مريد صوفي يعمل مستشارا لإدارة ترامب.. حمزة يوسف في حضرة “مقامات” الإسلام الغربي
منذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة بداية 2017، دأب كثير من الناشطين المسلمين والمدافعين عن الأقليات وحقوق الإنسان على الدفاع عن المسلمين كمجموعة تتعرض لسياسات عدائية وخطابات كراهية.
لكن قلة من الرموز الإسلامية البارزة اختارت الوقوف إلى جانب إدارة أميركية وصفت بانتهاج فلسفة سياسية معادية للإسلام، وبينهم الرجل الذي وصف من قبل بأنه “واحد من العلماء المسلمين الأكثر تأثيرا في العالم الغربي”.
نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني مقالا مطولا تناول وبالتفصيل جوانب من سيرة الداعية الإسلامي الأميركي الشيخ حمزة يوسف هانسن وفلسفته ومواقفه السياسية من العديد من القضايا التي تهم المسلمين، خاصة المقيمين منهم في الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة.
ولاءات مشتتة
وورد في المقال الذي كتبه مراسل الموقع بنيويورك أزاد عيسى، أن الشيخ حمزة الذي زعم ذات مرة أن المسلمين يتوجسون من علماء السلاطين يتعاون الآن مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بينما ينظر إليه البعض على أنه “جاسوس إماراتي”.
ويواجه حمزة يوسف حاليا أزمة غير مسبوقة وسط عامة المسلمين تتعلق بشرعيته كداعية. ومع ذلك فإن أزاد عيسى يصف الرجل في مقاله بأنه يتمتع بذكاء وقاد ويجيد اللغة العربية إجادة تامة، ويُعتبر صوتا لملايين المسلمين في أميركا الشمالية وأوروبا.
ولطالما ظل الشيخ حمزة شخصية مثيرة للجدل، إلا أن الأحداث التي طرأت في الشهور الـ18 الماضية جعلته هو وأتباعه هدفا لسيل من الانتقادات التي اتهمته بتخليه عن الجالية المسلمة وتسببه في تفاقم العداء تجاه المسلمين.
ويرى منتقدوه أن ارتباطه المستمر بالحكومة الإماراتية وصلته، لاحقا، بإدارة ترامب يؤكدان أنه مدافع عما يسميها كاتب المقال “الإمبراطورية الأميركية”، بل وصفه بـ”الجاسوس العميل” للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط.
تحول جوهري طرأ على مواقف الشيخ حمزة يوسف السياسية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 (رويترز) |
الإسلام الغربي
وليست سيرة حمزة يوسف مجرد حكاية رجل تتنازع تراثه الفكري قناعات ومعتقدات مختلفة، فالمناظرات والحوارات “الشرسة” التي تحتدم حول مدى تأثير قرارته وتحالفاته ليست مجرد تهديد ووعيد، حسب تعبير أزاد عيسى.
فالشيخ حمزة يمثل “الأساس” الذي يتحدد على ضوئه مستقبل “الإسلام الغربي” كما يطلق عليه مقال ميدل إيست آي.
واستعرض المقال بشيء من التفصيل التطور الفكري للشيخ حمزة والتحولات الجذرية في مواقفه السياسية من أحداث وقضايا لا تزال تداعياتها تقض مضاجع الجاليات المسلمة في أميركا والغرب، وتطال حتى ثورات الربيع العربي والصراع العربي الإسرائيلي.
وحمزة يوسف المولود عام 1958 لأسرة مسيحية في ولاية واشنطن باسم مارك هانسن، نجا بأعجوبة وهو في سن 17 عاما من حادث سيارة جعله يتأمل في فكرة الفناء وغاية الوجود.
ويقول إن الأمر استغرق منه ستة أشهر لكي يتجاوز تلك الصدمة التي كانت بمثابة “جرس إنذار” له، حتى وقعت يده على “كتاب اليقين” لمؤلفه مارتن لينكز الذي قاده لقراءة القرآن الكريم ليعتنق بعدها الإسلام دينا قبل أن يبلغ الـ 18 من العمر. وما لبث أن اتبع الطريقة الشاذلية الصوفية.
ثم ترك حمزة يوسف بعد ذلك دراسته الجامعية ليسافر سعيا لاكتساب مزيد من المعرفة الإسلامية التقليدية، فحط الرحال أولا في المملكة المتحدة ليقيم بمعية رجل صوفي قبل أن يقضي أربع سنوات في دولة الإمارات حيث درس بالمعهد الإسلامي وعمل مؤذنا وإماما بأحد المساجد.
وتوجه الرجل بعد ذلك إلى شمال أفريقيا وانتهى به المطاف في موريتانيا. وهناك ارتبط بعلاقة وثيقة مع معلمه الشيخ المرابط الحاج ولد فحفو، قبل أن يتتلمذ بعد ذلك على يد الشيخ عبد الله بن بيه الذي كان له دور مهم في مسيرة حمزة يوسف.
وقد منحته علاقته بالشيخ عبد الله بن بيه سمعة في أوساط الجمهور والحكومات في الشرق الأوسط والعالم الغربي على حد سواء.
وتولى بن بيه رئاسة منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ومقره في الإمارات. وعُيِّن حمزة يوسف نائبا له. وعقد المنتدى أولى جلساته في عام 2014 الذي قضى بتأسيس منبر يروج لمنظمات صهيونية مثل رابطة مكافحة التشهير اليهودية ومؤسسة كويليام البحثية لمناهضة التطرف.
وفي 2017 عندما قررت السعودية والإمارات فرض حصار على قطر، أصدر منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بيانا أيد فيه تلك الخطوة.
