بقلم د. رامي ملحم
يستبشر المسلم بقدوم شهر الطاعة والتزكية والطّهر، الذي يزورونا في كلّ عام؛ فينقص حلقة من سلسلة حياتنا، ويقطع مرحلة من مراحل عمرنا، ونسير بذلك خطوات إلى أجلنا المحتوم، ويغلب على المسلمين العناية بهذا الشهر، ويظهر ذلك في إقبالهم على قراءة القرآن وقيام الليل وصلاة الجماعة والمكث في المساجد والحرص على الصدقة وصلة الرحم.
وأمّا أنتم يا دعاة الإسلام.. فلتكن أولى خطواتنا إلى رمضان أن نقف وِقفتين، إحداهنّ مع الذّات مقيّمين ما فعلناه في رمضان السابق، وما أثره علينا بعدما انقضى؟ وهل اهتدينا فيه إلى تربية نفوسنا، وتزكية أخلاقنا، واستقامة سلوكنا، وإصلاح حالنا، وبلوغ أهدافنا، وترقية أسرنا، والقيام بواجباتنا، والكسب لدعوتنا، وخدمة وطننا، والبذل لديننا.
فإن كنّا نستقبل رمضان في هذا العام وحال الذّات أفضل، وأرضانا تقييم ما فعلناه؛ فهذا ممّا يسر ويفرح له، وأمّا إن كنّا ما زلنا على ما كّنا عليه في موقفنا قبل عام، أو تراجعنا عنه فهذا من الخسران والتفريط والتّأخر عن المسار.
والوقفة الثانية مع حال أوطاننا وأمتنا ودعوتنا وديننا، ودورنا تجاههم؛ فهل نستقبل هذا الشهر وأحوال المسلمين أفضل؛ في الجوانب السياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسلوكيّة وغيرها؟ وهل قلت الآلام؟ وهل حال الدّعوة أفضل؟ كيف لحمتها؟ كيف أثرها في المجتمعات المختلفة؟ ما مستوى كفاءة دورها؟ ماذا كسبت؟ وما الذي خسرته؟ وما الذي أديناه وقمنا به تجاه ذلك كله؟ هل بذلنا الوسع في تحقيق الأهداف؟ هل كنّا لبنة صلبة في هذا البناء؟ هل أدينا الذي علينا؟ كم بعيد قربناه إلينا؟ أين نشرنا دعوتنا؟ فإن كان الكسل عن القيام بحق الذّات جريمة، فإنّه في حق الوطن والدين والأمّة والدّعوة أشد جرماً، وأعظم إثماً.
فيا دعاة الإسلام إن كان رمضان النّاس عبادة وطاعة فرمضانكم يزيد على ذلك دعوة وكسباً وعملاً جميلاً، ولا يكن شغلكم في رمضان إلا أحسن حالاً مما كان عليه سابقاً .. فاخلعوا عنكم شهواتكم وكسلكم، واستبدلوا بنفوسكم نفوساً رفيعة، نزوعٌ إلى المعالي، طموحٌ إلى العزّة عزوفٌ عن الدنايا.
يا دعاة الإسلام تجددوا في هذا الشهر، كونوا على قدر الأمانة، وقدّموا لذواتكم وأمتكم وأوطانكم ودعوتكم ودينكم، كونوا عباداً ربانيين، معلقة قلوبكم في المساجد، وزكّوا أرواحكم، واخلوا بأنفسكم، وتعرّفوا إليها، وأكرموها بالطاعة وجميل العمل، وافهموا أشواقها من حبّ لله عز وجل، وطلب لمرضاته، واجعلوا حظّاً للأعمال التي تقصروا القيام بها طيلة العام، وتذكروا أنّه قد ثبت في الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: “يقول الله تعالى: كلّ عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصّوم فإنّه لي وأنا أجزي به”، ولتكن لكم وقفات عميقة مع كتاب الله تعالى، ونظرات خاصّة فيه، فاتلوه تلاوة المشتاق لفهم آياته، ولا يغيبنّ عنكم أنّ الله تبارك وتعالى قد اختار شهر رمضان لنزول القرآن الكريم؛ فقال عزّ وجلّ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185)، وورد في بعض الأثر أن الزبور والتوراة والإنجيل قد نزلت في رمضان أيضاً.
يا دعاة الإسلام.. وأنتم تلوذون بأنفسكم في هذا الشهر، فلا تنسوا حقّ أرحامكم وجيرانكم وأصدقائكم؛ فصلوهم، وأكرموهم، وليلمسوا منكم عطاء الدعاة وحنانهم.
*المصدر : موقع بصائر تربوية