مقالات

القمم الإسلامية تتنكر لسنة العراق!

بقلم الشيخ فاروق الظفيري

منذ سنين وأنا لا أتابع القمم التي تعقدها الجامعة العربية ولا منظمة المؤتمر الإسلامي؛ لأنها (غمٌّ) على الأمة وليست قمماً! وعدم اكتراث الشارع العربي والإسلامي بها لأنها لم تلبِّ أدنى متطلبات شعوبها وطموحاتهم وكانت في أقل أحوالها مؤتمرات واجتماعات ديكورية لا تساوي سعر الحبر الذي كتب على ورقها .

تعالَوا معي لنطَّلع على الفقرات الخمس التي تخص العراق في البيان الختامي لمؤتمر القمة الإسلامي الثالث عشر الذي عُقد في إسطنبول، والذي تنكَّر لقضية سُنة العراق ولم يذكرها بشيء أبداً وكأنهم من عالم آخر.

استذكر المؤتمرُ القرار 42/42- س بشأن الجرائم المرتكبة من قِبل كيان داعش الإرهابي وأعرب عن دعمه الكامل للحكومة العراقية في جهودها للقضاء على هذه الجماعة الإرهابية واستعادِة الأراضي التي تحتلها. ودعا الدولُ الأعضاء كافة إلى المساهمة في إعادة إعمار المناطق التي تم تحريرها. كما دعا المؤتمر الأمين العام إلى مواصلة جهوده لعقد مؤتمر مكة الثاني لتعزيز المصالحة الوطنية في العراق.

وردنا على هذه الفقرة: لا خلاف بيننا في استنكار جرائم داعش وما فعلته في تدمير القضية السنية قبل غيرها وهي تدَّعي أنها جاءت لحماية أهل السنة… إلخ. لكن المحزن المبكي كيف يغض الطرفَ هكذا وبشكل سافر عن جرائم الميليشيات الشيعية الإرهابية التي تفاقمت جرائمها بحق أهل السنة والعراقيين عموماً بشكل يزكم الأنوف، وتكلمت في جرائمها بالشكل الصريح كثير من الدول ومنظمة العفو الدولية والمنظمات الحقوقية العالمية مثل هيومن رايتس والمنظمات الحقوقية المحلية إضافة إلى العلماء والدعاة والأكاديميين؛ بل الأوضح من ذلك هم يصورون جرائمهم بحق أهل السنة وينشرونها من باب التفاخر!

كيف لِقمةٍ إسلامية تتنكر لكل جرائم الإبادة الجماعية بحق أهل السنة من قبل هذه الميليشيات الشيعية الإرهابية ولم يأت لها في البيان ذكر؟ أيعقل إلى هذا الحد بلغ التأثير الإيراني أو قل الأمريكي بشكل أفصح!

ثم الأمر الآخر في هذه الفقرة، وهو دعمهم الكامل لما يسمى بالحكومة العراقية في حربها على الإرهاب. كيف يمكن أن تتنكر هذه القمة لكل الاتهامات الفاضحة لهذه الحكومة الطائفية الإجرامية التي دمرت البلد وقتلت أهل السنة، وهي التي أخرجت داعش من السجون، وهي التي أدخلت داعش في المناطق السنية لتدمير ما تبقى من انتفاضتها بعد ضربها بالحديد والنار…؟ والحكومة العراقية تبنَّت الميليشيات الإرهابية رسمياً؛ فهي المسؤولة عن جرائم هذه الميليشيات الإرهابية.

يعني بالمختصر المفيد: وصلت الرسالة إلى الحكومة الإرهابية في بغداد وميليشياتها الإجرامية أنْ أكملوا طريقكم في القضاء على أهل السنة بحجة داعش. وهذه الفقرة أعطت الشرعيةَ والدعمَ الواضحَ لهذه الحكومة الإرهابية وتبرئ ساحتها من كل الاتهامات! وهذه الفقرة واضح جداً فيها التأثير الأمريكي.

جدد المؤتمر التأكيد على دور العراق في محاربة داعش وفي إحلال السلم والاستقرار الدائمين في المنطقة. وأعرب في هذا الصدد عن دعمه للعراق في جهوده لتحقيق الوحدة السياسية والأمن والاستقرار. وهذه الفقرة هي تكرار لسابقتها والتأكيد عليها.

(69) أدان المؤتمر العمل الإجرامي لعصابات داعش الإرهابية باستخدام الأسلحة الكيمياوية (غاز الخردل) ضد السكان المدنيين في مدينة (تأزة) بمحافظة كركوك العراقية باعتبارها جريمةً ضد الإنسانية.

في الحقيقة لا يوجد إثبات فعلي بأن داعش استخدمت غاز الخردل؛ بل هناك اتهامات كثيرة بأن الحكومة وميليشياتها هي التي استخدمت هذا الغاز، وكذلك وُجِّه الاتهام بالإجرام فقط لداعش ولم يوجَّه أي اتهام للميليشيات الشيعية الإرهابية!

(70) استذكر المؤتمرُ البيانَ الوزاري الصادر عن مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة بشأن “المختطفين القطريين في جمهورية العراق” والذي استنكر هذا العمل ووصفه بالعمل الإرهابي، واعتبره خرقاً صارخاً للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعلى وجه الخصوص القرار 2133 (2014)، وطالب حكومة العراق بتحمل مسؤولياتها وإطلاق سراح المخطوفين وتقديم مرتكبي هذا العمل للعدالة. كما أكد المؤتمر على التضامن التام مع حكومة دولة قطر في جميع الإجراءات التي تتخذها في هذا الشأن، وطالب الأمين العام للمنظمة بمتابعة تنفيذ هذا البيان.

في هذه الفقرة إغفال متعمَّد لذكر اسم الميليشيا التي اختطفت القطريين وهي معروفة! وبالمقابل نسي مؤتمر القمة (أو تناسى متعمداً) اختطاف أكثر من 1400 مواطن سني أنباري في سيطرة الرزازة من قِبَل الميليشيات الإرهابية وبعلم الحكومة التي علمت اسم الميليشيا ومكان الاحتجاز بعد ذلك ولم تفعل الحكومة شيئاً حتى الآن… ألهذا الحد أصبح دم السني رخيصاً؟

 (71) أعرب المؤتمر عن بالغ قلقه إزاء الوضع في الفلوجة بسبب سيطرة تنظيم “داعش” عليها، ودعا الحكومة العراقية إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير وإلى الاهتمام اللازم بالوضع الإنساني الخطير في محافظة الأنبار، ولا سيما بأوضاع سكان الفلوجة، والعمل بعناية على توفير ممرات آمنة للسكان المحاصرين. كما دعا المؤتمرُ الدولَ الأعضاءَ والمنظمات الإنسانية غير الحكومية إلى تقديم الدعم للحكومة العراقية في ما تبذله من جهود لتوفير المساعدة الضرورية العاجلة للتخفيف من معاناة المدنيين داخل هذه المدينة.

وفي هذه الفقرة أيضا أغفل البيان بشكل فاضح دور الحكومة الطائفية وميليشياتها الإرهابية في قتل العوائل وتدمير المدينة بالقصف الجوي بالبراميل المتفجرة والقصف المدفعي إضافة إلى الحصار الإجرامي منذ أكثر من 8 أشهر الذي جعل هذه المدينة منكوبةً بكل معنى الكلمة .

والمصيبة أنهم يدعون الدول والمنظمات الإنسانية لتقديم الدعم للحكومة الطائفية على ما تبذله من جهود لتوفير المساعدة الضرورية العاجلة للتخفيف عن معاناة المدنيين في المدينة حسب زعمهم!

والله! إني لأعجب من هذه المغالطات الفاضحة جداً! إذا كانت حكومة بغداد هي التي تبذل جهودها في سبيل توصيل المساعدات لأهل المدينة فقولوا لي بربكم من الذي يحاصر المدينة ويمنع عنها الغذاء والدواء والوقود والكهرباء والماء وحليب الأطفال؟ إنه لعَجَب من هذا الكلام الشنيع والتبرير الواضح الفاضح لهذه الحكومة الإرهابية في الاستمرار بقتلنا !

ثم مع الأسف لم يذكروا بأي فقرة من الفقرات حالَ أكثر من 7 ملايين نازح ومهجَّر في الداخل والخارج غالبهم الأعظم من أهل السنة الذين شُردوا من ديارهم بسبب الإجرام الداعشي الميليشياوي وتعرضوا لأبشع إذلال في التاريخ؛ فالنازحون منهم في داخل البلد يعيشون في المخيمات وفي الهياكل وعلى الطرقات في مأساة قلَّ مثلها وتنكرت لهم الحكومة المركزية بل منعت كثيراً منهم من دخول بغداد إلا بكفيل في سابقة لم تحدث في مكان في العالم، وهم يعيشون أوضاع الذل والفقر والمهانة تتندر عليهم المنظمات الإغاثية بشيء من الطعام والملبس بعد أن كانوا هم الكرام على باقي الناس، وفقد جيلٌ كامل منهم الدراسة بسبب التهجير القسري.

كذلك هناك أكثر من مليوني مهجَّر في خارج البلد يعيشون أوضاعاً مأساوية بكل معاني الكلمة، كل ذلك تنكرت له القمة الإسلامية ولم يذكروهم بشيء مثلما ذكروا أهلنا وإخواننا في الشام.

إنها جريمة بحق أهل السنة من هذه القمة التي أغفلت كلَّ مظلوميتهم ووجهتها لداعش فقط وكأنها تتهم أهل السنة بالدعشنة، وبالمقابل التبرير الفاضح للحكومة الإرهابية في بغداد وميليشياتها الإجرامية، والرسالة وصلت إلى حكومة بغداد الطائفية وميليشياتها الإرهابية أن افعلوا ما تريدون فلا حساب عليكم.

هكذا عليكم أن تعرفوا يا سنة العراق أنكم لا بواكي لكم وأنتم على هامش التاريخ أصبحتم!

هكذا يجازى أهل السنة في العراق وهو الذين أوقفوا زحف المشروع الصفوي سنين طوالاً بدماء أبنائهم، واوقفوا المشروع الأمريكي كذلك، أن تجازيهم الدول الإسلامية في قمتها الأخيرة بالاستغفال التام وكأن شيئاً لم يحدث لهم؛ بل كأن لا وجود لهم في خريطة العراق!

هل وصلت الضغوط الأمريكية بإغفال مظلومية أهل السنة والتستر على جرائم الحكومة وميليشياتها الى هذا الحد؟

                             لمثل هذا يذوب القلب من أسف                  إن كان في القلب إسلام وإيمان

المصدر: موقع مجلة البيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى