مقالاتمقالات مختارة

ذكرى عاشوراء وعِبر في عاقبة الظّلم ومآل الظّالمين

ذكرى عاشوراء وعِبر في عاقبة الظّلم ومآل الظّالمين

بقلم سلطان بركاني

عاشت الأمّة الإسلامية يوم السّبت الماضي، نفحات يوم صالح من أيام الله، هو يوم عاشوراء، الذي يوافق العاشر من شهر محرّم من كلّ عام..يوم فضيل من أيام الله، نجّى الله -تبارك وتعالى- فيه نبيا من أولي العزم من أنبيائه، وأغرق فيه عدوا من أعدى أعدائه. نجّى فيه كليمه موسى -عليه السّلام- ومن معه من المؤمنين، وأغرق فرعون ومن معه من الظّالمين، وقضى الحكيم –سبحانه- أن ينجّي بدن فرعون ليكون آية للعالمين، وعبرة للظّالمين، وسلوى للمظلومين، وليذكّر المستضعفين في الأرض بأنّ العاقبة للمتّقين، وأنّه مهما طال ليل الظّلم، فلا بدّ من بزوغ الفجر.

قصّة فرعون وبدنه، تحمل كلّ هذه العبر، لكن مع كلّ أسف فإنّ كثيرا من المسلمين –فضلا عن غيرهم- ممّن يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، لم يعتبروا بقصّة فرعون في القرآن، وسوّل لهم الشّيطان العلوّ في الأرض والبغي على عباد الله، وغرّتهم المناصب والألقاب، والقصور والأموال، فقرّبوا الأشرار ونكّلوا بالأخيار، وصمّوا آذانهم عن نصح النّاصحين، وظنّوا أنّهم في عروشهم مخلّدون، فختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأملى لهم حتى حاق بهم عذابه وعقابه.

أين يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد اللّذان سوّلت لهما أنفسهما قتل ريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، الحسين بن عليّ رضي الله عنهما، في يوم عاشوراء الذي هلك فيه فرعون تحت الماء. قتلوه وقتلوا من أهل بيته من قتلوا، ولم يكتف العتاة بقتله حتى احتزّوا رأسه الذي كان نبيّ الهدى –عليه الصّلاة والسّلام- يضمّه ويشمّه ويقبّله، ثمّ ماذا؟ ارتقى الحسين -رضي الله عنه- شهيدا سعيدا وهو يحاول أن يعود بالأمر إلى ما كان عليه على عهد النبيّ –صلّى الله عليه وآله- وعلى عهد خلفائه الرّاشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم وعن الآل والصّحب أجمعين. أمّا العتاة المجرمون فقد انتقم الله تبارك وتعالى منهم، فقتلوا شرّ قتلة، ومن لم يقتل منهم أصابه الجنون وسلّط عليه الذلّ والهوان؛ فأمّا يزيد فقد نزع الله الملك من ذريته، وأمّا الطّاغية الظّالم عبيد الله بن زياد الذي أصرّ على إراقة دم الحسين، فقد سلّط الله عليه ظالما مثلَه هو الأشتر النّخعي قتله شرّ قتله.

أين الحجّاج بن يوسف الثّقفي الذي رمى الكعبة بالمنجنيق، وقتل عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- الصوام القوام، بجوار الكعبة داخل البيت الحرام، ولم يكتف بذلك حتى صلب جثته وأبى أن ينزلها حتى تتوسّل إليه أمّ عبد الله بن الزبير العجوز الكسيرة العمياء، أسماء بنت أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه.. وظلّ يقتل الصّالحين والمصلحين ومن يأمرون بالقسط من النّاس، حتى قتل العالم الزّاهد العابد عبد الله بن جبير عليه رحمة الله، فأصابت الحجّاجَ دعوةُ ابن جبير بأن لا يسلّطه الله على أحد بعده، فما هي إلا أيام حتى مرض الحجّاج ولزم الفراش وأصابه الهوس والفزع، وصار ينتفض فزعا ويقول: ما لي ولسعيد بن جبير.. حتى مات.

وهكذا سقي كلّ متجبّر ظالم على مرّ التاريخ الإسلاميّ من الكأس نفسها التي سقي منها يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد والحجاج بن يوسف الثقفي، ولكنّ الظّالمين لا يعتبرون بمآل ومصير من سبقوهم، وكلّ واحد منهم تتسلّط عليه نفسه وتنسيه عاقبة من سبقوه، وتسوّل له اقتراف ما اقترفوه، من نهب للأموال واستضعاف للعباد وقتل للعلماء والدّعاة والمصلحين والعُبّاد، حتّى تفجأه عقوبة الدّنيا، قبل عقوبة الآخرة، ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)) (إبراهيم: 42- 43).

(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى