بقلم الشيخ سالم الشيخي.
لا تستعجل عليّ أيّها القارئ الكريم وتقول : إنّ الرواية الصحيحة في الحديث النبوي – لا تُزْرِمُوهُ – أي لاتقطعو عليه بولته – كما جاء عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أَنَّ رَجُلا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَصْحَابُهُ فِيهِ ، فَقَالُوا : مَهْ مَهْ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” دَعُوهُ لا تُزْرِمُوهُ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلاةِ ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ –أي صبّه – عَلَيْهِ شَنًّا وَتَرَكُوهُ ” . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وسبب ذكري لهذا الحديث الشريف أنّنا كنا في مؤتمر يجمع بين العلماء وطلبة العلم وعدد من الحضور ، فإذا بأحد الحضور يطلب الكلمة ، وبعد أن استلم الميكرفون تطاول على أحد الإخوة من طلبة العلم ، وأخذ في وصفه بأوصاف لاتليق ،وأغلظ عليه القول . فقام الإخوة يريدون إيقاف المتكلم ليمنعوه من التطاول وقلة الأدب ، فإذا بالأخ الذي تعرض للطعن والسب يقول لهم دعوه لا تُزْرِمُوهُ لاتقطعو عليه سبابه ، ولمّا انتهت الجلسة قلت له كيف استحضرت هذا الحديث ؟ ، فقال لي ألا تعلم أن السباب ، والكذب ، والطعن في الناس أشد أثرا من نجاسة البول على الحياة الاجتماعية ، فالبول يطهر بماء بعده أمّا الكلمة الخبيثة المكذوبة تبقى أثارها بين الناس وقد لايطهرها شيء .
أقول كم من مرة تمنيت أن يُقال ذلك لبعض من امتهن الكذب ، والفجور في القول مع الناس . أن يقال له لا تُزْرِمُوهُ فما يُخرجه من فيه أشد نجاسة من البول الخالص ،وأعظم أثرا منه في الحياة ، ورضي الله عن عبدالله بن عمر إذ يقول : إذا كذب العبد تباعد منه المَلك ميلا من نتن ما يخرج من فيه .
المصدر: رابطة العلماء السوريين.