بقلم خالد مصطفى – موقع المسلم.
لا زالت تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا تضرب أروع الأمثلة في كيفية العمل السياسي المنضبط في عالم يُعرّف السياسة بأنها “لعبة قذرة”…
فلم يكتف هذا الحزب الذي خرج للنور قبل 15 عاما تقريبا وتمكن من الوصول للحكم بعد 15 شهرا فقط من إنشائه, من إعادة الهوية الإسلامية إلى تركيا والتي غابت عنها منذ بداية القرن الميلادي الماضي على أيدي أتاتورك, بل حقق انجازات تاريخية على الصعيد الاقتصادي بعد أن سدد جميع ديون البلاد وضاعف من دخل الفرد 5 مرات في سنوات قليلة وضاعف من الصادرات عدة مرات وأدخل تركيا التي كانت على وشك الإفلاس في ظل الحكومات اليسارية والليبرالية المتعاقبة, إلى قائمة أقوى الاقتصاديات في العالم وتحديدا في أوروبا, وحقق انجازات تاريخية على الصعيد السياسي باحتفاظه بالسلطة في ظل انتخابات نزيهة لمدة 14 سنة متعاقبة وبفارق كبير عن أقرب من منافسيه..الآن هذا الحزب يضرب أروع الأمثلة في شرف الخلاف السياسي بين زعيمه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الحزب رئيس الوزراء داود أوغلو الذي قرر تقيديم استقالته ودعا لمؤتمر استثنائي للحزب لاختيار قيادة جديدة…
لا شك أن هناك خلافات بين الرجلين وهو أمر طبيعي في عالم السياسة الذي يموج بالاجتهادات والآراء المتباينة حول نفس الموضوع ومع وجود أزمات كبيرة تشهدها المنطقة وتشهدها تركيا نفسها جراء الحرب السورية وتداعياتها وهجمات حزب العمال الكردستاني في الداخل وقضية اللاجئين السوريين, كل هذا قد يؤدي حتما إلى وجود خلافات.. وقد تعددت التحليلات بشأن الخلاف الذي دفع أوغلو لتقديم استقالته فالبعض ذكر مسألة تعديل الدستور وتحويل النظام في البلاد إلى رئاسي كما يريد أردوغان أو بقائه كما هو كما يفضل أوغلو والبعض ذكر أمورا أخرى قديمة منذ أيام الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلا أن المهم هنا هو كيف تم إدارة الخلاف وموقف الرجلين…
لم ينطق كلا الرجلين بأي كلمة فيها قدح أو ذم في الآخر كما يفعل بقية السياسيين عند خلافهما ليس فقط في عالمنا العربي بل في العالم الغربي أيضا, بل حرص كل منهما على إظهار التقدير للآخر؛ فمن ناحيته اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن داود أوغلو اتخذ قراره بنفسه، وقال أردوغان “فليكن الخير، لقد كان قراراً اتخذه داود أوغلو بنفسه”..
وأضاف أردوغان قال خلال تعليقه على قرار داود أوغلو بالتنحي، بأن الأخير هو من قال له “فلنذهب إلى مؤتمر عام للحزب، وأنا أيضاً لن أترشح لرئاسة الحزب”, وتابع: “وافقت على ذلك، لأن الأمور ستكون هكذا أفضل، الإطالة ستخلق أزمات، فالأمر كان سيحدث في النهاية”…..أما أوغلو فكان في قمة اللياقة عندما قال: إنه تجمعه علاقة صداقة قوية بأردوغان، وحذر من “التفوه ضده بكلمة، فشرفه هو شرفي وكلي ثقة به بعد عمل 25 عاما”.
وأوضح أوغلو أنه قرر تغيير منصبه بدلا من تغيير رفقائه في حزب العدالة والتنمية…هذه الطريقة الراقية في حل الخلاف السياسي لاقت ترحيبا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي حيث أشاد بها عدد كبير من النشطاء الذين أكدوا على معدن أوغلو وتقديمه مصلحة البلاد على مصلحته الشخصية..وعلق المفكر الإسلامي السوري عبد الكريم بكار، قائلا أن ” أحمد داود أوغلو أظهر أنه رجل استراتيجية من الطراز الرفيع، وهو ينهي رئاسته للوزراء بنفسه وبدرجة أخلاقية عالية من المروءة والوفاء”….
وفي تدوينة له على صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك” قال الإعلامي الفلسطيني عز الدين إبراهيم: إن “خطاب داود أوغلو الوداعي نموذج للشرف والنزاهة وتقديم المصلحة العامة على مصلحته الشخصية،حفظ الودّ ولم ينتصر لشخصه رغم حجم التعاطف الكبير معه”…
أما المفكر العربي محمد مختار الشنقيطي فقال: إن “أردوغان رجل كاريزما وقيادي بارع، و داود أوغلو مفكر استراتيجي عظيم، أتمنى أن يظلا يسيران معا لمصلحة تركيا والأمة الإسلامية كلها”…وقال عضو الائتلاف السوري المعارض محمد السرميني في تدوينة له ” يكفي تركيا فخرا ان لديها زعيم كرئيس الوزراء الحالي في حين أن المجرم الاسد قتل السوريين وهجرهم ودمر البلد ليبقى في منصبه ولو على جثثنا”….
المصدر: موقع المسلم.