بقلم د. ياسر عبد التواب
وها قد قرب شهر الصيام فإننا نود أن نذكر بأهمية تحفيز الناس على الصوم والاجتهاد في التعاون على البر والتقوى في هذه الأيام.
فقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال: {.. وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) سورة المائدة
فينبغي على كل مسلم أن يأخذ على عاتقه تشجيع الناس على الالتزام بالأوامر الشرعية والواجبات الدينية في كل مكان حل فيه لا سيما في أماكن العمل والتي يكون له على الناس فيها ولاية كأرباب العمل وأولياء الأمور والمديرين وغيرهم فقد كثرت الشكاوى من تسلطهم وتعنتهم بحجة احترام وقت العمل ولكن في الحقيقة يمكن تنظيم الوقت مع التشجيع -ولا أقول مجرد السماح- على فعل الطاعات.
فإن وجب وقت الصلاة تركت مساحة لأدائها وإن حل شهر الصوم شجعوا الناس على الطاعة فيه.
وقل مثل ذلك في البرامج الإعلامية على اختلاف تنوعها فإنها يجب عليها تبني هذا الطرح سواء من ناحية التشجيع المباشر بالتوجيه والاستضافة واختيار المواضيع المناسبة؛ أو بغير المباشر وذلك بترك الترويج لما يفسد الصوم بكل صور هذا الإفساد؛ و بعدم إتاحة الفرصة لحوار أو لأسئلة مفادها أن الصوم عمل شاق وجهد كبير فيحدث تخذيل للناس عن تلك العبادة وغير ذلك كثير في جميع الأوامر والعبادات والأخلاق ينبغي تشجيع الناس على أدائها.
وفي كل هذا العمل وغيره يبتغي المسلم وجه الله تعالى وحده ولا يعبأ برضا الناس مادام ذلك في طاعة الله تعالى.
أخرج الترمذي عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الْوَرْدِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ: [كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ] (والحديث إسناده صحيح). وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من التمس رضا الناس)) التمس يعني: طلب، وقوله عليه الصلاة والسلام (كفاه الله مؤونة الناس) المؤونة التبعية والمقصود كفاه الله تعالى شر الناس وأذاهم.
ها هو ذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في كلمات بسيطة الأسلوب بليغة التركيب وجيزة المبنى عظيمة المعنى يعطينا في هذا الحديث الشريف مبدءا هاما في معاملة الناس ومعايشتهم، فذكر عليه الصلاة والسلام طريقين لا ثالث لهما.
الطريق الأول: طريق من التمس رضا الله تعالى ولو سخط عليه الناس، وهو طريق ينبع من توحيد العبد لربه عز وجل، إذ ليس للإنسان أن يتوجه إلا لله، فلا يخاف إلا إياه، ولا يرجو سواه، ولا ينطلق في حياته إلا طلبا لرضاه في كل حركاته وسكناته في كل معاشراته ومعاملاته، فينفذ ما أمر الله تعالى به لا يلتفت في ذلك لمدح مادح أو لذم ذام، ولا يحسب في نفسه وهو يرضي الله عز وجل أدنى حساب لسخط أحد من الخلق أو رضاه مهما كلفه ذلك من مشاق.
وهكذا ينبغي أن يكون الإعلامي المسلم ومن يحضر لبرنامج حواري يتقي الله فيه.
والطريق الآخر: هو طريق من لم تخلص نفسه لله عز وجل، طريق ضعاف الإيمان ومن اهتزت عقيدتهم فهو يبحث عما يرضي الناس ويفعله، وعما يعرضه لسخطهم فيتركه، ولو كان ذلك على حساب دينه، ولو كان في ذلك ما يسخط ربه عز وجل، لأن المهم عنده ألا يخسر الناس وألا يكون في موضع نقمتهم وغضبهم.
شهر رمضان أقبل إذن فهنيئا لمن استغله فرصة للطاعات وأعان غيره على مزيد من القربات.. كل عام وأنتم بخير .
المصدر: موقع الأمة.