القتل الممنهج لسلمان العودة يفقد الدولة شرعيتها
كتب الدكتور عبدالله العودة نجل المفكر الإسلامي الدكتور سلمان العودة (في مقال له نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية)، أن والده يواجه عملية قتل بطيء من داخل مقر سجنه في الرياض، إذ إن حالته الصحية في تدهور. يأتي هذا النداء والبلاغ بعد أن فقد الدكتور سلمان العودة نصف بصره وسمعه خلال الأشهر القليلة الماضية.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقال، لماذا ينتهج محمد بن سلمان عمليات الاغتيالات والتصفية الجسدية خلال فترة حكمة؟ ما هي المصلحة من تبني استراتيجية القتل البطيء التي واجهها الدكتور عبدالله الحامد والصحفي صالح الشيحي، ويواجهها حالياً عدد كبير من المعتقلين ظلماً ودون أي سند قانوني أو أخلاقي؟ لماذا يود محمد بن سلمان الاستمرار في هذه السياسيات التي تشبه إلى حد كبير سياسات نظام السيسي في مصر؟ ما الذي سوف يجنيه محمد بن سلمان من وراء هذه السياسيات المحرمة دولياً وأخلاقياً في التعامل مع المواطنين العزل والأبرياء؟
البحث عن الشرعية:
أحد أهم دوافع محمد بن سلمان من تبني هذه السياسات هو البحث عن الشرعية السياسية في “خياله” وليس على أرض الواقع. يعاني محمد بن سلمان من قصور فكري وعقلي في قراءة الواقع، يعيش في سيرة جده الملك عبد العزيز التي قامت على التنكيل بخصومه من آل رشيد والأشراف وغيرهم ممن قاوموا رغبة ابن سعود في السيطرة على الجزيرة العربية. يعتقد محمد بن سلمان أن تبني هذه السياسة الخادعة والامتثال لسلوك جده وقت التأسيس من الممكن أن يجديا نفعاً هذه الأيام. وهذا الدافع يمكن أن نقرأه بوضوح في سياق الدعاية الرسمية والترويج لصورة محمد بن سلمان أنه يشبه جده في سلوكه وشكله وأفعاله.
فكمية القصائد الغنائية التي انهمرت خلال الفترة الماضية، وبعضها من تأليف مستشاره الأقرب سعود القحطاني، تشير بوضوح إلى محاولة تقمص محمد بن سلمان لشخصية المؤسس. فضلاً عن الصور المدمجة بين وجه الملك عبدالعزيز ومحمد بن سلمان، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على نقص في عقل صاحب السيناريو السياسي للبحث عن الشرعية.
صناعة نموذج للدولة:
يصر محمد بن سلمان في جل تصريحاته الإعلامية على أنه يؤسس دوله حديثة، وأنه سوف يحكم 50 عاماً لجعل السعودية دولة عظمى. ويصر في أحد المرات في لقاء تدشين مشروع نيوم على أنه سوف يسحق خصومه وسوف يقمعهم، كما أشار حرفياً. هذه التصريحات تكشف تصور محمد بن سلمان للواقع الذي يتخيله، إنه يسعى لبناء دولة على أسس جديدة أو تأسيس دولة جديدة على خلاف الدولة الحالية.
الاستراتيجية الأهم التي اتبعها محمد بن سلمان هي تبني خيار القمع والعنف الرسمي من الدولة نحو المجتمع وفي علاقته حتى مع دول الجوار. توضح طريقة محمد بن سلمان في معالجته لملفات محلية وإقليميه أن نمط تفكيره لا يتجاوز الحلول القمعية. اعتقل عددا كبيرا من الرموز الاجتماعية، النساء قبل الرجال، الصغار قبل الكبار، لم يسلم أحد، حتى وزير الداخلية السابق وولي العهد الذي يواجه القمع والتعذيب من داخل السجون وهو ابن عمه، الذي قبل محمد بن سلمان ركبته بعد تنازله كرهاً للسلطة له.
سعد رفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية تم اعتقاله على يد محمد بن سلمان، رجال أعمال سعوديون هم رأسمال الاقتصاد المحلي تم اعتقالهم، أمراء من آل سعود تم اعتقالهم، وزراء تم اعتقالهم ولا يزال بعضهم قيد الاعتقال مثل وزير التخطيط عادل فقيه، قائمة المعتقلين تطول، لهذا نحن أمام شخصية متعطشة للقمع. نحن نفهم جيداً أن القمع قد يمتد لمن يشكلون تهديداً سياسياً للحاكم، لكن ماذا عن البسطاء وكبار السن ومن لا شأن لهم بالسياسة؟ ماذا يعني اعتقال نساء طالبن بقيادة السيارة؟ محمد ابن سلمان يرى نفسه فوق الجميع، وأنه هو القانون.
سياسات الاعتقالات المتواصلة تكشف بكل وضوح أن محمد بن سلمان مصمم على فعل ما يشاء دون ردع أو حدود تحده من قوانين أو أخلاقيات اجتماعية أو حتى مروءة الرجال الشرفاء. يسعى بكل إصرار لجعل الوطن سجنا كبيراً. يصر يوماً بعد يوم على أن يكون عمله هو قمع المزيد من المواطنين وملاحقة ذويهم وتهديد الجميع. وإن بناء الدولة في خياله هو أن تجيد فن القمع لمواطني بلدك.
أخطر ما في هذه السياسة هو جر المجتمع للعنف، حيث الاحتقان الاجتماعي بسبب القمع السياسي اللامتناهي ربما قد يوقد شرارة الانتقام التي تغلي حالياً في الوجدان المحلي لكثير من المهمشين والمقموعين ممن لا حيلة لهم ولا قوة. نحذر بكل أسف من أن المجتمع قد ينجرف إلى العنف الذي هو نتيجة لممارسات إرهاب الدولة في حق المواطنين.
في خمس سنوات من حكم الملك سلمان وقيادة الدولة على يد نجله محمد بن سلمان أصبحت السعودية اليوم قمعية أكثر من أي وقت مضى، بل تجاوزت القمع إلى تبني عمليات ممنهجة لتصفية وملاحقة المعارضين في الخارج والداخل وقمع كل من هم ليسوا على “مزاج” محمد بن سلمان.
السؤال الأخير، ما الذي يجنيه محمد بن سلمان حالياً من قتل الدكتور سلمان العودة؟ لا شيء. لهذا أدعوا كافه من يقرأ هذا المقال أن يوجهه نداء للسلطة المستبدة أن تطلق سراح هذا العالم الجليل دون قيد أو شرط.
السجن هو لمن قتل جمال خاشقجي، السجن هو للأشرار وليس للأخيار، السجن هو لمن يقود عمليات قتل ممنهجة لمئات المعتقلين، السجن هو لمجرم الحرب الذي يقود أكبر كارثه إنسانيه عرفتها اليمن في تاريخها. السجن هو مكان المعتوهين الذين تمثل حياتهم خطراً على البشرية. اعتقال الدكتور سلمان العودة فضلاً عن محاولة قتله هي ممارسة غير شرعية للدولة، وتبني هذه الممارسات تفقد الدولة شرعيتها في عيون المجتمع المحلي والدولي.
#لاتقتلوا_سلمان_العودة.
(المصدر: عربي21)