مقالاتمقالات المنتدى

في حبّ الله و رسوله

في حبّ الله و رسوله

بقلم د. محمد فتحي الشوك (خاص بالمنتدى)

الحبّ ذاك الشّعور الغامض بالانجذاب والإعجاب نحو شخص أو شيء ما، تعلّق شديد متمكّن من الصّعب التخلّص منه، هو باقة من المشاعر الإيجابية والحالات العقلية قويّة التأثير غير قابلة للحصر وللتّعريف الدّقيق، طالما حاول العلم إخضاعه لنبراسه ليبقى عصيّا على الفهم، يبدو كعلاقة فيزيائية أو معادلة كيميائية ليتجاوز منطق الفيزياء والكيمياء.

اتّخذ العديد من الأسماء بتجلّيات متنوّعة وبدرجات متفاوتة وكان بين محبّ ومحبوب، بين زوجين، تجاه والدين، أبناء، بين إخوة، أصدقاء، أفراد عشيرة، وطن، أو تجاه أشياء. غالبا ما كان تعبيرا لأحاسيس وتفاعلات بين مخلوقات، قتلك الكائنات الفانية النسبيّة كانت دوما ما تبحث عن إشباع وإكمال نقصها بأشباهها من الصّور والأشباح وغالبا ما ينتهي وهمها إلى شقاء ومأساة حتّى صار العشق الحقيقي (العذري، الأفلاطوني، الرّومانسي، الطّاهر، العفيف، الصّادق بدون غايات) أحاديث كتب وروايات وشعر وكلمات (جميل بثينة، مجنون ليلى، عروة بن حزام، روميو وجوليات) وتبلّد الحسّ حتّى صار الحبّ لا يعرف نفسه بكثرة التشوّهات وتحجّرت القلوب وأصيبت بالعجز على أن تشعر أو تعبّر عن سميّ الأحاسيس خصوصا مع عصرنا المتوحّش. هكذا صار الحبّ بين المخلوقات لتجاهلها عدم توجيهه نحو من هو أحقّ بالحبّ من الكائنات.

 

في حبّ الله:

الله أولى بأن يحبّ بل إنّ حبّه هو فرض وأمر وما العبادات والطّاعات إلا تحقّق لذاك الحبّ وتعبير عنه. الله الحيّ القيّوم السّميع المجيب الحنّان المنّان الودود العفوّ الرّؤوف الرّحيم ذي الطّول شديد العقاب المنتقم ذو الجلال والإكرام، تقدّست اسماؤه وتنزّهت صفاته وتعاظمت أفعاله، يُحبّ ويَحبّ، رحمته وعذابه محبّة، حبّه وفضله سابقان لخلقه، وإسباغ محبّته على عبده لها تجلّيات عدّة.

يقول أعزّ من قائل في سورة آل عمران: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “(الآية 31) ويقول في سورة البقرة: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ” (الآية 165).

لمحبّة الله لعبده تجلّياتها، وإشراقة الإيمان تتبعها وجوبا تطبيقات عمليّة وسلوكيّة، من علامات تلك المحبّة كثرة الطّاعات وحتّى الابتلاءات، يقول الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ عِظم الجزاء من عظم البلاء، وإنّ الله عز وجل إذا أحبّ قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرّضا، ومن سخط فله السّخط” (رواه الترمذي وابن ماجه).

وفي حديث قدسي: “حقَّت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبّتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبّتي للمتباذلين فيّ، وحقت محبّتي للمتواصلين فيّ” (رواه أحمد). وفي حديث آخر: “وما زال عبدي يتقرب إليَ بالنوافل حتى أحبَه“، ومحبّة الله لعبده ليس لها حدّ، تأمّلوا هذا الحديث القدسي: (إن الله تعالى قال: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إلي بالنّوافل حتى أحبّه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه) رواه البخاري.

تأمّلوا ثمرة المحبّة في حديث للرّسول صلى الله عليه وسلّم: “إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل إن الله يحبّ فلاناً فأحببه فيحبّه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه فيحبّه أهل السّماء ثم يوضع له القبول في الأرض“. (البخاري) أرأيتم هذه المحبّة العابرة للقارّات للأكوان والموجودات؟

 

في حبّ خلق الله:

رأينا أنّ حبّ الله يتبعه ضرورة حبّ خلقه وأوّلهم وأجدرهم بذلك خير خلقه سيّد الكونين مركز الثّقلين المبعوث رحمة للعالمين، من علّمنا كيف نحبّ، حبيبنا الّذي كان مدرسة الإحساس الرّاقي الرّحيم. محبّة رسول الله هي من و في محبّة الله، بل يمكن أن نغالي فيها كما نرى في الأثر: عَن عَبْد اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِى. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: “لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ”. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: “فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى” فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم “الآنَ يَا عُمَرُ” (صحيح البخاري).

ومن نبع هذه المحبّة يمسّ فيضها كلّ الأحبّة وتشمل الكون بما فيه وحتّى في باب مجاهدة النّفس والمفاسد فهي من باب المحبّة.

 الّلهمّ صلّ على سيّدنا محمّد بقدر حبّك فيه وزدنا يا مولانا حبّا فيك وفيه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى