اسم البحث: أحكام زراعة الشعر وإزالته.
إعداد: د. سعد الخثلان.
—
مقدمة البحث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. وبعد:
فإن الله تعالى قد خلق الإنسان فـي أحسن تقويم، وأباح له التجمل والتزين (إن الله جميل يحب الجمال) ولكن وفق ضوابط معينة، ومما يدخل فـي زينة الإنسان فـي الجملة: الشعر، ولذا فإن عدم نباته يُعدَّ عيباً فـي الإنسان.
وقد تقدم الطب فـي الوقت الحاضر تقدماً هائلاً وأصبح بالإمكان زراعة الشعر فـي أي موضع من الجسم، كما أنه بالإمكان استئصال الشعر من أي موضع من الجسم، وهذه الزراعة وهذا الاستئصال تتعلق بهما أحكام شرعية فأحببت أن أكتب بحثاً فـي أحكام “زراعة الشعر وإزالته” وما يتعلق بهما من مسائل بطلب من إدارة التوعية الدينية بالمديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة الرياض ضمن البحوث المقدمة لندوة (العمليات التجميلية بين الشرع والطب).
وقد جعلتُ هذا البحث فـي أربعة مباحث وخاتمة على النحو الآتي:
المبحث الأول: حقيقة وصل الشعر والحكمة من النهي عنه.
المبحث الثاني: حكم زراعة الشعر والفرق بينها وبين الوصل المحرم.
المبحث الثالث: حكم إزالة الشعر بالطرق التقليدية.
المبحث الرابع: حكم إزالة الشعر بالتقنيات الطبية الحديثة.
خاتمة البحث وتتضمن أهم نتائج البحث.
وقد سلكت فـي إعداد هذا البحث منهجاً أصور فـيه المسألة إن كانت تحتاج إلى تصوير ثم أذكر حكمها الشرعي مقروناً بالأدلة من الكتاب والسنة وبكلام أهل العلم، وإذا كانت المسألة خلافـية فأذكر الآراء فـي المسألة وأدلة كل رأي ومناقشة ما يمكن مناقشته منها ثم أبين القول الراجح منها مع ذكر سبب الترجيح.
وأخرج الأحاديث الواردة فـي البحث من مصادرها، فإن كان الحديث فـي الصحيحين فأكتفـي بالعزو إليه وإلا خرجته من كتب السنن والمسانيد مبيناً آراء المحدثين فـي درجته.
وإذا كانت المسألة المراد بحثها طبية فأذكر حقيقتها الطبية وكلام الأطباء حولها مع التوثيق من كتب الطب قبل الدخول فـي بيان أحكامها الشرعية.
وبعد:
فموضوع هذا البحث كبير ومهم، ولا أزعم أنني قد استقصيتُ جميع جوانبه لكن حسبي أني أبرزت أهم جوانبه، ولعل ما كتبت يصلح لأن يكون نواة لبحوث أوسع.
والله أسأل الله أن يبارك فـي الجهود ويسدد الخطى ،،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
المبحث الأول: حقيقة وصل الشعر والحكمة من النهي عنه
اتفق العلماء على تحريم وصل الشعر فـي الجملة(1) واستدلوا لذلك بالأحاديث التي فـيها النهي عن الوصل ولعن فاعله ومنها:
1-ما جاء فـي الصحيحين(2) من ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة).
2-ما جاء فـي الصحيحين(3) من عائشة رضي الله عنها أن امرأةً من الأنصار زوجت ابنة لها فمرضت وتساقط شعرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أنكحت ابنتي فاشتكت فتساقط شعرها أفاصل شعرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لعن الله الواصلة والمستوصلة). وفـي رواية المسلم(4) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن لي ابنة عُرَيَّساً أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفاصله، فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة).
3-من جاء فـي الصحيحين(5) عن سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة فحطبنا وأخرج كُبَّة من شعر فقال: ما كنتَ أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور، وفـي رواية أخرى(6) أنه قال: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا ويقول: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم).
وقد اختلف العلماء فـي المعنى الذي لأجله حرم الوصل، فذهب بعض العلماء إلى أن المعنى هو: تغيير خلق الله.
وإليه ذهب المالكية(7) والظاهرية(8) واستدلوا بقول الله تعالى عن الشيطان {ولأُضِلَّنَّهُمْ ولآمَنِّيَنَّهُمْ ولأَمُرَنَّهُم فليُبَتِّكُنَّ آذانَ الأنعامِ ولآمُرَنَّهم فليُغيِّرُنَّ خلْقَ اللهِ}(9).
واستدلوا كذلك بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)(10).
وذهب بعض العلماء إلى أن المعنى الذي لأجله حرم الوصل هو الانتفاع بجزء من الآدمي وإليه ذهب الحنفـية(11).
وعللوا ذلك بأن الانتفاع بجزء من الآدمي امتهان من كرامته فلا يجوز(12).
وذهب جمهور العلماء إلى أن المعنى الذي لأجله حرم الوصل هو التدليس والغش.
وإليه ذهب الشافعية (13) والحنابلة(14).
واستدلوا لذلك بما جاء فـي الصحيحين(15) عن سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها فخطبنا فأخرج كبّة من شعر قال: ما كنتُ أرى أحداً يفعل هذا غير اليهود إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور يعني: الواصلة فـي الشعر.
والشاهد منه قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور ففـيه إشارة إلى علة النهي عن الوصل وهي ما فـيه من الزور والغش والتدليس.
وهذا القول الأخير هو الراجح – والله أعلم – لقوة ما استدلوا به فإن تسمية النبي صلى الله عليه وسلم له زوراً كالنص فـي علة النهي.
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من الآية فإن هذا الاستدلال خارج محل النزاع إذ أن الآية إنما جاء فـيها الحديث عن تغيير الخلقة وهذا يكون بالجرح والتشويه كما فـي تبتيك آذان الأنعام والوشم وغير ذلك، والوصل غير داخل فـي ذلك.
وأما حديث ابن مسعود فليس فـيه ذكر للوصل وإنما جاء فـي سياق النهي عن الوشم والتفلج والنمص، وهذه الأمور تغيير الخلقة فـيها ظاهر بخلاف الوصل.
وأما ما علل به أصحاب القول الثاني بأن علة النهي عن الوصل أن فـيه امتهاناً لكرامة الآدمي فهذه دعوى ليس عليها دليل وقد دلّ الدليل بأن علة النهي هي ما فـيه من التزوير.
وبناءً على ترجيح هذا القول فإن وصل شعر المرأة بشعر آدمي محرم باتفاق العلماء، قال النووي رحمه الله: “إن وصلت المرأة شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف، سواء كان شعر رجل أو امرأة لعموم الأحاديث ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه” ا. هـ(16).
أما إذا كان الوصل بغير شعر الآدمي فإن كان الموصول به لا يشبه الشعر الطبيعي بحيث يدرك الناظر إليه لأول وهلة أنه غير طبيعي فلا يحرم الوصل سواء أ كان شعراً أم صوفاً أم وبراً أم قرامل(17)، وذلك لعدم تضمنه علة التحريم وهي التدليس، أما إن كان الموصول بشعر المرأة يشبه الشعر الطبيعي حتى يظن الناظر إليه أنه شعر طبيعي فـيحرم الوصل سواء أكان شعراً أم صوفاً أم وبراً أم خيوطاً صناعية أم غير ذلك، لأنه علة تحريم الوصل قد تحققت فـيه(18).
المبحث الثاني: حكم زراعة الشعر والفرق بينها بين الوصل المحرم
تجري عملية زرع الشعر لمن يعاني من الصلع وسقوط شعر الرأس والحاجبين والأهداب واللحية والشارب وربما مناطق أخرى من الجسم.
ونقوم هذه الطريقة على أخذ شريحة من جلد فروة الرأس الذي يحتوي على شعر وزرعها فـي المكان الخالي، وفـيما يلي تفصيل إجراء هذه العملية الجراحية:
1-تُجرى العملية تحت التخدير الموضعي بحيث لا يحس المريض بأي ألم، وفـي الوقت نفسه يكون واعياً بما يجرى حوله.
2-يتم تحديد المنطقة المانحة (التي يؤخذ منها الشعر) خلف الرأس، وعادة ما تكون بعرض 1 سم وطول 15 سم.
3-تُسْتأصل شريحة من مؤخرة حس فروة الرأس بحيث تحتوي على كمية وافرة من بصيلات الشعر.
4-تُقفل فروة الرأس باستخدام خيوط أو دبابيس جراحية، وتلتئم بسرعة، ويختفـي أثر العملية بعد عدة أشهر.
5-تُقطَّع الشريحة إلى قطع صغيرة، ثم إلى بصيلات شعر عديدة.
6-يتم إحداث عدة ثقوب صغيرة جداً باستخدام إبرة رفـيعة فـي المنطقة التي يحددها الجراح لزراعة الشعر فـي مقدم الرأس وأعلاه.
7-تُزرع بصيلات الشعر فـي المناطق المحددة بطريقة متفرقة بحيث تعطي منظراً طبيعياً عند نموها، كما تسمح الفراغات التي بين بصيلات الشعر بوصول الدم إليها.
8-تستغرق العملية عدة ساعات بناءً على عدد بصيلات الشعر المطلوبة.
9-يذهب المريض إلى البيت فـي اليوم نفسه.
10-يتساقط الشعر المزروع خلال ثلاثة أسابيع أو أربعة، لكنه يبدأ دورة نمو جديدة ليظهر بعد مدة (12 – 16 أسبوعاً) من عملية الزراعة.
وللحصول على نتائج أفضل يمكن تكرار الجلسات (2 – 5 جلسات) لملء الفراغات التي بين بصيلات الشعر(19).
وبعد هذا البيان لكيفـية إجراء عملية زرع الشعر من الناحية الطبية ننتقل بعد ذلك لبيان حكم زرع الشعر من الناحية الشرعية، وقد اختلف فـيه العلماء المعاصرون على قولين:
القول الأول: جواز زراعة الشعر. ومن أبرز من قال بهذا القول الشيخ محمد العثيمين(20) – رحمه الله -، وقال به كثير من العلماء المعاصرين(21).
القول الثاني: تحريم زراعة الشعر. وقال به بعض العلماء المعاصرين(22).
أدلة القول الأول:
1-ما جاء فـي قصة الثلاثة من بني إسرائيل وفـيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً …، فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحبُّ إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس قال: فمسحة فذهب عنه وأعطي شعراً حسناً ..) الحديث(23).
ووجه الدلالة: أن الملك مسح على هذا الأقرع فذهب عن قرعه وأعطي شعراً حسناً فدل ذلك على أن السعي فـي إزالة هذا العيب واستنبات الشعر الحسن لا بأس به، إذ لو كان محرماً لما فعله الملك.
2-أن زرع الشعر ليس من باب تغيير خلق الله أو طلب التجمل والحسن زيادة على ما خلق الله ولكنه من باب ردّ ما خلق الله عزّ وجلّ وإزالة العيب، وما كان كذلك فإن قواعد الشريعة لا تمنع منه(24).
3-أن الصلع والقرع يعتبر عيباً فـي الإنسان يجد من أصيب به الألم النفسي والازدراء من الناس، وفـي قصة الأبرص والأقرع والأعمى لما سئل الأقرع: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، وزراعة الشعر هي من باب علاج هذا العيب، وقد دلت الأدلة الكثيرة على جواز العلاج والتداوى من الأمراض والعيوب التي تقع للإنسان، قال النووي – رحمه الله – فـي شرحه لحديث ابن مسعود رضي الله عنه (فـي لعن النبي صلى الله عليه وسلم للواشمات والمستوشمات ….): “أما قوله: (المتفلجات للحسن) فمعناه يفعلن ذلك طلباً للحسن، وفـيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب فـي السن ونحوه فلا بأس. ا. هـ(25).
فبين رحمه الله أن المحرم ما كان المقصود منه التجميل والزيادة فـي الحسن، وأما ما وجدت فـيه الحاجة الداعية إلى فعله فإنه لا يشمله النهي والتحريم(26).
أدلة القول الثاني:
أن زراعة الشعر تدخل فـي الوصل المحرم شرعاً فتكون محرمة.
الترجيح:
بعد عرض قولي العلماء فـي المسألة وأدلتهم يظهر – والله أعلم ــ أن الراجح من القولين فـيها هو القول الأول وهو جواز زراعة الشعر لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول.
وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني من أن زراعة الشعر تدخل فـي الوصل المحرم شرعاً فغير مسلم للفرق بين زراعة الشعر والوصل، وأبرز وجوه الفرق بينهما ما يأتي:
1-فـي الوصل يضاف إلى الشعر شيء آخر غير الشعر الأول وهذا المضاف إما أن يكون شعراً أو غيره، وفـي زراعة الشعر المضاف هو الشعر نفسه مع جزء من الجلد يحوي بصيلات الشعر، وغاية ما هنا لك أن الشعر ينقل من مؤخر الرأس إلى مقدّمه أو إلى الموضع الذي يراد زراعة الشعر فـيه.
2-تكون الإضافة فـي الوصل من شخص (أو شيء) آخر، أما فـي زراعة الشعر فإن الشعر المزروع يكون من الشخص نفسه غالباً.
3-أن الشيء المضاف (الشعر أو غيره) يوصل ويربط بالشعر الأول، ولذا سمي وصلاً، فالشعر الموصول يُضاف ويُشد إليه ليكثر بالإضافة، وأما زراعة الشعر فإنها تختلف عن ذلك، فإن الشعر المزروع يُغرس فـي فروة الرأس ــ أو فـي الموضع الذي يراد زراعته فـيه – مباشرة، وليس بينه وبين الشعر الأول اتصال، إذ تكون الزراعة فـي منطقة خالية أو شبه خالية من الشعر (غالباً).
4-أن الهدف من وصل الشعر: تكثير الشعر الأصلي وتطويله وإظهاره كما لو كان غزيراً، لكنه لا ينمو ولا يزيد فـي طوله وكثافته، أما فـي زراعة الشعر فإن الشعر الذي ينشأ عن البصيلات المزروعة ينمو وتزيد كثافته ويمكن قصه وحلقه فهو إعادة للرأس إلى خِلْقته الأصلية وليس مجرد إيحاء كاذب بكثرة الشعر كما فـي الوصل.
5-أن المقصود فـي الوصل هو الشعر الموصول نفسه فهو الذي سيظهر على الرأس، أما فـي زراعة الشعر فالمقصود وهو بصيلات الشعر الموجودة فـي شريحة الجلد، أما الشعر المزروع نفسه فإنه يتساقط بعد عدة أسابيع، وبعد ثلاثة أشهر أو أربعة ينمو الشعر الجديد الذي يبقى على الرأس.
6-أن الوصل كثيراً ما يستعمل مع وجود الشعر، وحينئذ فالهدف من التظاهر بطول الشعر وجماله، أما زراعة الشعر فلا تجري إلا لمن يعاني من الصلع أو عدم وجود الشعر فـي مناطق معينة من الجسم وقد تجري فـي حالة قلة كثافة الشعر وتباعده أي أن وصل الشعر خداع وتغرير، وزراعته علاج.
ومما سبق يتبين أن زراعة الشعر تخالف وصلة فـي المعنى والغاية(27).
وهذه الزراعة تشمل زراعة الشعر بجميع أنواعه فتشمل زراعة شعر الرأس – وهو الغالب -، وزراعة شعر اللحية، وزراعة شعر الشارب، وزراعة شعر الحاجبين والأهداب وغيرها من مواضع الجسم.
والقول بجواز زراعة الشعر مقيَّد بما إذا كان يقصد بها إزالة العيب وردّ ما خلقه الله تعالى، أما لو كان المقصود بالزراعة طلب الحسن والتجمل وليس هناك عيباً فـي الإنسان كأن يكون شعر الرأس حسناً وكثيفاً لكن يريد بزراعة الشعر أن يكون شعره أكثر حسناً وغزارة فالأقرب ــ والله أعلم – أنه لا يجوز زراعة الشعر فـي هذه الحال لما فـيه من تغيير خلق الله تعالى، وإذا كان الوشم والنمص والتفليج طلباً للحسن يعتبر من تغيير خلق الله، فزراعة الشعر التي يراد بها طلب الحسن ــ وليس إزالة العيب ــ أولى بأن تعتبر من تغيير خلق الله، والله تعالى أعلم.
المبحث الثالث: حكم إزالة الشعر بالطرق التقليدية
يعتبر الشعر زينة وجمالاً للإنسان إلا أن وجوده أو كثافته فـي بعض مناطق الجسم قد يشوه المنظر ويذهب بالبهاء والحسن خاصة عند المرأة، كما أنه قد يكون وكراً لتجمع الأوساخ والقذر فـي مواضع معينة من الجسم.
ولهذا فقد تعددت طرق إزالة الشعر، وقد وجد لدى الناس من قديم الزمان طرق تقليدية لإزالته، ويوجد فـي الوقت الحاضر تقنيات طبية حديثة لإزالة الشعر، وأبرز الطرق التقليدية لإزالة الشعر:
1-إزالة الشعر بالحلاقة، وهذه الطريقة هي أشهر الطرق وأكثرها استعمالاً.
2-إزالة الشعر بالنتف إما باليد أو عن طريق ما يعرف بالشمع أو الحلاوة أو غيرهما.
3-اقتلاع الشعر بالملقاط، وهذه الطريقة تستخدم لإزالة الشعر القليل من مناطق محددة من الجسم.
4-مزيلات الشعر الكيميائية عن طريق مستحضرات طبية على شكل مراهم أو سوائل تحدث تحللاً فـي الشعر فـيتكسر على سطح الجلد(28).
وحكم إزالة الشعر يختلف باختلاف موضع الشعر المراد إزالته فقد يكون مندوباً إليه وقد يكون محرماً وقد يكون مباحاً ولذلك فقد قسم العلماء الشعور إلى ثلاث أقسام:
– القسم الأول: ما نص الشرع على تحريم إزالته.
– القسم الثاني: ما نص الشرع على طلب إزالته.
– القسم الثالث: ما سكت عنه الشرع(29).
أما ما نص الشرع على تحريم إزالته فكلحية الرجل فإنه يحرم إزالتها بحلق أو بغيره فـي قول أكثر العلماء(30)، “بل حكى بعض العلماء الإجماع عليه، قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: “اتفقوا على أن حلق جميع اللحية مثله لا تجوز”. ا. هـ(31).
وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله ــ: “لا أعلم أحداً من أهل العلم قال بجواز حلق اللحية”(32) ا. هـ(33).
وقد استدلوا بما جاء فـي الصحيحين(34) وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب)، وفـي لفظ للبخاري (أعفوا اللحى)، وفـي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة (أرخو اللحى)، وفـي رواية أخرى له (أوفوا اللحى).
قال النووي رحمه الله: فحصل خمس روايات: أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا، ومعناها كلها تركها على حالها هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه”. ا. هـ(35).
والمراد بإعفاء اللحية: تركها وعدم التعرض لها، وليس المراد بذلك: معالجتها بما يكثرها، وإن كان الإعفاء قد يطلق على التكثير كما قال البخاري فـي صحيحه(36) (باب إعفاء اللحى، وعفوا: كثروا وكثرت أموالهم) قال ابن دقيق العيد: “تفسير الإعفاء بالتكثير من إقامة السبب مقام المسبب؛ لأن حقيقة الإعفاء: الترك، وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها قال: ولا أعلم. أحداً فهم من الأمر فـي قوله (وأعفوا اللحى) “تجويز معالجتها بما يغزرها” اهـ(37).
وبناء على ذلك فإن معالجة اللحية بما يكثرها ويغزرها ومن ذلك زراعتها إن كان ذلك طلباً للحسن والظهور بمظهر معين فإن الأقرب فـيه: المنع لكونه يدخل فـي التغيير لخلق الله(38)، لأنه إذا كان أخذ شيء من شعر الحاجبين ــ وهو النمص قد عدّه النبي صلى الله عليه وسلم تغييراً لخلق الله فمن باب أولى زيادة شعر اللحية ــ طلباً للحسن ــ فـيه تغيير لخلق الله.
ولا يدخل فـي ذلك ما كان من باب العلاج وإزالة العيب كأن تتساقط اللحية لمرض أو حرق ونحو ذلك فتجوز زراعتها فـي هذه الحال كما سبق بيان ذلك.
ومما نص الشرع على تحريمه: النمص ففـي الصحيحين(39) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)… وما لي لا ألعنُ من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اتفق العلماء على تحريم النمص وإن اختلفوا فـي بعض القيود(40)، فذهب بعضهم إلى أنه محرم إلا إذا أذن الزوج بذلك فـيباح(41)، وذهب بعضهم إلى أن المحرم هو النتف، وأما الحلق فـيجوز، لأن النص إنما ورد فـي النتف(42)، وذهب بعضهم إلى أن النمص المحرم هو ما كان فـيه تدليس أو أنه شعار للفاجرات وما عداه يجوز(43).
والأقرب – والله أعلم – تحريم النمص مطلقاً سواء كان بطريق النتف أو بطريق الحلق، وسواء أذن فـيه الزوج أو لم يأذن، وسواء كان شعاراً للفاجرات أو لم يكن، وذلك لعموم النص، ولأن التقييدات المذكورة ليس عليها دليل ظاهر وإنما هي مبنية على علل لا تقف فـي مقابلة النص.
ولكن هل يختص النمص بشعر الحاجبين أو يشمل شعر الوجه؟ اختلف العلماء فـي ذلك على قولين:
القول الأول: أن النمص نتف الشعر من أي مكان من الوجه سواء كان من الحاجبين أو من غيرهما. وهذا هو المنصوص عليه من مذهب الحنابلة(44)، وقال به بعض الشافعية(45).
واستدلوا لذلك بما أن النص الوارد فـي تحريم النمص قد جاء عاماً وقد فشره بعض أهل اللغة بأخذ الشعر من الوجه(46).
القول الثاني: أن النمص خاص بأخذ شعر الحاجبين فقط وقال به
أبو داود صاحب السنن(47)، وبعض الفقهاء(48).
واستدلوا لذلك بأن حديث ابن مسعود قد ورد بلفظ (المتنمصات)، والمتنمصات جمع متنمصة وهي التي تطلب أن يُفعل بها التنمص، وهو من باب تفعل أو معناه التكلف والمبالغة فـي إزالة الشعر من الوجه، ولا تتحقق المبالغة فـي إزالة الشعر من الوجه إلا فـي الحاجبين؛ لأنهما المحل الطبيعي لظهور الشعر فـي وجه المرأة، فإذا بالغت المرأة فـي نتف شعر الحاجبين للتجمل والتحسين كأن تزيلهما كلياً أو ترققهما حتى يصيرا كالقوس أو الهلال فهو النمص المنهي عنه(49).
ولعل هذا القول الأخير – والله أعلم ــ هو الأقرب ويؤديه أن ظهور الشعر فـي وجه المرأة – فـي غير الحاجبين ــ يعتبر عيباً ونقصاً وما كان كذلك فـيبعد أن تكون المرأة منهية عن إزالته، ولهذا فإن الفهقاء أجازوا للمرأة إزالة اللحية والشارب بالنتف أو الحلق. والله أعلم.
وأما ما نص الشرع على طلب إزالته فكشعر الإبط والعانة والشارب.
أما شعر الإبط والعانة فقد أجمع العلماء على مشروعية نتف الإبط وحلق العانة(50) استناداً للأحاديث التي فـيها ذكر خصال الفطرة، وقد ذكراً من خصال الفطرة، ومن ذلك ما جاء فـي الصحيحين(51) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الفطرة خمس: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب).
وقد ذكر العلماء أن الأفضل أن يكون أخذ شعر الإبط والعانة كما جاء فـي الحديث أي بنتف الإبط وحلق العانة مع جواز إزالة الشعر بأي مزيل؛ لأن المقصود هو الإزالة، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “الاستحداد: حلق العانة، وهو مستحب؛ لأنه من الفطرة، ويفحش بتركه، وبأي شيء إزالة فلا بأس، لأن المقصود إزالته، قيل لأبي عبدالله – يعني الإمام أحمد ــ: ترى أن يأخذ الرجل سِفْلَتَه بالمقراض وإن لم يستقص؟ قال: أرجو أن يجزئ إن شاء الله، قيل له: ما تقول فـي الرجل إذا نتف عانته؟ قال: وهل يقوى على هذا أحد؟ وإن وطلى بالنورة(52) فلا بأس والحلق أفضل لموافقته الحديث الصحيح، ونتف الإبط سنة، لأنه من الفطرة يفحش بتركه، وإن أزال الشعر بالنّورة أو الحلق جاز والنتف أفضل لموافقته الخبر”. اهـ(53).
وأما الشارب فقد وردت السنة بمشروعية قصّه(54) ثم اختلف العلماء فـي كيفـية قصّه فذهب بعضهم إلى أن السنة فـي الشارب حلقه، وذهب آخرون إلى أن السنة إحفاؤه وكرهوا حلقه، قال ابن القيم رحمه الله: “اختلف السلف فـي قصّ الشارب وحلقه أيهما أفضل؟ فقال مالك فـي موطئه: يؤخذ من الشارب حتى تبدو أطراف الشفة وهو الإطار، ولا يجزُّه فـيمثل بنفسه،. وذكر ابن عبدالحكم عن مالك قال: يحفـي الشارب، ويعفـي اللحى، وليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى أن يؤدّب من حلق شاربه، وقال ابن القاسم عنه: إحفاء الشارب وحلقه عندي مثله، قال مالك: وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم فـي إحفاء الشارب إنما هو الإطار، وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه وقال: اشهد فـي حلق الشارب أنه بدعة، وأرى أن يوجع ضرباً من فعله؛ قال مالك: وكان عمر بن الخطاب إذا كربه أمر نفخ فجعل رجله بردائه وهو يفتل شاربه، وقال عمر بن عبدالعزيز: السنة فـي الشارب الإطار. وقال الطحاوي: ولم أجد عن الشافعي شيئاً منصوصاً فـي هذا، وأصحابه الذين رأينا المزنيُّ والربيعُ كانا يُحفـيان شواربهما، ويدل ذلك على أنهما أخذاه عن الشافعي رحمه الله، قال: وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد، فمكان مذهبهم فـي شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير، وذكر ابن خويز منداد المالكي عن الشافعي أن مذهبه فـي حلق الشارب كمذهب أبي حنيفة، وهذا قول أبي عمر. وأما الإمام أحمد، فقال الأثرم: رأيت الإمام أحمد بن حنبل يُحفـي شاربه شديداً، وسمعته يُسأل عن السنة فـي إحفاء الشارب؟ فقال: يُحفى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أحفوا الشَّوارب) وقال حنبل: قيل لأبي عبدالله: ترى الرجل يأخذ شاربه، أو يُحفـيه؟ أم كيف يأخذه؟ قال: إن أحفاه، فلا بأس، وإن أخذه قصاً فلا بأس. وقال أبو محمد بن قدامة المقدسي فـي “المغني”: وهو مخير بين أن يُحفـيه، وبين أن يقصه من غير إحفاء. قال الطحاوي: وروى المغيرة ابن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من شاربه على سواك(55)، وهذا لا يكون معه إحفاء. واحتج من لم ير إحفاءه بحديثي عائشة وأبي هريرة المرفوعين (عشر من الفطرة … فذكر منها قَصَّ الشَّارب)(56). وفـي حديث أبي هريرة المتفق عليه (الفطرة خمسٌ…)(57) وذكر منها قص الشارب.
واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء، وهي صحيحة، وبحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَجُزُّ شاربه(58). قال الطحاوي: وهذا الأغلب فـيه الإحفاء، وهو يحتمل الوجهين. وروى العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة يرفعه (جُزُّوا الشَّواربَ، وأرْخُوا اللِّحَى) (59). قال: وهذا يحتمل الإحفاء أيضاً، وذكر بإسناده عن أبي سعيد، وأبي أسيد، ورافع بن خديج، وسهل بن سعد، وعبدالله بن عمر، وجابر، وأبي هريرة أنهم كانوا يُحفون شواربهم. وقال إبراهيم بن محمد بن حاطب: رأيت ابن عمر يُحفـي شاربه كأنه يَنْتِفُه. وقال بعضهم: حتى يُرى بياض الجلد”. اهـ(60).
والذي يظهر ــ والله أعلم ــ أن حلق الشارب غير مشروع بل هو مكروه، قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله: “إنما فـي هذا الباب أصلان، أحدهما: أحفوا الشوارب، وهو لفظ مجمل محتمل للتأويل، والثاني: قصوا الشوارب، وهو مفسر، والمفسر يقضي على المجمل …، وهو عمل أهل المدينة، وهو أولى ما قيل به فـي هذا الباب” اهـ(61).
على أن إحفاء الشارب يحتلم أن يراد به القص والاستئصال الذي لا يستوعب جميع شعر الشارب، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “وكان ابن عمر “يحفـي شاربه حتى ينظر إلى بياض الجلد”(62)، لكن كل ذلك محتمل لأن يراد بن استئصال جميع الشعر النابت على الشفة العليا، ومحتمل لأن يراد به استئصال ما يلاقي حمرة الشفة من أعلاها ولا يستوعب بقيتها، نظراً إلى المعنى فـي مشروعية ذلك وهو مخالفة المجوس، والأمن من التشويش على الآكل وبقاء زهومة المأكول فـيه، وكل ذلك يحصل بما ذكرنا، وهو الذي يجمع مفترق الأخبار الواردة فـي ذلك، وبذلك جزم الداودي فـي شرح أثر ابن عمر المذكور، وهو مقتضى تصرف البخاري؛ لأنه أورد أثر ابن عمر وأورد بعده حديثه وحيث أبي هريرة فـي قص الشارب، فكأنه أشار إلى أن ذلك هو المراد من الحديث” اهـ(63).
وبناءً على ذلك فالسنة فـي الشارب إما قص أطرافه مما يلي الشفة حتى تبدو، أو إحفاؤه وذلك بالمبالغة فـي قصّه بحيث ينظر إلى لون الجلد، والله أعلم.
وأما ما سكت عنه الشرع فلم يرد فـيه نص يدل على تحريم إزالته ولم يرد فـيه نص يدل على جواز إزالته وذلك كشعر اليدين والساقين والفخذين والبطن والظهر ونحوها فأكثر الفقهاء على جواز إزالته بأي مزيل(64)، لحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (…. وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها) (65)، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: “يعني أنه سكت عن ذكرها رحمة بعباده ورفقاً حيث لم يحرمها عليهم حتى يعاقبهم على فعلها، ولم يوجبها عليهم حتى يعاقبهم على تركها، بل جعلها عفواً، فإن فعلوها فلا حرج عليهم وإن تركوها فكذلك”. اهـ(66).
المبحث الرابع: حكم إزالة الشعر بالتقنيات الطبية الحديثة
سبق الحديث مفصلاً فـي المبحث الثالث عن أحكام إزالة الشعر بالطرق التقليدية..، وفـي هذا المبحث سيكون الحديث عن أحكام إزالة الشعر بالتقنيات الطبية الحديثة، وقبل الشروع فـي بيان هذا الأحكام يحسن إعطاء نبذة عن هذه التقنيات.
وأبرز التقنيات الطبية الحديثة لإزالة الشعر:
1- التحليل الكهربائي:
يقوم المبدأ الأساسي لهذه الطريقة على إدخال تيار كهربائي عبر قناة الشعرة لحرق الجذر، فلا تنمو الشعرة بعد ذلك، ويتم ذلك عن طريق توصيل إبرة بتيار كهربائي ثم غرسها فـي بصيلة الشعر فإذا وصل التيار فـي البصيلة أضعفها، ومع تكرار هذا الإجراء فإن البصيلة لا تصبح قادرة على النمو أي أن هذه الطريقة تقضي على البصيلة المستهدفة نهائياً وتسهم فـي إزالة الشعر بشكل دائم.
2- إزالة الشعر بالليزر:
يقوم الليزر (Laser) بتوليد حزمة قوية مركزة من الضوء يتم توجيهها بشكلٍ دقيق إلى هدف معين بحيث تكون قادرة على إحداث آثار مختلفة، وفـي إزالة الشعر يتم تسليط ضوء الليزر على الجلد الذي يحوي بصيلات الشعر، فنقوم الخلايا الصبغية (الميلانين) فـي البصيلات بامتصاص الضوء وتحويله إلى حرارة مما ينتج عنه تلف البصيلة، ورغم ذلك فإن إزالة الشعر بالليزر ليست دائمة وإنما هي طويلة الأمد.
3- إزالة الشعر بالضوء:
لا تختلف طريقة إزالة الشعر بالضوء كثيراً عن طريقة إزالته بالليزر، إذ تقوم فكرة إزالة الشعر بالضوء على استعمال ضوء ذي طولي موجي معين يتم امتصاصه بواسطة صبغة الميلانين الموجودة فـي جذور الشعر فتتحول الطاقة الضوئية إلى طاقة حرارية تدمر جذور الشعر ورغم تشابه الليزر والضوء فـي العمل إلا أن هناك فرقاً من ناحية الفعالية والمضاعفات ويفضل كثير من المختصين الليزر على الضوء(67).
وأما حكم إزالة الشعر بالتقنيات الطبية والحديثة فما نص الشرع على تحريم إزالته فـيحرم إزالته بأي مزيل سواء كان بالتقنيات الطبية الحديثة أو بغيرها، وذلك كشعر اللحية والحاجبين.
وأما ما نص الشرع على طلب إزالته ففـيه تفصيل:
– يجوز إزالة شعر الإبط بالتقنيات الطبية الحديثة من الليزر والضوء والتحليل الكهربائي لأن المقصود إزالة شعر الإبط بأي مزيل، وإزالته بالتقنيات الطبية الحديثة يحقق هذا المقصود.
– وأما شعر العانة فلا يجوز إزالته بالتقنيات الطبية الحديثة، لأن ذلك لابد أن يقترن بكشف العورة المغلظة، وليس هناك ضرورة أو حاجة لكشفها، فبالإمكان أن يزيل الإنسان شعر عانته بالطرق التقليدية، ومن المقرر عن العلماء أن كشف العورة لا يجوز إلا لضرورة أو حاجة تقتضي ذلك(68).
وأما شعر الشارب فقد سبق فـي المبحث الثالث تقرير القول بكراهة حلق الشارب، وإزالة الشعر بالتقنيات الطبية الحديثة فـي معنى الحلق بل هي أشد منه فـيكون أولى بالكراهة.
وأما ما سكت عنه الشرع كشعر اليدين والساقين والفخذين والبطن والظهر ونحوها فقد سبق تقرير القول بجواز إزالته، وبناء على ذلك يجوز إزالته بالتقنيات الطبية الحديثة كالليزر والتحليل الكهربائي والضوء، على أن جميع ما ذكر من جواز إزالة الشعر بالتقنيات الطبية الحديثة مقيد بما لا ضرر فـيه على الإنسان(69). أما ما كان فـيه ضرر فلا يجوز استخدامه خاصة مع وجود البدائل الكثيرة والمتنوعة من المزيلات. والله أعلم.
خاتمة البحث
في خاتمة هذا البحث ألخص النتائج التي توصلت إليها فـيما يأتي:
1-اتفق العلماء على تحريم وصل الشعر فـي الجملة، واختلفوا فـي المعنى الذي لأجله حرم الوصل، والذي ترجح للباحث انه التدليس والغش، وينبني على ذلك تحريم وصل الشعر بشعر آدمي، أما وصله بغير شعر آدمي فإن كان الموصول به لا يشبه الشعر الطبيعي بحيث يدرك الناظر لأول وهلة أنه غير طبيعي فلا بأس به سواء كان الوصل بشعر أو صوف أو وبر أو خيوط أو غير ذلك، أما إذا كان الموصول به يشبه الشعر الطبيعي بحيث يظن الناظر إليه أنه شعر طبيعي فـيحرم الوصل به لتحقق علة تحريم الوصل فـيه.
2-اختلف العلماء فـي حكم زراعة الشعر فمنهم من قال بالجواز ومنهم من قال بالتحريم والذي ترجح للباحث هو القول بالجواز، وليس لمن قال بالتحريم حجة سوى قياسه على الوصل المحرم شرعاً، وقد بيّن الباحث الفرق بين زراعة الشعر والوصل من ستة وجوه.
3-القول بجواز زراعة الشعر مقيد بما إذا كان يقصد بها إزالة العيب وردّ ما خلقه الله، أما إذا كان يقصد بها طلب الحسن والتجمل فلا تجوز.
4-يحرم إزالة شعر اللحية بالحلق أو بأي مزيل وتجوز معالجتها بما يكثرها ويغزرها إن كان ذلك من باب العلاج وإزالة العيب، ولا يجوز ذلك إذا كان طلباً للحسن والتجمل.
5-يحرم النمص سواء كان بطريق النتف أو الحلق أو غيره، ويختص النمص بأخذ شعر الحاجبين فقط دون شعر الوجه على ما ترجح للباحث.
6-يسن نتف شعر الإبط وحلق شعر العانة، ويجوز إزالتهما بأي مزيل.
7-السنة فـي شعر الشارب إما قص أطرافه مما يلي الشفة حتى تبدو أو إحفاؤه وذلك بالمبالغة فـي قصه بحيث يبد وللناظر لون الجلد، ويكره حلقه أو استئصال شعره بأي مزيل.
8-أبرز التقنيات الطبية الحديثة لإزالة الشعر: التحليل الكهربائي والليزر والضوء، وما كان يحرم إزالته من الشعر كشعر اللحية وشعر الحاجبين فإن يحرم استخدام هذه التقنيات فـي إزالة هذا الشعر، ويجوز استخدامها فـي إزالة شعر الإبط، ويحرم ذلك فـي إزالة شعر العانة لما يرتبط به من كشف العورة من غير ضرورة، ويكره استخدامها فـي إزالة شعر الشارب قياساً على كراهة حلق الشارب بل هي أشد من الحلق، ويجوز استخدامها فـي إزالة ما سكت عنه الشرع كشعر اليدين والساقين والفخذين والبطن والظهر ونحو ذلك.
9-جميع ما ذكر من جواز إزالة الشعر بالتقنيات الطبية الحديثة مقيد بما لا ضرر فـيه على الإنسان، أما ما كان يترتب عليه ضرر فلا يجوز استخدام هذه التقنيات فـيه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات،،،
———————————————
(1) ينظر: حاشية ابن عابدين (6/373)، قوانين الأحكام الفقهية (ص482)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/394)، الأم (1/54)، المجموع (3/132)، المغني (1/130)، الشرح الكبير على المقنع (1/262).
(2) صحيح البخاري (10/374)، حديث رقم [3759]، صحيح مسلم (14/105)، حديث رقم [2124].
(3) صحيح البخاري (10/374)، حديث رقم [5934]، صحيح مسلم (14/105)، حديث رقم [2123].
(4) صحيح مسلم (14/103)، حديث رقم [2122].
(5) صحيح البخاري (10/374)، حديث رقم [5938]، صحيح مسلم (14/109)، حديث رقم [2127].
(6) صحيح البخاري (10/374)، حديث رقم [5938]، صحيح مسلم (14/108)، حديث رقم [2127].
(7) ينظر: المنتقى للباجي (7/267)، شرح الزرقاني على الموطأ (4/335).
(8) ينظر: المحلى (11/298).
(9) سورة النساء، الآية (119).
(10) أخرجه البخاري فـي صحيحه (10/372)، حديث رقم [5931]. ومسلم فـي صحيحه (14/105)، حديث رقم [5573].
(11) ينظر: الفتاوى الهندية (5/358)، حاشية ابن عابدين (3/373).
(12) ينظر: حاشية ابن عابدين (3/373).
(13) ينظر: المجموع (3/132)، نهاية المحتاج (2/24).
(14) ينظر: الشرح الكبير (11/263)، كشاف القناع (1/81).
(15) صحيح البخاري (10/374)، حديث رقم [5938]، صحيح مسلم (14/109)، حديث رقم [2127].
(16) شرح النووي على صحيح مسلم (14/103).
(17) القرامل: ضفائر من شعر أو صوف تصل به المرأة شعرها. انظر: النهاية (4/51).
(18) ينظر: أحكام جراحة التجميل للدكتور محمد شبير، منشور ضمن كتاب دراسات فقهية فـي قضايا طبية معاصرة (2/536).
(19) ينظر: الصلع ومشاكل الشعر لجمال جمعة (ص24، 25)، العمليات الجراحية وجراحة التجميل لمحمد رفعت (ص149)، جمالك وجراحة التجميل لنبيل الصالحي (ص24).
(20) فتاوى علماء البلد الحرام (ص1185)، فتاوى الشيخ ابن عثيمين، كتاب الدعوة (2/74،75).
(21) ينظر: الجراحة التجميلية (دراسة فقهية) لصالح الفوزان (ص135) (رسالة دكتوراة).
(22) ينظر: الجراحة التجميلة (دراسة فقهية) لصالح الفوزان (ص135) (رسالة دكتوراة).
(23) أخرجه البخاري فـي صحيحه (9/502)، حديث رقم [3464]، ومسلم فـي صحيحه (18/97)، حديث رقم [2964].
(24) ينظر: فتاوى الشيخ محمد العثيمين، كتاب الدعوة (2/74، 75)، حكم التشريح وجراحة التجميل فـي الشريعة الإسلامية للسرطاوي، مجلة دراسات، العدد الثالث، (ص149).
(25) شرح النووي على صحيح مسلم (14/107).
(26) ينظر: أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها للشنقيطي (ص186).
(27) ينظر: الجراحة التجميلية (دراسة فقهية) لصالح بن محمد الفوزان (ص136، 137).
(28) ينظر: الجراحة التجميلية للزائدي (ص65)، الجراحة التجميلية للفوزان (ص151، 152).
(29) ينظر: فتاوى المرأة المسلمة (2/538)، فتوى الشيخ ابن عثيمين.
(30) وهو المشهور من مذهب الحنفـية والمالكية والحنابلة، وقول عند الشافعية. انظر: فتح القدير لابن الهمام (2/348)، شرح الزرقاني على مختصر خليل (1/61)، كشاف القناع (1/64)، نهاية المحتاج (8/21،149).
(31) مراتب الإجماع (ص157).
(32) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز (3/373).
(33) ولكن المسألة ليست محل إجماع فقد نقل عن القاضي عياض وبعض الشافعية القول بالكراهة، وقد حملوا الأمر بإعفاء اللحى على الندب فـيكون حلقها مكروهاً، ولكن ليس هناك قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب والأصل فـي الأمر أنه يقتضي الوجوب. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (3/151)، مغني المحتاج (4/297)، الشعر فـي الفقه الإسلامي لمبارك الدعيلج (ص621، 622).
(34) صحيح البخاري (7/206)، حديث رقم [5892]، صحيح مسلم (1/222)، حديث رقم [259].
(35) شرح النووي على صحيح مسلم (3/151).
(36) صحيح البخاري (10/351)، حديث رقم [5893].
(37) ينظر: فتح الباري (10/351)، فـيض القدير (1/198).
(38) ينظر: الجراحة التجميلية للفوزان (ص148).
(39) صحيح البخاري (10/378)، حديث رقم [5943)، صحيح مسلم (3/1678)، حديث رقم [2125].
(40) ينظر: حاشية ابن عابدين (6/373)، قوانين الأحكام الفقهية (ص482)، المجموع (3/135)، المغني (1/94).
(41) ينظر: البحر الرائق (8/233)، حاشية ابن عابدين (6/373).
(42) وقد نصّّ عليه الإمام أحمد. انظر: المستوعب (1/263)، الشرح الكبير (1/263)، الفروع (1/108)، الإنصاف (1/271).
(43) ينظر: أحكام النساء لابن الجوزي (ص339)، الإنصاف (1/270).
(44) ينظر: الشرح الكبير على المقنع (1/263)، كشاف القناع (1/69).
(45) ينتظر: شرح النووي على صحيح مسلم (14/106)، فتح الباري (10/377).
(46) ينظر: تهذيب اللغة للأزهري (12/212)، لسان العرب (6/4548).
(47) سنن أبي داود (4/399).
(48) ينظر: المجموع (3/141).
(49) ينظر: أحكام جراحة التجميل للدكتور محمد شبير (2/546)، (منشور ضمن: دراسات فقهية فـي قضايا طبية معاصرة).
(50) وقد نقل هذا الإجماع ابن عبدالبر فـي التمهيد (21/68)، والنووي فـي المجموع (1/355،356)، والشوكاني فـي نيل الأوطار (1/109)، وقد أغرب أبو بكر بن العربي فرأى وجوب ذلك، وعامة العلماء على أنه مستحب، انظر: فتح الباري (10/339).
(51) صحيح البخاري (10/334)، حديث رقم [5889]، صحيح مسلم (1/221)، حديث رقم [257].
(52) النورة بضم النون وفتح الراء: حجر كلسي يطحن ويخلط بالماء ويُطلى بالشعر فـيسقط. معجم لغة الفقهاء (ص490).
(53) المغني (1/117، 118)، وانظر: الشرح الكبير (1/253، 254).
(54) فـي قوله صلى الله عليه وسلم “الفطرة خمس” وذكر منها “قصّ الشاب” وقد سبق تخريجه. (ص 16 ).
(55) أخرجه أبو داود فـي سننه (88)، وأحمد فـي مسنده (4/252).
(56) أخرجه مسلم فـي صحيحه (261).
(57) سبق تخريجه، (ص 16).
(58) أخرجه الترمذي فـي جامعه (2761)، والطحاوي فـي شرح معاني الآثار (4/230).
(59) أخرجه مسلم فـي صحيحه (260).
(60) زاد المعاد (1/179ــ 181).
(61) التمهيد (21/66).
(62) أخرجه البخاري فـي صحيحه (10/334) معلقاً له بصيغة الجزم، وقال الحافظ فـي الفتح (10/335): وصله أبو بكر الأثرم من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن ابن عمر اهـ.
(63) فتح الباري (10/348).
(64) وقد أفتى بذلك الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله. انظر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد العثيمين (4/134).
(65) أخرجه الدار قطني فـي سننه (4/184)، والبيهقي فـي السنن الكبرى (15/12)، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: “هذا الحديث من رواية مكحول عن أبي ثعلبة الخشني، وله علتان، إحداهما: أن مكحولاً لم يصح له السماع عن أبي ثعلبة، كذلك قال أبو شهر الدمشقي وأبو نعيم الحافظ وغيرهما، والثانية: أنه اختلف فـي رفعه ووقفه على أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول من قوله، لكن قال الدار قطني: الأشبه بالصواب: المرفوع، قال: وهو أشهر، وقد حسن الشيخ رحمه الله ــ أي النووي ــ هذا الحديث، وكذلك حسن قبله الحافظ أبو بكر السمعاني فـي أماليه، وقد روي معنى هذا الحديث مرفوعاً من وجوه أخر” اهـ. جامع العلوم والحكم (ص33).
(66) جامع العلوم والحكم (ص347).
(67) ينظر: مشاكل الجلد والشعر (ص197)، الجراحة التجميلية للزائدي (ص65)، الجراحة التجميلية للفوزان (ص152، 156).
(68) ينظر: الجراحة التجميلية للفوزان (ص173، 174).
(69) ينظر: فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، كتاب الدعوة (1/258)، الجراحة التجميلية للفوزان (ص176).
المصدر: موقع المسلم.