اليمن وخاشقجي
تعرض الشيخ حمزة يوسف لانتقادات لاذعة في أواخر 2018 عندما شارك في الملتقى الخامس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي انعقد بدولة الإمارات.
ففي وقت وصلت فيه حرب اليمن إلى مراحل “مأساوية” وكانت حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول لا تزال حية في أذهان الأميركيين المسلمين، تعرض الشيخ حمزة يوسف للتوبيخ والتقريع لوصفه الإمارات بأنها دولة “متسامحة”.
ولم يكتف يوسف بذلك، بل زعم أن غالبية الشعوب في الخليج سعيدة بالطريقة التي تدير بها حكوماتها شؤون بلدانها.
واشتهر يوسف بعد عودته إلى الولايات المتحدة في عام 1988 بمحاضراته وخطبه المثيرة، فبزغ نجمه كواحد من أكثر الدعاة المسلمين “تأثيرا وجاذبية وصيتا” في البلاد ومن المفكرين الدينيين الأميركيين القلائل الذين يحظون بجمهور عالمي.
تقول أستاذة الدراسات الأميركية والدينية المساعدة بجامعة ييل، زارينا غريوال، إن الأثر الكبير الذي خلفه الشيخ حمزة يوسف في الولايات المتحدة يتمثل في نشره الصوفية كمنهج إسلامي دون الترويج لطرق بعينها.
وتضيف غريوال أن شعبية يوسف حولته إلى ظاهرة. وكان أحد مؤسسي كلية الزيتونة في ولاية كاليفورنيا عام 1996.
تحولاته الفكرية والسياسية
ثمة إجماع عام وسط العلماء والباحثين أن تحولا جوهريا طرأ على مواقف الشيخ حمزة يوسف السياسية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. وتؤكد غريوال أن يوسف كان من أوائل من ادعوا أن الإسلام تعرض للاختطاف من قبل الذين يتبنون خطاب الغضب، داعيا المسلمين إلى العودة للإسلام “الحق”.
وأعرب يوسف عن تأنيب الضمير والندم على الخطب والأحاديث التي أثارت الغضب والاستياء من “الإمبراطورية الأميركية”، مدعيا أن ذلك لعب دورا في تكريس الخطاب “غير المتوازن” الذي يحض على الكراهية.
فقد صرح قبل يومين من أحداث 11 سبتمبر بأن الولايات المتحدة دولة “بغيضة” لغزوها الأقطار الإسلامية وأن “بلاء عظيما” سيحيق بها.
وفي الأيام التي تلت تلك الأحداث كان يوسف أحد خمسة علماء دينيين التقوا بالرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن قبل غزوه أفغانستان في 2001، حيث قيل حينئذ إنه أقنع بوش بعدم استخدام كلمة “غزو” لأنها “مهينة للمسلمين”.
ورغم أنه تعرض للانتقاد لاجتماعه بالرئيس الأميركي في وقت يتعرض فيه المسلمون للإهانة والتجريح بسبب أحداث سبتمبر 2001، فإن تلك الخطوة كانت مؤشرا على بروز نهج جديد يتبناه يوسف تجاه الحكومة الأميركية والتطرف وإزاء المسلمين الأميركيين.
وهو الآن يدعو المسلمين إلى أن يكونوا ممتنين للحقوق التي تمنحها لهم الدول الغربية.
وتعليقا على هذا التحول، تقول غريوال “عندما تتأمل الطريقة التي يتحدث بها (يوسف) عن الولايات المتحدة، فإنك تقف على تحول حقيقي. فقد كان من أشد المنتقدين للسياسة الأميركية داخل وخارج الولايات المتحدة قبل 11 سبتمبر”.
وقد اعترف يوسف نفسه بذلك التحول قائلا “لو أنك ظللت كما كنت فإن ثمة شيئا خطأ، مما يعني أنك لست على قيد الحياة”.
وبرأي كاتب المقال، فإن ذلك الاعتراف يُعد بداية لسلسلة من التناقضات والمواقف “المتذبذبة”.
اتهامات بالعنصرية
وتطرق أزاد عيسى في مقاله أيضا إلى مواقف الشيخ حمزة من قضية الهجرة إلى الولايات المتحدة وإصدار ترامب قرارا بمنع دخول المسلمين إليها.
وأشار الكاتب إلى أن يوسف، أنحى باللائمة في ذلك على المسلمين والمهاجرين المسلمين محملا إياهم مسؤولية صعود الإسلام السياسي.
وبحسب عيسى، فإن التوصيف الساخر للمسلمين كانت له تبعاته على الآلاف المسلمين في الولايات المتحدة وأشعلت جذوة الإسلاموفوبيا العالمية، وتعدى ذلك إلى عمليات ترحيل مهاجرين من البلاد، وممارسات من قبيل التنميط العنصري والاعتقال الجائر والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون.
ومن بين مواقف يوسف المتحولة، أنه بدا في أعقاب غزو العراق والحرب المزعومة على الإرهاب وكأنه نادم على لقائه الرئيس بوش. فقد قال إن “المسلمين ظلوا وما انفكوا يتوجسون تماما من أي داعية تربطه علاقة وثيقة مع حكومة ما، فالحكومات لا تفعل ذلك أبدا بحسن نية بل هي تستغلهم”.
وأجاب يوسف على سؤال عما إذا ينبغي على المسلمين مناصرة حركة “حياة السود مهمة” واصفا أميركا بأنها بلد القانون الذي يجعلها “أحد أقل المجتمعات عنصرية في العالم”، ومضيفا أن “50 % من الجناة سود والضحايا سود” وذلك في مناسبة عُقدت بمدينة تورنتو الكندية أواخر 2016.
(المصدر: مواقع الكترونية / الجزيرة)