مع تزايد وتيرة التطبيع.. ما الدور المطلوب من علماء المسلمين؟
إعداد الخليج أونلاين
– ما موقف علماء الشريعة من التطبيع مع “إسرائيل”؟
يفتون بحرمة التطبيع.
– ما أبرز الكيانات والمؤسسات الإسلامية التي تحرّم التطبيع؟
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمؤسسات المنضوية تحت لوائه.
– ما أبرز الشخصيات التي تحرّم التطبيع؟
يوسف القرضاوي، ومحمد الغزالي، وعكرمة صبري، وآخرون.
رغم انتشار التطبيع بين دول عربية “إسلامية” ودولة الاحتلال الإسرائيلي في الأشهر القليلة الماضية، فإن بناء علاقات سياسية مع “تل أبيب” ليس جديداً بمطلقه وإن عاد إلى الساحة العربية من جديد في الآونة الأخيرة.
فقد بدأت مصر أولى حلقاته عام 1979، ثم تبعتها الأردن عام 1994، لكن بقي شكل التطبيع سياسياً أكثر من توسعه للمناحي الاقتصادية والتجارية والاجتماعية وحتى الرياضية، حيث بقي للشعوب موقف الرفض من التعامل مع الإسرائيليين، ولا شك كان للدين الإسلامي والدعاة دور بارز في القطيعة الشعبية مع كل ما يمتُّ إلى الإسرائيليين بِصلة.
وبعد أكثر من ربع قرن على بدء مسلسل التطبيع مع “إسرائيل”، عاد التطبيع مجدداً عام 2020 من الإمارات ثم أعلنته البحرين فالسودان وأخيراً المغرب، ولا يُعرف ما الدولة المقبلة التي تلحق بالركب..
وفي ظل تسارع إعلان هذه الدول، التي يدين شعبها بالدين الإسلامي عموماً، يُطرح كثير من التساؤلات عن موقف علماء الشريعة من التطبيع، وما الدور المترتب عليهم في هذه اللحظة الكبرى من تاريخ أمتهم؟
إجماع تاريخي
منذ الأيام الأولى لإعلان التطبيع خرجت فتاوى وبيانات تستنكر الحالة الجديدة الجارية بين الدول العربية مع “إسرائيل”، وعبّر عشرات بل مئات الشيوخ والدعاة وعلماء الفقه عن موقفهم الصريح الرافض لبناء علاقات “سلام” مع “تل أبيب”، خاصةً تلك التي لا تربطها أي حدود مشتركة معها ولم تقم بينها أي حروب سابقة.
وفي التاريخ الحديث هناك كثير من المؤتمرات التي حرّمت بشكل قاطع، التطبيع مع “إسرائيل” مثل مؤتمرات القاهرة ومكة وعمّان عام 1968، والمؤتمر الدولي بباكستان عام 1968، وفتوى الأزهر عام 1979.
وفي المؤتمر الإسلامي الدولي الذي انعقد عام 1989 بالكويت، وحضره ممثلون عن 19 دولة، أفتى العلماء بالإجماع على “حرمة بيع أي قطعة أرض فلسطينية لليهود، وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره”.
وكان من أبرز الموقِّعين على ذلك، “الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي، وعمر سليمان الأشقر، ووهبة الزحيلي، ومحمد نعيم ياسين، ومحمد عثمان شبير، وهمام سعيد، وعبد الله عزام، وفتحي يكن، وجاسم مهلهل، وأحمد محمد الخليلي، وعبد الله إبراهيم، وراشد الغنوشي، وغيرهم كثيرون”.
موقف ثابت
وفي الوقت الحالي، أكّد علماء ودعاة ومشايخ لهم وزنهم في العالم الإسلامي حرمة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، معتبرين أي خطوة للتقارب مع “تل أبيب” في “اتفاقيات السلام أو الصلح محرمة وباطلة شرعاً”.
وتصدر هذا الموقف أكثر من 200 عالم من علماء المسلمين من مختلف دول العالم الإسلامي، حيث اجتمعوا يوم الأحد (6 سبتمبر 2020) عبر “الفيديو كونفرانس”، وأصدروا فتوى حملت تواقيعهم باسم “هذا بلاغ من علماء المسلمين”، ونشرها موقع “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”.
وتعتبر القضية الفلسطينية واحدة من أبرز القضايا التي شغلت العالم الإسلامي خلال أكثر من 70 عاماً مضت، باعتبارها أرض فلسطين أرضاً عربية مسلمة تم احتلالها على مرأى من العالم، إضافة إلى وجود المسجد الأقصى فيها، والذي يعد ثالث الحرمين الشريفين، وقِبلة المسلمين الأولى، ما يجعل القضية برمتها “إسلامية” بحتة.
ولذلك اعتبرت الفتوى الدينية، أن التطبيع “جريمة كبرى، وخيانة لحقوق الله تعالى ورسوله، وحقوق فلسطين أرضاً وشعباً، والأمة الإسلامية”، مبينةً أن “ما تم بين بعض الدول العربية وإسرائيل لا يُسمّى صلحاً في حقيقته ولا هدنة، وإنما هو تنازل عن أقدس الأراضي وأكثرها بركة”.
وكان من أبرز الموقعين على الفتوى أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والأمين العام للاتحاد علي القره داغي، ونائبا رئيس الاتحاد عصام البشير، وحبيب سليم سقاف الجفري، وأعضاء مجلس الأمناء في الاتحاد محمد الحسن الددو، وعلي الصلابي، وعكرمة صبري، وآخرون.
فتوى العلماء قالت: إن التطبيع “يمثل أيضاً إقراراً بشرعية العدو المحتل، واعترافاً به، وبما يرتكبه من الجرائم المحرمة شرعاً، وقانوناً، وإنسانياً من القتل والتشريد بحق الشعب الفلسطيني”.
“هيئة علماء فلسطين في الخارج”، المعنية بالقضية الفلسطينية بشكل كبير من الناحية الإسلامية، أصدرت كثيراً من البيانات والمواقف التي تعرّف المسلمين بحكم خطوات التطبيع الجارية في العالم العربي، متحدثة عن أبعادها الخطيرة دينياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً وثقافياً.
وبينت الهيئة في بيان صدر في 2 سبتمبر 2020، حكم الشريعة الإسلامية في التعاون مع دولة الاحتلال، مستدلة على ذلك بالآيات والأحاديث، ومُسهبة في التفاصيل لتوضيح الغاية من التطبيع.
كما وقف البيان على أهداف هذا التطبيع وخطورته في ظل الصراع القائم مع “إسرائيل” منذ تأسست حتى اليوم، محذرة من التغيير الحاصل في مواقف الدول العربية تجاه العلاقة مع “الدولة اليهودية التي تحتل أرضاً استراتيجية من أراضي المسلمين”.
هل الفتاوى كافية؟
ورغم أن الفتاوى على درجة من الأهمية، باعتبارها موقفاً أخلاقياً من القضية الفلسطينية، كما يصفها العلماء، لكن هل تثار تساؤلات حول ما إذا كانت “تحركاً كافياً من قِبل أبرز الشخصيات بالعالم الإسلامي، خاصة في ظل استمرار قطار التطبيع وانضمام مزيد من الدول العربية ذات الشعوب المسلمة إليه”.
ويعتقد الداعية الإسلامي مطيع البطين، أن الفتاوى والبيانات المتعلقة بحرمة التطبيع مع “إسرائيل” جزء من الواجب على العلماء، ولكن بالتأكيد ليست فقط هي المطلوب في مواجهة الوضع المتردي الذي وصل العالم الإسلامي إليه.
وأكّد عضو أمناء المجلس الإسلامي السوري في حديث خاص مع “الخليج أونلاين”، أن على علماء المسلمين نشر الوعي في أسباب هذه الفتاوى، وتبيان كيف يتم تضييع حقوق الفلسطينيين، ونشر ذلك على أوسع نطاق.
ويرى الأكاديمي الإسلامي أن دور العلماء المسلمين في هذه اللحظة التاريخية، هو الجهر بالحق وعدم السكوت، وتبيين أن من ذهبوا من أهل العلم لتأييد هذا التطبيع أو ساروا في ركابه إنما فعلوا ذلك إرضاءً لحكام بلادهم أو تحت ضغوط من هؤلاء الحكام.
وشدد على أن علماء المسلمين لم يفقدوا دورهم المحوري الذي كان سابقاً في العالم الإسلامي، لكنه قال: إن “هذا الدور يضعف ويقوى تبعاً لمجموعة من العوامل، وبالتأكيد نريد أن يكون هذا الدور أقوى مما هو عليه اليوم”.
ولفت إلى أنه يجب على علماء الأمة الإسلامية وفقهائها استغلال وسائل العصر في طرق التحشيد الواجب اتباعها اليوم، خاصةً أن الأمر لم يعد مقتصراً على المسجد وخُطب الجمعة ووسائل الدعوة القديمة.
وأشار إلى أن “وسائل التواصل اليوم أكثر انتشاراً وأسرع وصولاً، ولذلك على العلماء أن يقتحموا هذه الميادين وأن يوصلوا الحقيقة لسائر أبناء هذه الأمة”.
(المصدر: الخليج أونلاين)