ويجعل منه التصريحات القوية، والخطب الأصيلة يجمع الناس فيه، ويندب فيهم إحضار المرأة للصلاة وعدم حرمانها من المسجد، بل قد أسر فيه ثمامة بن أثال –رضي الله عنه- قبل إسلامه، وكان قد أسلم قناعة بعد رؤية النبي وصحبه في المسجد، من خلال صلاتهم وتوافقهم، وتعاونهم، وغير ذلك .
– المقدمة الثانية :
المؤمن هو في أمس الحاجة إلى ضرورة الارتباط بالمسجد، وامتثاله التربية الصالحة من خلاله، ومما يدعم هذا الأمر أهمية :
- عظم وكثرة الباقيات الصالحات فيه .وهي تشمل العبادات والأعمال الصالحة كما ذكر ابن سعدي –رحمه الله – في تفسيره . وهي قنطرة للعبادة من (صلاة و دعاء و أذان و ذكر واستغفار-…), و من أعظم الأعمال الذكر، وقد جاءت عديد من الآثار بلزوم المسجد للذكر لاسيما أذكار طرفي النهار، ومعلوم أن الله مدح لنا الباقيات الصالحات .
- عاصم من الفتن، والشهوات.
- المطية الحقيقية للابتهال والانكسار( و سكب العبرات).
- توافر الإخلاص، والخلوة ( وتكمن في العزلة وقت الجلوس وانتظار الصلاة بعد الصلاة)، ونعلم بضرورة العزلة للمؤمن مع الله، حيث ذاك مما يدعو النفس للتفكر والتدبر والاعتبار .
- وجود الغربة للشاب المحافظ، وهذه الغربة تحتاج لقاعدة متينة من البناء الإيماني، والرشد الوجداني، والذي من أهم أساسياته التعلق بالمسجد .
– المقدمة الثالثة :
وهذه المقدمة نلفت فيها الانتباه إلى رعيلنا الأول، والتماسهم طريق المصطفى – صلى الله عليه وسلم- فتجد التمامهم على حلق العلم في المساجد، وتمسكهم بذلك، وتجد جل انطلاقاتهم الدعوية، والإيمانية والجهادية منه، وعلى ذلك لا انفكاك منهم عنه، فهذا أبو هريرة كان يذهب إلى أهل السوق بالمدينة ويقول لهم : أنتم هنا قاعدون وميراث النبي صلى الله عليه وسلم
يقسم بالمسجد، ما أعجزكم . فيذهب الناس فلا يجدون شيئًا سوى القائمين في صلاة أو القارئين لكتاب الله أو
الجالسين في دروس العلم، فيتعجبون من أبي هريرة . فيقول لهم : ذلك ميراث النبي صلى الله عليه وسلم . و هذا شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-يجلس للذكر، ويقول: “هذه غدوتي لو لم أتغداها خارت قواي”.
ثانياً : آية وتأمل :
– قال الله تعالى: }وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ . [البقرة:114]
وذكر الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-في تفسيره عن هذه الآيات من الفوائد الجليلة، ومنها :
1- شرف المساجد ؛ لإضافتها إلى الله ؛ لقوله تعالى: { مساجد الله }؛ والمضاف إلى الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام : إما أن يكون أوصافاً؛ أو أعياناً؛ أو ما يتعلق بأعيان مخلوقة ؛ فإذا كان المضاف إلى الله وصفاً فهو من صفاته غير مخلوق، مثل كلام الله، وعلم الله ؛ وإذا كان المضاف إلى الله عيناً قائمة بنفسها فهو مخلوق وليس من صفاته، مثل مساجد الله، وناقة الله، وبيت الله ؛ فهذه أعيان قائمة بنفسها إضافتها إلى الله من باب إضافة المخلوق لخالقه على وجه التشريف ؛ ولا شيء من المخلوقات يضاف إلى الله عز وجل إلا لسبب خاص به ؛ ولولا هذا السبب ما خص بالإضافة ؛ وإذا كان المضاف إلى الله ما يتعلق بأعيان مخلوقة فهو أيضاً مخلوق ؛ وهذا مثل قوله تعالى: {ونفخت فيه من روحي}؛ فإن الروح هنا مخلوقة ؛ لأنها تتعلق بعين مخلوقة .
2- وجوب تطهير المساجد ؛ وهذا مأخوذ من إضافتها إلى الله تلك الإضافة القاضية بتشريفها، وتعظيمها ؛ ولهذا قال تعالى:” وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركَّع السجود “.
3- ومنها: أن الناس فيها سواء ؛ لأن الله تعالى أضافها إلى نفسه: { مساجد الله}؛ والناس عباد الله – بالنسبة إلى الله في المسجد سواء -؛ فكل من أتى إلى هذه المساجد لعبادة الله فإنه لا فرق بينه وبين الآخرين .
وهنا نقول: إن للعالِم الحق أن يتخذ مكاناً يجعله لإلقاء الدرس، وتعليم الناس؛ لكنه إذا أقيمت الصلاة لا يمنع الناس – هو، وغيره سواء-.
4- ومن فوائد الآية : تحريم تخريب المساجد ؛ لقوله تعالى: { وسعى في خرابها }؛ ويشمل الخراب الحسي، والمعنوي ؛ لأنه قد يتسلط بعض الناس -والعياذ بالله- على هدم المساجد حسًّا بالمعاول، والقنابل ؛ وقد يخربها معنًى، بحيث ينشر فيها البدع والخرافات المنافية لوظيفة المساجد .
5- ومنها: البشارة للمؤمنين بأن العاقبة لهم، وأن هؤلاء الذين منعوهم لن يدخلوها إلا وهم خائفون ؛ وهذا على أحد الاحتمالات التي ذكرناها.
ثالثاً: المقصود بالارتباط بالمساجد :
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله, وذكر منهم رجل قلبه معلق بالمساجد)) متفق عليه.
– روى الشيخان أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، فسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: دلوني على قبرها، فدلوه فصلى عليها.
* إن من المعاني الواضحة في لزوم المساجد، والتعلق بها :
- تعلق القلب ..
- دوام التردد ..
- كثرة الجلوس ..
- الحب و الإكرام ..
- البناء و التطييب ..
- إحياء العبادات بها ..
- الاجتماع على طاعة الله ..
- تحبيب العامة فيها ..
رابعاً: لماذا المسجد؟
يعد المسجد من أبرز وأهم المؤسسات التربوية التي ارتبطت بالتربية الإسلامية ارتباطا وثيقا وهو ما يمكن تعليله بأن معظم الدراسات دينية بحتة, وغالبا ما كانت تتم في المسجد فكان من السهل على المسلم أن يتوجه إلى المسجد لأداء العبادة وليتفقه في علوم الدين في الوقت نفسه عن طريق ما يلقى فيه من الخطب والمواعظ والدروس والمحاضرات والندوات.
وليس هذا فحسب فإن المسجد لم يكن في المجتمع المسلم مجرد مكان لأداء العبادات المختلفة فقط بل كان أشمل من ذلك إذ كان جامعا لأداء العبادات من الفرائض والسنن والنوافل وجامعة للتعليم وتخريج الأكفاء من الخلفاء والعلماء والفقهاء والأمراء ومعهدا لطلب العلم ونشر الدعوة في المجتمع ومركزا للقضاء والفتوى ودارا للشورى وتبادل الآراء ومنبرا إعلاميا لإذاعة الأخبار وتبليغها ومنزلا للضيافة وإيواء الغرباء ومكانا لعقد الألوية وانطلاق الجيوش للجهاد في سبيل الله ومنتدى للثقافة ونشر الوعي بين الناس إلى غير ذلك من الوظائف المختلفة في علوم القرآن الكريم وعلوم الفقه والتفسير والحديث وعلوم اللغة العربية وآدابها وغيرها من العلوم الأخرى التي عرفها المجتمع المسلم مثل الطب والرياضيات والطبيعيات وغيرها.
