مقالاتمقالات مختارة

صورة من واقع الصراع العلماني الإسلامي

صورة من واقع الصراع العلماني الإسلامي

بقلم صهيب مقداد

العالم مليئ بالشعارات التي لا تُلصق إلا في وجوه المسلمين، هي تهم مقولبة مصبوبة جاهزة، وهذه التهُم التي يعيد تعريفها النظام العالمي الحديث والأنظمة العربية على حسب ما يتوافق مع مصالحهم، فالإخواني في مصر  هو كل شخص معادي للنظام المصري حتى وإن كان مسيحي فقد يتهمونه بأنه أخوان مسلمين إذا لم يُسارع في التصريح بمسيحيته،  ومثل هذا الكثير، وبالواقع إن التطرف وإرهاب الدولة قد مارسته أنظمة ترفع شعارات الحرية والمساواة والإخاء وإلى آخره من الشعارات الزائفة التي تتوقف عند الإسلام والمسلمين.

تاريخ تركيا المعاصر هو أحد الأمثلة الواضحة والصريحة على ما قدمناه من تهم وما مُرس من إرهاب الدولة على المسلمين وثقافتهم وكيانهم بإسم العلمانية والحداثة والتطور ونبذ الرجعية والتخلف، وفي الحقيقة ما فعله العلمانيين هو التخلف بعينه فلم يكتفي العلمانيين بقرار إلغاء الخلافة الذي أصدره كمال أتاتورك عام 1924، وإنما أتبعها أتاتورك بسلسلة من القرارت التي كانت جميعها تصب في مصلحة الإحتلال والدول الأوروبية التي أنتظرت سنين طوال سقوط العثمانيين ليتقاسموا جسد الرجل الميت، فقد حارب أتاتورك الأتراك أنفسهم حاربهم في أغلى ما يملكون دينهم وتاريخهم المجيد وحارب معهم العرب والمسلمين، ولأول مرة منذ بعث الإسلام يصبح المسلمون في يومهم بلا ظهر يستندون إليه ولا خلافة يركنون إليها فقد كانت الخلافة إذا اختفت في ناح ظهرت في ناح آخر أما ما بعد هذا التاريخ فلا خلافة ولا خليفة للمسلمين.

 

إن محو أي رابط بين الأتراك والمسلمين كان يستدعي عليهم التطرق إلى الأعراف والقوانين التي ستحكم البلاد التركية الجديدة التي انفصلت عن باقي بلاد الإسلام والتي ستقوم على أساس قومي تركي وعلى مبدأ الأمة التركية، فمحو أن دين الدولة هو الإسلام كان خيارهم الذي سلكوه، ومن شدة غيضهم وكيدهم على الدين ونقمتهم على الإسلام كانوا كالأية الكريمة، قال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)(سورة الفرقان)

فيصفهم رضا نوري وهم يقومون بصياغة دستورهم العلمانية المدني: لقد مر القانون من المجلس دون تأمل أو مناقشة وبشكل ارتجالي، وهذا القانون المدني يضم التقاليد المسيحية وأعرافها.

 

تقاليد مسيحية لبلاد مسلمين، وقد وجدت الكثير من المصائب في كتاب الرجل الصنم الذي وقع بين يدي أثناء البحث في حياة كمال أتاتورك، الكتاب لافت للنظر، فالكاتب غير معروف والمترجم إلى اللغة العربية تحفظ على ذكر المؤلف كي لا يتعرض للأذى، وهذا لأن في تركيا “الأتاتوركية” تستطيع سب جميع الأنبياء والرسل وشتم الذات الإلاهية ولكن لا تستطيع شتم كمال أتاتورك.

والكتابة حول شخص أتاتورك كانت تقتصر على فرقة السحيجة وفي العالم العربي أقتصرت بعض المؤلفات على الترجمة من المراجع الغربية والتي كانت تتحدث عن زراق عيون أتاتورك وبطولات أتاتورك وشجاعت أتاتورك وأن شمس النهار في تركيا من إنجازات أتاتورك-فهو طفلهم النجيب-وإلى آخره مما نعلمه نحن السوريين على وجه الخصوص لما لنا من تجربة خاصة قريبة من التجربة التركيا من حيث “التسحيج”  فالأمطار التي تهطل في سوريا هي من منجزات الحركة التصحيحية.

 

يذكر المؤلف في مقدمة الكتاب ما ذكره المؤرخ أرنولد تويبني عن سلوك الأمم المغلوبة من أمة أخرى فهي:

إما تتقوقع على نفسها  كالحركة السنوسية في شمال أفريقيا والحركة الوهابية في جزيرة العرب.

أو تقلد الأمة الغالبة، وهذا السلوك الذي أتبعه أتاتورك وعلماني تركيا.

 

السلوك العلماني الذي أسس لحكومات ووزارات نستطيع أن نسميها حكومات “المرتدين عن الدين”، التي كانت أبرز إنجازاتهم:

 

-إلغاء الخلافة

-قطع علاقة تركيا بالعالم الإسلامي

-تحويل المساجد لمتاحف(كآيا صوفيا)

-منع دخول المحجبات إلى المدارس والجامعات والمراكز الحكومية

-تعطيل الأذان باللغة العربية وإذاعته باللغة التركية

-منع إرتداء الكوفية والشماغ، وفرض الطربوش

-تحويل احرف الكتابة من العربية إلى اللاتينية

-توقيع معاهدة لوزان والتخلي عن جميع أراضي الدولة العثمانية.

-العلمانية هي أساس الحكم في تركيا

-السماح للزواج من الأخوة بالرضاعة

-ترخيص دور الدعارة

-السماح  بالمثلية وزواج الشواذ

 

الطريف والمبكي في آن واحد، ما حدث مع سيدة تركيا في قضية الحجاب، والتي مرضت فتم نقلها إلى أحد مستشفيات إسطنبول، ولكن إدارة المستشفى رفضت إستقبال السيدة مما أدى إلى وفاتها، والسبب في رفض المسشتفى علاجها أن السيدة كانت محجبة، والحجاب في تركيا الحداثة تركيا التطور هو رمز للرجعية والتخلف(1)

 

ما ضربناه من أمثلة  ليست على سبيل الحصر، والألم النفسي نتيجة الأنتكاس الذي حصل في قوة المسلمين، لا زلنا نعاني من تبعاته في أيامنا هذه، رغم المحاولات العديدة لإعادة الأمور إلى نصابها من قبل الشرفاء في تركيا، فقد أنشأت العديد من الأحزاب المناهضة للحكم العلماني، وأخيرًا نرجوا من القارئ أن يراعي الفترة التاريخية التي يطرح فيها المقال، فلا يتعجل في الحكم على ما قبل ذلك من سنين طوال أو بعد ذلك.

 

المصادر:

*كتاب الرجل الصنم، مصطفى كمال اتاتورك، حياة رجل ودولة، ترجمة: عبدالله عبدالرحمن.

1-العمامة والثقافة، حلمي محمد القاعود، صفحة 78.

(المصدر: موقع البوصلة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى