علماء ومصلحون رحلوا في أكتوبر.. الدوسري والنجار والأنصاري
إعداد عبده دسوقي
الموت قدر محتم على كل حي، لا ينجو منه كبير ولا صغير، غير أن رحيل العلماء وهم بمثابة بركات الأرض ورحمات السماء، ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار، كما ذكر الحسن البصري.
وفي أكتوبر رحل الكثير من العلماء والمصلحين الذين كانوا كالنجوم وسط الناس يضيؤون لهم الطريق، وكان منهم:
عبدالرحمن الدوسري.. المدافع عن الحق
هو عبدالرحمن بن محمد بن خلف الدوسري، تعود أصوله إلى مدينة السليل جنوب مدينة الرياض، لكنه ولد في البحرين عام 1332هـ/ 1914م أثناء زيارة والديه لجده لأمه، وجاء الكويت مع والده حينما نزح إليها للعمل في الغوص لاستخراج اللؤلؤ ثم في تجارة «البشوت» (المشالح)، ونشأ بحي المرقاب، وامتهن مهنة أبيه.
تلقى العلم في «المدرسة المباركية»، وقد وهبه الله ملكة الحفظ فأتم حفظ القرآن الكريم في أسابيع معدودة، وتتلمذ على يد الشيخ يوسف القناعي، وابن دحيان، وصالح الدويش، وعبدالعزيز الرشيد وغيرهم من علماء الكويت الكرام.
كان الدوسري شغوفاً بالعلوم، حريصاً على نشرها وتوزيع الكتب على طلبة العلم والراغبين في القراءة بالمجان، وليس ذلك فحسب، بل كان صريحاً في قول كلمة الحق، جريئاً في المواقف، لا يعرف التردد أو المداهنة، ولا يخضع لتهديد أو وعيد؛ بل يصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كانت له دروس وخطب ومواعظ في معظم مساجد الكويت طيلة أيام الأسبوع، يشرح للناس فيها حقيقة الإسلام، والتمسك به، ويحذِّرهم من البدع والخرافات والمعاصي والمنكرات.
كان له مع إخوانه الشيخ أحمد خميس الخلف، والحاج عبدالرزاق الصالح المطوع، والشيخ عبدالله النوري دور كبير وجهد موفق في التصدي للقوانين الوضعية التي ينادي بها دعاة العلمانيين والمستغربين من أبناء المســلمين.
وكان من المنادين بضرورة الاهتمام بإنشاء المدارس الإسلامية، ونشر التعليم الإسلامي، والاهتمام بالإعلام الإسلامي مقروءاً ومسموعاً ومشاهداً، ونشر الوعي الصحيح والعمل الجاد المتواصل.
كان شاعراً وكاتباً بارعاً؛ فكان من إنتاجه «صفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم» في 9 مجلدات، ونظم «الجواهر البهية في نظم المسائل الفقهية» (12 ألف بيت)، و»إرشاد المسلمين إلى فهم حقيقة الدين».
طاف مدن الكويت والبحرين والسعودية داعياً ومذكراً ومدافعاً عن الإسلام حتى استقر به المقام بمدينة الرياض في أواخر حياته، حتى مرض وسافر إلى لندن للعلاج، فمات هناك في صباح يوم الأحد 16 ذو القعدة 1399هـ/ 7 أكتوبر 1979م، فحمل إلى الرياض حيث دفن في مقابر العود.
محمد سعيد النجار.. الطبيب الإنسان
في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة بمصر ولد د. محمد سعيد محمد علي عبدالوهاب النجار، في 27 يناير 1916م، وتخرج في كلية الطب جامعة عين شمس بتفوق، وعين مدرساً بها عام 1944م.
انضم إلى حركة الإخوان المسلمين وهو طالب، وشارك في حرب فلسطين عام 1948م في صفوف الإخوان طبيباً مع د. أحمد الملط والعديد من الأطباء، كما شارك في حرب القنال عام 1951م، حيث كان أحد المشرفين على معسكر تدريب الطلبة في جامعة عين شمس مع مهدي عاكف.
قال عنه حسن دوح: أما د. سعيد النجار، المدرس بكلية الطب بجامعة عين شمس، فقد كان قاسماً مشتركاً بين الأساتذة والطلبة، وكان الحركة الدائبة النشيطة.
وحينما قامت ثورة 1952م، وحدث الصدام مع الإخوان، هاجر د. سعيد النجار إلى الكويت، وكان له دور وأثر بين المجتمع الكويتي، حيث شارك في حملة صحية للتوعية والإرشاد بالكويت عام 1960م، وقد رصدت مجلة «تراث دائرة معارف الكويت» جهوده، كما هنأه المراقب الفني بدائرة معارف الكويت أ. كامل بنقسلي على سيرته الحسنة في أحد الاحتفالات.
اتصف د. النجار بالشهامة والشجاعة والمروءة؛ فقد شهد في المحاكمات العسكرية عام 1954م على بشاعة التعذيب التي تقع على المعتقلين ولم يخشَ الضرر من أحد، كما ظل طيلة حياته يسعى على حاجات المحتاجين ويبحث عن عمل للعاطل، ومال للمدين، وحل لكل مشكلة.
يقول عنه الأديب الكويتي عبدالله خلف: كان يرفض أخذ المكافأة المالية المخصصة لرجال الثقافة والدين، وكان يزاول عمله في الطرقات والدواوين، يحمل الشنطة والختم والوصفات، وعند انصرافه من الإذاعة كان يقف بسيارته أمام باب الخروج فيطلب من المنتظرين مرور الحافلة أن يوصلهم، منهم من هو في العاصمة وآخر في إحدى الضواحي ويوصلهم إلى أن يدركه ميقات صلاة العصر فيصلي في أي مسجد ويعود لمنزله متأخراً، وكان هذا نهجه كل يوم.
وقد نعته مجلة «الجمعية الطبية الكويتية» في عددها السادس لعام 1972م بقولها: «كان -رحمه الله- أقرب إلى الأسطورة منه إلى رجل يعيش بين الناس.. وكان طاقة.. عجبنا كيف احتواه وعاء آدمي واحد.. وكانت حياته قصصاً تروى وأمثالاً تضرب ومروءات تأخذ بالألباب، تناقلته الألسنة أحاديث وأسماراً وأخباراً، لا ذكريات عن ميت توفاه الله ولكن إعجاباً براحلٍ حي».
ظل على نهج حياته المتفرد حتى توفاه الله بالكويت في أكتوبر 1972م، وحمل جثمانه إلى مسقط رأسه بمصر حيث احتشدت الجموع لوداعه.
عبدالله الأنصاري.. ونهضة قطر العلمية
في مدينة «الخور» شمال شرق الدوحة بدولة قطر وُلد الشيخ عبدالله إبراهيم عبدالله علي الأنصاري -الذي يعد أحد رواد النهضة العلمية في دولة قطر- وينتهي نسبه إلى الصحابي سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي، ولد عام 1333هـ/ 1914م.
تلقى العلم على يد والده، فحفظ القرآن الكريم ودرس كتب الفقه الشافعي، والحديث النبوي وعلم النحو واللغة وعلوم الميراث، ثم ارتحل إلى منطقة الإحساء بالسعودية لتلقي المزيد من العلم.
عمل بالغوص على اللؤلؤ في أول شبابه قبل أن يقرر الرحيل إلى مكة المكرمة حيث التحق بالمدرسة الصولتية بمكة، ومدرسة الحرم، وظل يترحل بين قطر والسعودية ينهل في العلم، حتى انتقل إلى مدينة دارين، وتولى قضاء ناحية القطيف، وظل بها 3 سنوات.
وفي عام 1372هـ/ 1953م أرسل حاكم قطر الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني برسالة إلى الملك سعود يطلب منه السماح للشيخ الأنصاري بالعودة.
عاد الشيخ عبدالله الأنصاري فكان من إسهاماته العديدة في المجال التعليمي تأسيسه المعهد الديني في قطر -وهو أول معهد يقام فيها- كما شارك بفكره وجهده في بناء منهج التربية الإسلامية المبنية على العقيدة الراسخة، كما أشرف على بعض الكتب المدرسية للمراحل المختلفة في مجال التربية الإسلامية، وكان له الفضل في تذليل العقبات التي اعترضت تعليم الفتاة في دولة قطر.
بعد إغلاق المعهد الديني بأمر من مديرية المعارف أسند إلى الشيخ إدارة أول مدرسة ابتدائية في قطر، عرفت باسم «المدرســــــة الجـــديدة الابتدائية» وقد غُيّر اسمها إلى مدرسة صلاح الدين الابتدائية، واهتم بنشر الدعوة الإسلامية وتفريغ الدعاة والأئمة والمدرسين وتقديم المساعدات المالية للمحتاجين من المسلمين في كل مكان، وإقامة المدارس والمعاهد والمساجد والمراكز واستمرار الدعم لها ورفدها لتنهض في أداء رسالتها الإسلامية.
يقول القاضي عبدالقادر العماري، في مجلة «المجتمع» الكويتية: إن الشيخ الأنصاري كان جماعة في واحد، أمة في فرد، همة عالية ونشاطاً متواصلاً، كبرت همته فأثقلت على جسمه وشيخوخته، إن الجماهير الغفيرة التي احتشدت للصلاة عليه في المسجد الكبير بالدوحة ضاق بها المسجد على سعته، وإن الجموع الحاشدة التي خرجت تودعه إلى مثواه، لم تشهد قطر لها مثيلاً في تاريخها.
كانت للشيخ الأنصاري دراية واسعة بعلم الفلك، فقد قام على إصدار التقويم القطري لنحو 30 عاماً، فكان إصدار أول تقويم تحت إشرافه عام 1377هـ.
كان الأنصاري عضواً بالمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وعضواً برابطة الأدب الإسلامي، وعضواً مؤسساً لمنظمة الدعوة الإسلامية، والمجلس الأفريقي الإسلامي، والعديد من المراكز في دول العالم، كما أسس دار الأيتام الأنصارية في كيرلا بالهند، التي أصبحت اليوم من أكبر الجامعات التكنولوجية بها.
ظل الشيخ –رغم تقدم العمر– شعلة من النشاط في نشر العلم حتى سكن جسده واستسلمت الروح لربها يوم 14 ربيع الأول 1410هـ/ 15 أكتوبر1989م، حيث دفن بالدوحة.
______________________________________________________
المصادر:
1- سليمان ناصر الطيار: حياة الداعية الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري رحمه الله، (نال بها الماجستير)، طـ1، مكتبة الرشد، الرياض-السعودية، 2010م، 1431هـ.
2- محمد سعيد النجار: إخوان ويكي، https://bit.ly/2ETIziU.
3- عمر تهاني ناجي مختار: علامة قطر الشيخ عبدالله بن إبراهيم الأنصاري.. حياته العلمية وجهوده الدعوية، مركز شباب برزان، مسابقة أعلام من قطر، 2006م، نشر في كتاب عام 2011م.
(المصدر: مجلة المجتمع)