وكان العلماء والفقهاء والقضاة هم الذين يقومون بمهمة التعليم في المساجد احتساباً للأجر والثواب من الله تعالى حتى أن كبار الأئمة والعلماء كانت لهم على مر التاريخ الإسلامي الكثير من الحلقات العلمية في العديد من المساجد والجوامع المشهورة في العلم الإسلامي وكان نظام الدراسة في هذه المساجد يعتمد على نظام الحلقات العلمية التي يتحلق فيها طلاب العلم في وقت معين ومكان محدد بالمسجد حول الشيخ أو العالم الذي يقوم بتدريسهم في موضوع أو علم أو فن معين .
وبذلك يمكن القول إن المسجد في الإسلام يعد جامعاً وجامعة ومركزا لنشر الوعي في المجتمع ومكانا لاجتماع المسلمين ولم شملهم وتوحيد صفهم وهو بحق أفضل مكان وأطهر بقعة وأقدس محل يمكن لأن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته ليكون بإذن الله تعالى فردا صالحا في مجتمع صالح ويكفي المسجد فخرا أنه بيت الله تعالى في الأرض ومدرسة أستاذ البشرية ومعلم الإنسانية الرسول صلى الله عليه وسلم وأن خريجوا هذه المدرسة النبوية هم الذين تحولوا من رعاة للغنم إلى قادة للأمم ومن عباد للحجر إلى سادة للبشر وأنهم الذين ملأوا الدنيا عدلا وسلاما ورحمة ووئاما وعلما وإيمانا فرضي الله عنهم ورضوا عنه. ولعل من أهم ما يميز رسالة المسجد التربوية في المجتمع المسلم أنه يعطي التربية الإسلامية هوية مميزة لها من غيرها وأنه مكان للتعليم والتوعية الشاملة التي يفيد منها جميع أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم وثقافتهم وأجناسهم إضافة إلى فضل التعلم في المسجد وما يترتب على ذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب[1].
وبالتالي فإنه يمكننا أن نجمل مهمة المسجد التربوية في عدة مسارات منها[2]:
- أنه مكان تتم فيه أداء الصلوات الخمس, والجُمع, وصلاة الكسوف والخسوف, والاستسقاء. ولهذه العبادات الجماعية آثار تربوية عظيمة لا تخفى غالباً على المسلم.كما يمكن أن توزع من خلال المسجد الصدقات و الزكاة.
- إقامة حلق العلم التي يعرف الناس من خلالها الحلال والحرام, والخطأ من الصواب, والصالح من الفاسد. وقد يقول قائل: ألا توجد مدارس تقوه بهذه المهمة التعليمية؟ فالجواب: بلى, توجد مدارس, ولكن يتميز التعليم في المسجد بمزايا لا توجد في المدارس, منها:
- الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان مسجده عليه الصلاة والسلام مكاناً يُعلم فيه أصحابه, وكذلك الوفود التي تقدم إليه معلنة إسلامها تتعلم في رِحاب المسجد .
- فضل التعلم في المسجد, كما جاء في الحديث: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، و يتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة: وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، و ذكرهم الله فيمن عنده, ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه”.
- شمولية التعليم في المسجد لجميع أفراد المجتمع, على مختلف أعمارهم وصنائعهم, ومستواهم التعليمي ومؤهلاتهم الدراسية, الأمر الذي تفقده المدرسة بحكم رسالتها, وتنظيمها.
- لا يشترط للمعلم داخل المسجد مؤهلاً دراسياً معيناً, بقدر ما يشترط فيه الكفاءة العلمية التي تؤهله لذلك. في حين يشترط للمدارس والجامعات المؤهل العلمي بغض النظر عن المقدرة العلمية.
- يتسع التعليم في المسجد لأوقات طويلة, قد تمتد من بعد الفجر إلى العشاء.
