كيف شكّل قرار التطبيع فخّاً للمغرب؟
إعداد آمال وشنان
تمكنت إدارة ترامب بالتعاون مع الإدارة الإسرائيلية من تغيير نمط “السلام” في منطقة الشرق الأوسط. تاريخياً، كان السلام نتيجة حرب مباشرة، تتنازل فيها إسرائيل عن الأراضي المحتلة مثل سيناء بمصر وأراضي الباقورة والغمرفي الأردن مقابل توقيع اتفاقية سلام بموجب مبدأ “الأرض مقابل السلام”، أما صيغة التطبيع الأخيرة، فقائمة على استغلال نقاط ضعف الدول، وتوظيفهامقابلتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الخميس الماضي عن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازَع عليها. ويُعَدّ المغرب رابع دولة عربية تطبع العلاقات مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين والسودان.
ويبدو أن صانع القرار المغربي قد توصل إلى أن قرار التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي مقابل اعتراف ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء -تنازل مقابل تنازل- هو أكثر الحلول العقلانية التي توفّرها هذه الفترة التاريخية التي يمر بها العالم.
وقد ساعد منطق الصفقة الذي أسس له ترامب كنمط جديد في إدارة الملفات السياسية في الشرق الأوسط، على تحفيز المغرب للانضمام إلى الصفقة كخيار عقلاني يعود بكثير من الامتيازات على المغرب، ولكن ألا يشكّل قرار التطبيع فخاً وثغرة للمغرب في المستقبل؟
خطاب مختلف وصيغة جديدة للسلام
اختلف محتوى إعلان التطبيع الموجه إلى الرأي العامّ من قبل قادة كل من الولايات المتحدة، ودولة الاحتلال الإسرائيلي، والمغرب بين البعد الأمني والجيوبوليتيكي والهوياتي. ففي الوقت الذي فضّل فيه ترمب التركيز في خطابه على المزايا الأمنية ومسألة السلام في الشرق الأوسط، اختار بنيامين نتنياهو تعظيم المكاسب في بعدها الإثنو-ديموغرافي، إذ ركّز على أهمية الإرتباط العاطفي لليهود من أصل مغربي بالأرض المغربية، وإمكانية زيارتهم لبلدهم الأم المغرب، كما وصف التطبيع بـ”نور السلام العظيم” الذي جاء تكريماً لعيد حانوكا.
من جهة أخرى ركز الخطاب المغربي على البعد الجيوبوليتيكي/السيادي وأهمية اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
يتضمن محتوى الخطاب مؤشرات مهمة عما يتوقعه كل طرف من الآخر، وفي الوقت الذي يعلق فيه المغرب آمالاً كبيرة في علاقاته مع إسرائيل على أبعاد السياسة العليا High politics وما تحمله من عناصر الأمن، والبقاء، والسيادة، تنحصر توقعات إسرائيل في السياسة الدنيا Low politics مثل الجالية اليهودية في المغرب، والسياحة والرحلات الجوية، ما يعطي إسرائيل ميزة التفوق والتحكم في نمط واتجاه العلاقة.وأي ارتقاء مستقبلي سيكون مرتبطاً بما يقدمه المغرب من تنازلات في ملفات إقليمية ودولية باعتباره الأكثر حاجة إلى الطرف الآخر.
الفخ القانوني
اختار الرئيس الأمريكي الصيغة القانونية المسماة بالإعلان الرئاسي Presidential Proclamation للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ومن الناحية القانونية تُعَدّ الإعلانات الرئاسية آلية قانونيةللتعبير عن قضايا السياسة العامة، ويحمل الإعلان الرئاسي الصبغة الرمزية/الاحتفالية، لكنه يفتقر إلى القوة القانونية ما لم تصدّق عليه الهيئة التشريعية المتمثلة في الكونغرس الأمريكي.
وعليه لا يعد هذا القرار إلزامياً للإدارة القادمة.كذلك لم تعترف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، إذ أجاب أحد المسؤولين الإسرائيلين عن سؤال اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء بأنها مسألة مبكرة جداً في مسار العلاقات المغربية-الإسرائيلية، كما قدمت الصحافة الإسرائيلية اليسارية انتقادات للقرار ووصفته بأنه”احتلال مقابل احتلال”.
فخّ الشرعية الشعبية
يُعَدّ التقليد والعرف السياسي القائم على الملكية أهمّ مصادر الشرعية في المغرب، مع إضفاء الصبغة الدينية على الملكية الحاكمة، فالملك المغربي يلقب بـ”أمير المومنين”، والعائلة المالكة بـ”السلالة العلوية الشريفة” نسبة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. لم يكن الطابع الديني عاملاً معززاً للشرعية داخلياً فقط، بل كان مشروع توجه إقليمي أيضاً، إذ عمل الملك المغربي على بناء هذا التصور إقليمياً من خلال لعب دور في المنظمات ذات الطابع الديني وترأس لجنة القدس والعديد من المؤتمرات الدولية الداعمة لفلسطين.
ذا الزخْم الديني حول الأسرة الحاكمة يتلاءم والتصور الشعبي حول القضية الفلسطينية، فقد أشار استطلاع الرأي، ضمن برنامج شامل لقياس مؤشر الرأي العام العربي الذي نفّذه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة في 13 بلداً عربياً، إلى أن 88 بالمئة من الشعب المغربي يرفض اعتراف المغرب بإسرائيل.
لكن بقرار التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وقع صانع القرار المغربي في إشكالين: الأول اختيار آلية الصدمة وتجاهل المدركات الشعبية السائدة حول إسرائيل وما له من آثار على مسألة الشرعية.
ثانياً ربط السيادة المغربية على الصحراء الغربية بقرار التطبيع سيبقى بمثابة نقطة سوداء في المخيّلة الشعبية المغربية: “أخذنا الصحراء مقابل بيع فلسطين”
أما على المستوى الإقليمي فقد نجح المغرب في السنوات الأخيرة في بناء صورة إيجابية لدى الجمهور العربي من خلال تفعيل أدوات القوة الناعمة في بعدها الثقافي، لذلكفقد فضّل صانع القرار المغربي المغامرة بسنوات طويلة من الجهد لبناء صورة إيجابية في المنطقة.
الفخ الديموغرافي–الإثنيّ
يرتبط الفخ الديموغرافي-الإثني بآثار التطبيع على التركيبة الإثنية للمجتمع المغربي. فقد هاجر من المغرب إلى إسرائيل ما يقارب 250 ألف يهودي، وتعيش أكبر جالية يهودية في المغرب بنحو 3500 يهودي مقارنة بـ1500 في تونس و 200 في الجزائر.
كما يسافر إلى المغرب 50,000 يهودي سنوياً لسببين: أولاً ارتباطهم بالوطن الأم والأهل، وثانياً لزيارة الأماكن المقدسة.
إن الفخ الديمغرافي الإثني الناجم عن التطبيع المغربي الإسرائيلي لا يرتبط بالأهمية العددية فقط، بل بموقع الإثنية على سلم القوة والتأثير داخل المجتمع. وتعد الإثنية اليهودية أكثر الإثنيات تمكيناً من الناحية المالية والعلمية والمجتمعية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى تبوأ اليهود من أصل مغربي مكانة مرموقة في دوائر صنع القرار الإسرائيلي، مثلاًالجنرال غادي إيزنكوت الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة، وداني دانون سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، وعمير بيرتس وزير الدفاع السابق، وغيرهم من المسؤولين اليهود المغاربة. هذا التمازج الديني العرقي سيوثّر مستقبلاً في عاملين: الأول سيكون مجتمعياً مرتبطاً بمكانة العنصر اليهودي في الخريطة المجتمعية المغربية، والثاني سياسي مرتبط بتأثير العنصر اليهودي داخل المغرب، والمغربي اليهودي داخل إسرائيل، في صياغة المصلحة والقرار المغربي.
الفخ السياسي الدولي
شكّل قرار ترمب، الذي سيغادر البيت الأبيض قريباً، سياسياً ضربة للإرث التفاوضي الذي بنته الولايات المتحدة عبر المبعوثين الدوليين، وانقلاباً على التقليد الأمريكي لإدارة النزاع، وفرضاً لأمر واقع لا يخدم التصور الأمريكي للحلّ في الصحراء الغربية.
لذلك عبّرَت الأمم المتحدة عن رفضها هذا القرار الذي يتناقض مع الشرعية الدولية ومع تصورات الحل التي عملت عليها أطراف عديدة منها الاتحاد الإفريقي.
لذلك سيكون قرار ترمب جزءاً من برنامج تصحيح الصورة السيئة التي بناها ترمب حول الولايات المتحدة، وأعادت ضبط التوازن بين المصلحة الأمريكية والمصلحة الإسرائيلية، بخاصة مع وصولليندا توماس غرينفيلد سفيرةً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.
في الأخير يمكن القول إن قرار التطبيع مقابل اعتراف ترمب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ليس مكسباً خالصاً، بل خطوة تحمل الكثير من الثغرات التي ستُضفِي مزيداً من الديناميكية على الملفّ الصحراوي الذي كاد يكون منسيّاً.
(المصدر: تي آر تي TRT العربية)