مقالات المنتدى

 المرأة وجهادها في الثورات عامة ومصر خاصة

بقلم: د. وصفي عاشور أبو زيد

كان للمرأة – ولا يزال – دورها الفاعل في تاريخنا الإنساني والإسلامي، وشهد عصر الرسالة نشاطا أوسع للمرأة، فهي التي آمنت وصدقت وآوت ونصرت، وهي التي بايعت النبي – صلى الله عليه وسلم – في العقبة، وهي التي خاضت الحروب مع رسول الله تدافع عنه وتقاتل دونه وسط مباركة النبي صاحب الرسالة ودعائه لها.

وقد كتب الأستاذ عبد الحليم أبو شقة كتابه الرائد: “تحرير المرأة في عصر الرسالة”، وقدم له أبرز علمين من أعلام الفكر والفقه والدعوة في عصرنا: الشيخ الإمام المجدد محمد الغزالي، وشيخنا الإمام يوسف القرضاوي.

ولما حان موعد أذان الربيع العربي، وشاءت الشعوب أن تثور على القهر والذل والقمع والمصادرة والاستبداد، وقررت أن تحرر إرادتها، وتقول كلمتها، وترفع رايتها، وتخلع طغاتها .. كان للمرأة دور، وأي دور!!

بهرتنا المرأة اليمنية عام 2011، وما بعده، خرجت في الشوارع بالآلاف، وشاركت الرجل في أداء هذه الفريضة، وأسهمت في القيام بأعظم ركن من أركان الإسلام، إنها الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لقد لفتت المرأة اليمنية أنظار العالم كله إلى نشاطها ومشاركتها وفاعليتها وإيجابيتها، بما قدمته من جهود، وما قامت به من تضحيات، وما تناولته من أفكار ورؤى كانت مثار إعجاب وانبهار الكثيرين، كما كانت مصدر قلق وحقد وموجدة من آخرين.

أما المرأة المصرية فقد قدمت أروع الأمثال في هذا المجال، لا سيما بعد الانقلاب الغاشم على إرادة الشعب المصري في 3 يوليو 2013م، ذلك الانقلاب الذي ارتكب في مصر ما لم يرتكبه أحد من حكامها بحقه من قبل، قتل الرجال والنساء، وأحرق الجثث، وجرفها بالجرافات ودفنها بشكل جماعي كأنما يرمي قمامات في النفايات!!

اعتقل الصغير والكبير، وسجن الدعاء والعلماء، واغتصب البنات والنساء، وانتهك من الحرمات ما يعجز الإنسان عن متابعته فضلا عن إحصائه، بله تحليله والتأمل فيه.

وقد كان للنساء من هذا الأذى نصيب كبير لم يسبق أن تحملته المرأة المصرية من قبل، فها هي تخرج في ميادين الثورة، رافضة الظلم، ومعلنة ثورتها على الطغيان، ومتمسكة بحريتها وإرادتها، ورافضة القمع والقهر والاستبداد وانتهاك الحرمات.

ها هي تفقد زوجها، ويعتقل ابنها، وتغتصب بنتها، وتشرد عائلتها في الداخل والخارج، ومع ذلك ما تزال صامدة قائدة باسقة باذخة، تضرب أروع الأمثال في تاريخنا الإسلامي بل الإنساني في الصبر والثبات والتضحية النبيلة والفداء النبيل.

رغم مطاردات الأمن المجرم لها، وخطفهم لها من الميادين فلا تزال تصر على الخروج، ورفض هذه الممارسات، لتعيش بحرية وتحيا بكرامة وتموت شهيدة دون شرفها وعرضها وكرامتها ووطنها، وقبل ذلك دينها.

إن المرأة في الإسلام شريك الرجل في العمل والجهاد والتضحية والبذل والفداء، وقد قال الله تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”. [سورة التوبة: 71].

وما نحياه الآن هو أكبر مظهر من تجليات القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قامت المرأة بدور في الثورة المصرية وغيرها سيذكره التاريخ بكل فخر وشرف ونبل، وهو دور تستحق عليه المرأة أن تتبوأ مكانتها اللائقة بها في المواقع المختلفة بعد أن أثبتت جدارتها، وبينت جسارتها، وكشفت عن شجاعتها وإقدامها، واستعدادها للتضحية الغالية والصبر الجميل، بما تأخر فيه  أو جبن عنه كثير من أصحاب اللحى الطويلة!

لا يسع المرأة أن تغيب عن المشهد، بل تستمر وتتحرك وتحشد، على أن توفَّر لهن الحماية والكفاية والأمان، حتى يأذن الله بالفرج، ويزيل الغمة، ويكشف الكربة، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.

المصدر: بوابة الحرية والعدالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى