أكد المجلس الإسلامي السوري أن الثورة السورية -التي دخلت عامها السادس-، أصبحت مدرسة ملهمة للأمم والشعوب في العصر الحديث نظراً لكثرة أحداثها وتنوع مظاهرها.
وقال المجلس في بيانٍ له أن هناك متلاعبين يحاولون أن يضللوا العالم بأنّ هدنة تحققت في سوريا وأنّ حصاراً فك عن الجائعين، وفي الحقيقة لم يتحقق شيء من ذلك، بل خفّت حدة المعارك في مواقع واستعرت في مواقع أخرى.
ووصف المجلس التفاوض عن القضية السورية بأنه يمثل قمة إخفاق المجتمع الدولي في حماية الشعب السوري ويمثل غطاءً للنظام المجرم ليزيد من قتله وتجويعه، مؤكداً دعمه لهيئة التفاوض في مواقفها الثابتة للحفاظ على مطالب الشعب السوري، متمنياً لها النجاح في مهمتها ويذكّرها بالمسؤولية أمام الله ثم التاريخ والأمة.
الى ذلك، وجه المجلس الاسلامي التحية والشكر لكل الشعوب العربية والاسلامية التي وقفت مع الشعب السوري في ثورته المجيدة، وخص منها السعودية وتركيا وقطر.
وفيما يلي نص البيان:
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)
الحمد لله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع نهجه وهديه ، وبعد:
فإن الثورة السورية تدخل هذه الأيام عامها السادس، ولقد عاش السوريون محطاتها بين أمل وألم، وفرح وحزن، وإقبال وفتور، وممّا لا شك فيه أنّ هذه الثورة مع طول أمدها وكثرة أحداثها وتنوع مظاهرها غدت مدرسة ملهمة للأمم والشعوب في العصر الحديث، والمجلس الإسلامي السوري ينتهز هذه المناسبة ليبين ما يلي:
أولاً: لا بدّ في البداية من توجيه تحية معطرة بدماء الشهداء الزكية إلى شعبنا السوري وإلى كل من ضحّى وبذل وسعى لأجل نجاح الثورة وبلوغ أهدافها، فالرحمة والرضوان لشهدائنا الأبرار، والشفاء والعافية لجرحانا الأطهار، والحرية لمعتقلينا وأسرانا والثبات والصمود والتقدم لإخواننا المجاهدين وأبنائنا الثوار.
ثانياً: لقد تكالبت قوى الشر ظاهراً وباطناً على إفشال هذه الثورة، فالاحتلال الروسي الذي مكّن له الغرب ليقول كلمته وهو الخصم والحكم، والإيرانيون الذين جاؤوا بخيلهم وخيلائهم من الحرس الثوري وحزب الله الإرهابي والميليشيات العراقية الطائفية الحاقدة ومرتزقتهم من كل مكان، كل أولئك يحاربون الثورة ظاهراً، وهناك من تآمر على ثورتنا لأجل تشويهها وذلك بصناعة (داعش) ودعمها واستغلالها، وهناك من يدَّعي صداقة ثورتنا وهو يطعنها بخنجر مسموم في ظهرها، فيمنع عنها مقومات الدفاع والصمود ليفرض عليها حلوله وخياراته التي تجور على شعبنا وتبدد تضحياته، وبالرغم من كل هذا فالثورة ماضية مع كل هذا البغي والتآمر تحرسها عناية الله ورعايته، ثم صمود شعبنا ووعيه
ثالثاً: حاول المتلاعبون أن يضللوا العالم بأنّ هدنة تحققت في سوريا وأنّ حصاراً فك عن الجائعين، وفي الحقيقة لم يتحقق شيء من ذلك، بل خفّت حدة المعارك في مواقع واستعرت في مواقع أخرى، ورغم كل هذا فقد خرجت المظاهرات إلى الشوارع لتملأ الميادين والساحات، لتثبت الثورة للعالم أنها ما زالت حية، بل عادت فتية كسابق عهدها، لم ينل منها كل هذا الحصار والقتل والتجويع والتشريد، وفي هذا رسالة إلى الجميع أنّ الحاضنة الحقيقية للثورة هي الشعب المؤمن الصابر، فله الكلمة الأولى والأخيرة، فلا يمكن لأحد أن يسرق ثورته أو يلتف على مطالبه تحت أي شعار.
رابعاً: أثبتت الوقائع أن الفصائل الثورية على اختلاف أسمائها أو شعاراتها أو راياتها لن تستطيع بمفردها حسم المعركة، وظهر واضحاً للجميع أنه في المكان الذي تجتمع فيه هذه الفصائل أو تتحد تحقق إنجازات كبيرة وتصبح عصية على المعتدي، وفي المكان الذي تتشرذم فيه أو تتناحر يكون خسران المعارك والمواقع التي دفع المجاهدون ثمن تحريرها دماً وجهداً عظيمين، فهذه دعوة متجددة من المجلس لكل إخواننا وأبنائنا في الفصائل للمِّ الشمل وتذليل العقبات التي تحول دون الاندماج والوحدة والمجلس لن يألو جهداً في العون لتحقيق ذلك، وفي المقابل هناك من الفصائل من يحمل مشاريع لا تعبّر عن إرادة الشعب السوري بعلمائه وفصائله وجماهيره وفي الوقت نفسه فإن هذه الفصائل تبغي وتصول على الآخرين تحت ذرائع مختلفة وتأبى التحاكم إلاّ إلى نفسها ، فهي الخصم والحكم في الوقت نفسه، وتفرض إرادتها ورؤيتها على الآخرين وتجلى ذلك في منع المظاهرات ومنع رفع أعلام الثورة في بعض المناطق المحررة، وإن المجلس ليحّذر هؤلاء بأنهم إذا لم يرضخوا لحكم الشرع ويقفوا على قدم المساواة مع غيرهم في الخصومات فلا بدّ عندها من البيان الواضح والحكم الشرعي الجلي الذي يضع النقاط على الحروف في بيان الباغي والصائل، والمجلس يربأ بهؤلاء أن تأخذهم العزة بالإثم ويعميهم غرور القوة، فالشرع فوق الجميع والحق أقوى من الجميع.
خامساً: لوحظ أنّ هناك جهات منظمة تستهدف رموز الثورة من قادة عسكريين وعلماء وقضاة وإعلاميين فنوصي إخواننا بأخذ الحيطة والحذر عملاً بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ) وعلى الفصائل مسؤولية خاصة في حماية هؤلاء جميعاً، ومن ثمّ ملاحقة وكشف هذه الأيدي الخفية لفضحها ولتنال جزاءها العادل الرادع.
سادساً: وأما بشأن التفاوض حول القضية السورية فهو يمثل قمة إخفاق المجتمع الدولي في حماية الشعب السوري ويمثل غطاءً للنظام المجرم ليزيد من قتله وتجويعه في أعظم فضيحة أخلاقية للنظام العالمي الجديد القائم على حماية مصالح القوى الكبرى على حساب الشعوب الطامحة للحرية والعدالة، ومع ذلك فالمجلس يدعم هيئة التفاوض في مواقفها الثابتة للحفاظ على مطالب الشعب السوري المتمثلة بوثيقة المبادئ الخمسة التي صدرت عن المجلس وأقرتها معظم فعاليات الثورة العسكرية والسياسية والمدنية، ويتمنى لهيئة التفاوض النجاح في مهمتها ويذكّرها بالمسؤولية أمام الله ثم التاريخ والأمة.
سابعاً: يحيي المجلس كل الشعوب العربية والإسلامية التي وقفت مع الشعب السوري في ثورته المجيدة حيث صارت الثورة السورية من القضايا الكبرى الجامعة وموضع الاهتمام للشعوب في العالم، وكذلك نوجه الشكر لكل الحكومات التي وقفت بثبات مع الشعب السوري المظلوم الجريح ونخص منها السعودية وتركيا وقطر، ونطمح في الوقت نفسه إلى زيادة الدعم في كل المجالات التي تمكن الثورة من الانتصار وبلوغ أهدافها.
وفي الختام فإن أملنا بالله تعالى كبير وثقتنا به لا منتهى لها، فإن الله لن يضيع لشعبنا جهده وجهاده وتضحيته وصبره، فيا شعبنا العظيم إن نصر الله آت ووعده لا يتخلف وهو الذي قال في كتابه (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).
لنرفع أكف الضراعة إليه سبحانه في تفريج الكروب ومغفرة الذنوب، اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.