- لا يتطلب التدريس في المسجد أموراً إدارية كثيرة, كما هو الحال في المدارس, من قوى بشرية تديرها, ومكاتب ومستودعات, وغير ذلك من الأعباء الإدارية والمالية التي تترتب على إنشاء المدرسة.
- تعليم الناس من خلال الخطب والمواعظ.
- قيام المسؤولين عن المسجد بزيارة المتقاعسين عن المحافظة على الصلوات وإرشادهم وتصحيح أفكارهم بما يجعلهم يدركون أهمية الصلاة.
- قيام المسؤولين عن المسجد بتفقد أحوال أهل الحي ومعرفة الفقراء والأغنياء والعمل على جمع التبرعات والصدقات والزكوات من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء.
- إيجاد التعارف بين المسلمين الذين يجتمعون في اليوم خمس مرات حيث يعتبر ذلك أفضل وسيلة للتعارف والتآخي من خلال ارتياد المسجد وإفشاء السلام بينهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم : أفشوا السلام بينكم”.ولكن من الملاحظ قلة إفشاء السلام إذا توافق أو تقابل عدد المصلين عند باب المسجد, وهنا يبرز دور القائمين على المسجد في تجسيد التآخي بين المصلين.
- نشر الفضائل الخُلُقية ونبذ الرذائل من خلال الخطب والمواعظ التي تبين مكانة الأخلاق في الإسلام وثواب من تخلق بأخلاق الإسلام قال صلى الله عليه وسلم: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه”.
ويستفاد من هذا الحديث علو مرتبة ومنزلة من حسن خلقه فهي جديرة بالوعظ والإرشاد لأن حسن الخلق يجمع الفضائل كلها .
- إسهام القائمين على أمر المساجد بتوجيه من يحتاج إلى توجيه في أمر من الأمور بأسلوب حسن يحببه في المسجد وفي القائمين على شؤونه حتى يسلك مسلكهم في التعامل مع الآخرين ويتخلق بأخلاقهم وينبغي أن لا يتم توجيهه بالعنف والغلظة والشدة ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث لم ينهر المسيء صلاته كما جاء في الحديث وإنما قال له صلى الله عليه وسلم: “ارجع فصل فإنك لم تصلي”, حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا علمني فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك الرجل الذي بال في المسجد فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “جاء أعرابي فبال في طائفة (ناحية) من المسجد، فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضي بوله أمر بذَنوب من ماء فأهريق عليه”. قال الصنعاني رحمه الله في ذلك: ومنها الرفق بالجاهل وعدم التعنيف ومنها حسن خلقه ولطفه بالمتعلم صلى الله عليه وسلم.
فمن خلال المسجد يستطيع القائمون عليه إصلاح الكثير من أخطاء المسلمين عن طريق التناصح بالحكمة والموعظة الحسنة.
- ممارسة القائمين على المسجد بالأساليب التربوية كالتلطف مع الصغار ومعاملتهم بالأخلاق الفاضلة عند توجيههم حتى لا ينفروا من المسجد وحتى ينغرس فيهم حسن الخلق من خلال القدوة والتطبيق العملي والتعامل المباشر معهم فقد روى أبو قتادة رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وهو حامل أمامه بنت زينب، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها”. وروى بريده رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثمّ قال: “صدق الله: }إنّما أموالكم وأولادكم فتنة{ نظرت إلى هذين الصّبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما”.
ومن ذلك يظهر اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم ورحمته واعتناؤه بالصبيان مما يولد حبه في قلوبهم ويميلون إليه وهذا من تواضعه وكرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وحري بأمته أن يقتدوا به ويقتفوا أثره في التوجيه التربوي واستبدال تنفير الصبيان من المساجد ومن القائمين عليها بالتحبب إليهم حتى يؤثروا فيهم بحسن التوجيه وطيب المعاملة.
وتؤكد تلك الأحاديث اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالصبيان داخل المسجد وترجمة تلك المشاعر إلى أفعال سلوكيه لأن وقعها في التربية أقوى يقول ابن حجر: (والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول), ويشير قول ابن دقيق العيد على جواز إدخال الصبيان في المساجد ويظهر هذا الحديث تواضعه صلى الله عليه وسلم وشفقته على الأطفال وإكرامه لهم جبراً لهم ولوالديهم.
ومن ذلك يتضح أن المسجد يؤدي مهمة تربوية في حياة المسلمين إذا أحسن القائمون عليه الاستفادة منه في التعاون والتوجيه والإصلاح ولكي يتحقق ذلك يتطلب الأمر أن يكون القائمون على المسجد على درجه طيبه من العلم وحب العمل.
خامساً : أهل المساجد والفضائل المعدة :
- المشي إلى المساجد :
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله نزلا كلما غدا أو راح )) رواه مسلم .
– عن أبي بن كعب قال: كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة قال: فقيل له أو قلت له لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله : قد جمع الله لك ذلك كله . رواه مسلم .
– عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : “من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة “.رواه مسلم .
- من أتى المسجد فهو في صلاة :
– ((إذا تطهر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة، كتب له كاتباه أو كاتبه بكل خطوة يخطوها على المسجد عشر حسنات، و القاعد يرعى الصلاة كالقانت و يكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه)) رواه أحمد و صححه الألباني.
- مغفرة للذنوب :
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة و خطوة تكتب له حسنة، ذاهباً و راجعاً )) رواه أحمد وصححه الألباني
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه )) رواه ابن خزيمة وصححه الألباني.
- نور المشائين في الظلمات :
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة )) رواه أبو داود و صححه الألباني
* الجزاء من جنس العمل
- انتظار الصلاة .. السنة المهجورة .
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، و لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة )) متفق عليه .
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث تقول :اللهم اغفر له، اللهم ارحمه )) رواه البخاري.
- أحب الأماكن إلى الله المساجد :
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها )) رواه مسلم.
- فضائل أهل المسجد :
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( المسجد بيت كل نقي، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة و الجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة ))
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( ما توطن رجل المساجد للصلاة و الذكر إلا تبشبش الله تعالى إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم )) صححه الألباني.
– قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( سبعة يظلهم الله بظله … وذكر منهم رجل قلبه معلق بالمساجد)) متفق عليه.
سادساً : التربية على الارتباط بالمسجد :
- صلاة الجماعة. -عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار”رواه مسلم.
– عن أبي هريرة قال أتى النبي رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه، فقال هل تسمع النداء بالصلاة، فقال: نعم قال: فأجب”رواه مسلم
– عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله(ابن مسعود) لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال إن رسول الله علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه.رواه مسلم .
- الدروس والتذاكر، ومجالس وحلق العلم.
– ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، “أن معاوية- رضي الله عنه- خرج على قوم في المسجد وهم يتدارسون ويذكرون الله -عز وجل- قال: ما أجلسكم؟ قالوا: نذكر الله – سبحانه وتعالى- ونحمده على نعمة الإسلام، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ يقول لهم معاوية-رضي الله عنه- ثم قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك. ثم قال: خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر في المسجد ونتذاكر نعمة الإسلام فقال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ يعني سألهم قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك. قال: فإن جبريل جاءني وأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة ” .
– وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم : “ما جلس قومٌ مجلسا يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده “أخرجه مسلم .
- سنة انتظار الصلاة.
– قال الرسول – صلى الله عليه وسلم-: (( لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، و لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة )) متفق عليه .
– قال الرسول – صلى الله عليه وسلم-: (( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث تقول :اللهم اغفر له، اللهم ارحمه )) رواه البخاري.
- أهل الحي وإقامة بعض البرامج والمناشط من خلال المسجد ( صيام – مجلس الحي – زيارة و عيادة-أنشطة وبرامج دينية ودنيوية).
- الاعتكاف :
– قال الله تعالى “وطهر بيتي للطائفين والعاكفين”، وقال سبحانه تعالى ” ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد”،
– و نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الاعتكاف وحرص عليه في رمضان، حتى إنه لما تركه سنة من السنوات، اعتكف في شوال تعويضاً له وما ذاك إلا لما له من فضل ومنزلة.
– عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ” متفق عليه.
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما. رواه البخاري.
- الجلوس في المصلى :
المقصود : القعود في المسجد لذكر الله و ختم الصلاة، و التفكر في خلق الله و آياته .
عن جابر بن سمرة قال : (( كان النبي إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناً )) أي طلوعاً حسنا.
- ماذا يفعل إذا جلس بعد الصلاة ؟
– قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (( لأن أقعد أذكر الله و أكبره و أحمده وأسبحه و أهلله حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق رقبتين أو أكثر من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل )). رواه أحمد و حسنه الألباني .
- فضل المكوث بعد الصلاة حتى تطلع الشمس :
-عن جابر بن سمرة أن النبي كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حي تطلع الشمس حسنا. رواه مسلم .
– وقال -عليه الصلاة والسلام- :(( من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة و عمرة ))، قال : قال رسول الله: (( تامة تامة تامة )). رواه الترمذي و حسنه الألباني.
* تنبيه :
يحسن الجلوس بعد الصلوات جميعها . لذكر الله بالأذكار الواردة ( بعد الصلاة ), ومنها (( اللهم إني أعوذ بك من الجبن و البخل وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من فتنة القبر )) ..(( رب قني عذابك يوم تبعث عبادك)).
*مهمات للتربية على الجلوس في المصلى :
- الالتحاق حلقات تعليم وتحفيظ القرآن الكريم .(مع اختيار الوقت المناسب، كبعد الفجر مثلاً).
- حضور الدروس العلمية .
- التبكير لكل صلاة، والاستعداد لذلك .
- التعرف على فضل المكوث، وبعض الأعمال في المسجد .
- القرين الصالح . (وتحصل منه على التعاون، والمساندة)
سابعاً : من آداب المسجد :
1- إذا دخل المسجد، فيقدم رجله اليمنى عند الدخول، وعند الخروج يقدم اليسرى، ويقول وهو داخل كما أخبر عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم -وفي رواية: فليصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم- وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك) وفي رواية صحيحة: (إذا دخل المسجد، فليقل: اللهم صلِّ على محمد وأزواج محمد، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم إني أسألك من فضلك، اللهم اعصمني من الشيطان) وكذلك ورد في الحديث الصحيح أنه كان إذا دخل المسجد، قال: (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، وقال عليه السلام: إذا قال ذلك -يعني: المسلم الداخل- حفظ من الشيطان سائر اليوم).
2- وإذا دخل فيه، فإنه ينبغي عليه أن يصلي ركعتين لحديثه عليه السلام: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه ركعتين، وألا يسلم الرجل إلا على من يعرف) يصبح السلام للمعرفة، وأما من لا يعرفه فلا يسلم عليه، هذا من أشراط الساعة المذمومة، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا أذن المؤذن فلا يخرج أحد حتى يصلي) ولما رأى أبو هريرة رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان لغير حاجة، فقال: [أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم] وأما الخروج للحاجة وللمصلحة الراجحة، فلا بأس به.
3- النهي عن تشبيك الأصابع : قال عليه السلام: (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامداً إلى المسجد، فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة) وقال في الحديث الصحيح الآخر: (إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد، كان في صلاة حتى يرجع لا يقل هكذا، وشبك بين أصابعه) ولعل النهي عن التشبيك بين الأصابع لما فيه من إيماء إلى ملابسة الخصومات والخوض فيها، أو دلالة على تشبك الأحوال وتعسيرها وهو ينافي الفأل الحسن، ولا يدخل في هذا النهي التشبيك بقصد التمثيل وتصوير المعنى كما وقع له عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الحديث أيضاً: كراهة تشبيك الأصابع لمن خرج إلى المسجد للصلاة سواءً كان في الطريق، أو في المسجد، أو في الصلاة، وأما تشبيكه بيد صاحبه لنحو مودة أو ألفة فإنه لا يكره .
4- ومن آداب المسجد: ألا ترفع فيه الأصوات إلا في المواضع التي جاء رفع الصوت فيها مثل: رفع الإمام صوته لإعلام المأمومين بالقراءة والتكبير، ومثل الجهر بالذكر عقيب المكتوبة دون صياح كما ورد في صحيح البخاري. ولا يجهر المصلون بعضهم على بعض بقراءة القرآن، وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: (أيها الناس! كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض) .
5- كيفية الاصطفاف في الصف.. عن أنس عن النبي قال: “أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه”. رواه البخاري
6- نظافة المسجد.. عن أبي ذر عن النبي قال: عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن . رواه مسلم .
7- البد بالعشاء قبل الصلاة إن حضر. عن أنس بن مالك عن النبي قال: إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء” رواه مسلم.
8- أخذ الزينة والتطيب, وعدم أكل الثوم والبصل,وما يستقبحه بنو آدم. قال تعالى: }وخذوا زينتكم عند كل مسجد..{, وعن جابر بن عبد الله عن النبي قال: “من أكل من هذه البقلة الثوم، وقال مرة من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم “.
9- (..وعند بنائه يسن أن يترك باباً خاصاً بالنساء لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لو تركنا هذا الباب للنساء حتى لا يحدث الاختلاط). وعلى المسلم الاجتهاد في الصلاة في المسجد الخالي من البدع، المعمول فيه بالسنة، فإن لم يجد، فليبحث عن أبعدها عن البدع فليصلِّ فيه، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من أتى المسجد لشيء، فهو حظه) يعني: من قصده لشيء، فهذا القصد هو نصيبه، فإذا أتاه لصلاة حصل له أجرها مثلاً، أو لزيارة بيت الله حصلا له معاً، ومن أتاه لهما مع تعلم علم أو إرشاد جاهل حصل له ما أتى لأجله، أو أتاه للتفرج أو إنشاد الضالة فهذا حظه من إتيان المساجد).(محمد المنجد)
*ومن المخالفات:
1- ومن الأخطاء التي تقع من بعض أهل المساجد: أنهم يحافظون على مكان معين في المسجد لا يغيرونه، وقد نهى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن يوطن الرجل في المكان بالمسجد كما يوطن البعير، يعني: يألف مكاناً معلوماً مخصوصاً به يصلي فيه لا يغيره. ومن الآداب أيضاً: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك! وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالةً، فقولوا: لا رد الله عليك ضالتك!) زاد مسلم رحمه الله: (فإن المساجد لم تبن لهذا) ونهى عليه السلام في الحديث الحسن عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه الشعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة؛ وأما إنشاد الشعر، فإن المقصود به الشعر المذموم جمعاً بين النصوص، والنهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة لعللٍ: منها: عدم قطع الصفوف، لأن الناس قد أمروا بالتبكير والتراص فيها. وقيل: حتى لا تذهب هيئة الخطبة إذا اشتغل الناس في هذه الحلق بالحديث
2- ومما يخالف أدب المسجد: جلوس الناس فيه للحديث في أمر الدنيا لحديث أنس مرفوعاً وابن مسعود كذلك: (يأتي على الناس زمانٌ يحلقون في مساجدهم، وليس همهم إلا الدنيا، وليس لله فيهم حاجة، فلا تجالسوهم) وفي لفظ آخر: (سيكون في آخر الزمان قومٌ يجلسون في المساجد حلقاً حلقاً، أمامهم الدنيا فلا تجالسوهم، فإنه ليس لله فيهم حاجة) وهذه الأحاديث حسنة بمجموع طرقها.
3- التشييد والتزيين والزخرفة.قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن: (إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم)، يعني: إذا حسنتموها بالنقش والتزويق والزخرفة، ولو بكتابة الآيات، لأنها تشغل المصلي وتلهيه عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله عز وجل، قال بعض أهل العلم: إن تزويق المسجد ولو الكعبة بذهب أو فضة حرام مطلقاً، وروى البخاري أن عمر رضي الله عنه وأرضاه أمر ببناء المسجد وقال: [أكِنَّ الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر].
ثامناً : من نوافل العبادات :
ليلتهم المؤمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه ) رواه البخاري، وهو يدعو إلى الاهتمام بالفرائض ونوافل العبادات، ونؤكد على بعض نوافل العبادات المتعلقة بالصلاة بالأدلة:
- السنن الرواتب (اثنتي عشرة ركعة) . عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيت في الجنة أو إلا بني له بيت في الجنة “. رواه مسلم . ورواية الترمذي عن أم حبيبة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”: من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر”. قال الترمذي حسن صحيح.
- ركعتي المسجد عند الدخول . عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم :(إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) . متفق عليه .
- ركعتي الفجر . وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا )، وَفي روايةٍ لِمُسْلِم : ( لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً ) .
- المحافظة على الصلاة قبل الظهر و بعدها. عن أم حبيبة قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : )من صلى أربع ركعات قبل الظهر، وأربعا بعدها حرمه الله على النار). رواه الخمسة وصححه الترمذي .
- الصلاة قبل العصر (أربع ركعات). فعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعا ” رواه الترمذي وقال حسن غريب وحسنه الألباني .
- الصلاة قبل المغرب. عن عبد الله المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء” . كراهية أن يتخذها الناس سنة . أخرجه البخاري .
- الصلاة بين الأذانين . عن عبد الله بن مغفل المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بين كل أذانين صلاة ثلاثا لمن شاء) . متفق عليه، والمقصود بالأذانين الأذان والإقامة .
- صوم ثلاثة أيام، وركعتي الضحى، والوتر . عَنْ أَبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : « أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ ثَلاثَةَ أَيَامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَي الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ » .رواه الخمسة . ولو قسم الصوم على الاثنين والخميس، أو الأيام البيض لكان أفضل، وذلك لندب صومها .
- الذكر دبر الصلوات . عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ سَبَّحَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثَاً وَثَلاثِينَ، وَحَمَدَ اللهَ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ وَكَبَّرَ اللهَ ثَلاثَاً وَثَلاثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ثُمَّ قَالَ : تَمَامَ المائَةِ لا إِله إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وُلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ » .وهذه رواية مسلم..
10 الصلاة عقب الوضوء . عن أبي هريرة قال: قال رسول الله بلال عند صلاة الغداة : يا بلال حدثني بأرجي عمل عملته عندك في الإسلام منفعة فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة . قال بلال : ( ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاما في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي ).أخرجه البخاري و مسلم، واللفظ لمسلم .
تاسعاً : خاتمة :
وبعد أن أطللنا هذه الإطلالة البسيطة على هذا الصرح العظيم وأثره في حياة المؤمنين، يبقى على العبد الامتثال، والتعاطي مع ما طُرح، ويستأنف حياة الإيمان من جديد في التزام قويم بالهدي النبوي و ذلك بلا إفراط ولا تفريط، وليعلم المؤمن أنه يعد نفسه لأهوال عظيمة، و خطوب جسيمة فبانتظارنا حياة البرزخ والحياة الآخرة، وكل منها مفتاحه القويم هو الصلاة . أسأل الله أن يجعلنا ممن تعلقت قلوبهم بالمساجد، وأسأله سبحانه أن يجعل ما كُتب حجة لكاتبه وقارئه، ونفعاً لهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
[1] “مقدمة في التربية الإسلامية” لصالح أبو عراد, ص97.
[2] “أصول التربية الإسلامية” لخالد الحازمي, ص347 ص354.
*المصدر : مركز البيان للبحوث والدراسات