مقالاتمقالات مختارة

التطويع لزوم التطبيع

التطويع لزوم التطبيع

بقلم م. محمود صقر

تطويع الشعوب العربية لقبول التطبيع مع الكيان الصهيوني هو الهدف المبتغى من التطبيع السياسي مع أنظمة عربية من خارج دائرة المواجهة المباشرة.

فالتطبيع مع الأنظمة يظل مؤقتاً بدوام تلك الأنظمة أو دوام سياستها، أما تطبيع الشعوب فمعناه نسيان القضية وتحويل العدو التقليدي إلى صديق والمحتل إلى جار، وهو الهدف الأسمى الذي يسعى له صناع القرار في الغرب بأدواتهم وأذرعهم في بلادنا.

وخطة الحاضر والمستقبل للوصول للهدف تنصب على تطويع الشعوب العربية لقبول التطبيع، عبر طريقين متلازمين:

التطويع الخشن: وهذا الطريق يمر عبر تهميش الشعوب وإبعادها عن المشاركة في قراراتها المصيرية، وتحويلهم لمجرد رعايا يميلون مع حكامهم حيث مالوا، وفي سبيل تهميش الشعوب وتغييب صوتها لا مكان لديمقراطية حقيقية وحرية رأي، بل اغتيال مادي ومعنوي لمن يعارض طريق التطبيع.

التطويع الناعم: وهو الأخطر والأبلغ أثراً والأعمق زمناً لأنه يستهدف تطويع الشعوب للتطبيع المستمر، أو بمعنى آخر نسيان قضية أرض محتلة ومقدسات منتهكة وشعب عربي تم إحلاله بأغراب من اليهود.

وإذا كانت الدول تمارس التطويع الخشن بقفازات من حديد، فإنها تمارس التطويع الناعم بقفازات من حرير، عبر وسائل الإعلام ومناهج التعليم ومنابر الثقافة والإنتاج الفني وفي مقدمته الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية.

ويدرك كل من يتابع الشأن الثقافي في طول الوطن العربي وعرضه الهمة العالية في تنفيذ الخطة.

ويدرك أيضاً من يتعمق في دراسة تجارب الشعوب نجاح التطويع الناعم في إحداث تغيرات جذرية في مفاهيم وعقائد الشعوب.

فبنظرة سريعة على تجربة الشعب الأوروبي نجده انتقل بالتطويع الناعم من كراهية اليهود التي بلغت ذروتها في الحركة النازية والفاشية قبل سبعين عاماً إلى أكبر داعم للكيان الصهيوني.

وإذا قمنا بتوسيع زاوية النظر لوجدنا كيف تغيرت مفاهيم المجتمع الأوروبي من الجذور في أهم مكونات المجتمع وهي الأسرة، وكيف تغير من أسرة تقليدية تبدأ طريقها من عقد شرعي في الكنيسة، إلى علاقة بين رجل وامرأة يعيشان بالتراضي سواء بعقد مدني أو بدون عقد، وصولاً إلى القبول بشريكين من نفس الجنس، هذا التغير الجذري تشكل خلال ما يقرب من خمسين سنة فقط، وكانت مقدماته تنحية الدين المسيحي عن المجتمع.

ونموذج الأسرة في المجتمع الأوروبي زحف بقوة إلى بلاد في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، في حين لم يحقق نجاحاً يُذكَر في الدول الإسلامية.

إذًا؛ نحن نظرياً أمام حالات نجاح في تغيير مفاهيم ومعتقدات توارثتها الشعوب جيلاً بعد جيل.

فهل ينجح التطويع الناعم في تطويع الشعوب العربية للتطبيع؟

يدرك تماماً صناع القرار ومن خلفهم مراكز الأبحاث أن العقبة الكؤود أمام تطويع الشعوب نحو التطبيع هو العقيدة الإسلامية، ولا يمكن أن ينجح التطويع إلا بتطويع مفاهيم الدين الإسلامي أولاً، أو بالمعنى الأدق تمييعه وتفريغه من محتواه، وبالمعنى الأكثر دقة إزاحته من حركة الحياة وحصاره داخل دور العبادة، وإزاحته عن تحديد ثوابت القيم والمفاهيم، وتجريم الحديث عن أي شكل من أشكال الوحدة العضوية والشعورية بين المسلمين.

والطريق لذلك مفروش بالأفلام والمسلسلات والإعلام ومناهج الدراسة، ومن لا تطوعهُ قفازات الحرير، تردعه قفازات الحديد.

أصبحت هذه الخطة واضحة المعالم يبصرها الأعشى والأعمى، وأصبحت تحدياً جديداً أمام شرفاء الأمة في معركة يدركون أنها غير متكافئة، ولكنها قضية حق وعدل وشرف، ومستقبل دين وأمة.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى