بقلم د. زياد الشامي
سؤال قد لا تزيد الإجابة عليه شيئا في عموم ما رسخ في ذهن القارئ الكريم عن أحوال المسلمين في العالم , والتي هي بمعظمها – وللأسف الشديد – مؤلمة وموجعة بل ومفجعة , في ظل حملة ممنهجة من قبل أعداء الدين الخاتم ضد الهوية السنية لا تخطؤها عين البصر فضلا عن البصيرة , ناهيك عن حالة التشرذم وعدم التمسك بما أمر الله المسلمين أن يعتصموا به إن أرادوا مواجهة الأعداء .
وإذا كانت أحوال المسلمين في الدول العربية والإسلامية لا تسر أخا ولا صديقا كما يقال , رغم أن أهل السنة فيها هم الأكثرية بل والغالبية العظمى من السكان , فما يحدث في كل من سورية والعراق وفلسطين من قتل وتعذيب وتهجير لهذه الأكثرية يدمي القلب و يفطر الفؤاد …. فكيف يمكن أن تكون أحوال المسلمين في بلاد الشرق والغرب وهم أقلية في وسط بوذي أو صليبي أو هندوسي أو صفوي ؟!
والحقيقة أن الحديث عن أحوال المسلمين في أقاصي الشرق والغرب ليس المقصود منه التباكي على معاناة إخوة لنا في الدين والعقيدة فحسب , ولا الشغف بتعداد مآسي هؤلاء…. وإنما المقصود بيان حجم التحديات التي تواجه أتباع الدين الخاتم , وكشف هول المؤامرة الدولية ضد هذا المكون تحديدا , ومدى الحاجة الماسة للعودة للمنهج القرآني والنبوي للخروج من حالة الضعف والاستضعاف التي تعاني منها الأمة جمعاء .
بعد هذه المقدمة المختصرة يمكن القول بأن أحوال المسلمين في تايلاند لا تخرج بمجملها عن الخطوط العريضة لأحوالهم في الدول غير الإسلامية , فالاضطهاد والتضييق والملاحقة والعداء والتمييز العنصري ضدهم هو الأمر السائد , مع اختلافات تكبر أو تصغر في مستوى الاضطهاد ودرجة العداء والتمييز , حيث تصل في بعض تلك الدول إلى القتل والإبادة والتهجير القسري كما هو الحال في أراكان “بورما” وغيرها , بينما يعتبر التمييز العنصري هو السائد في أمريكا وأوروبا .
وعلى الرغم من أن مسلمي تايلاند يشكلون حوالي 10 – 15% من إجمالي عدد السكان البالغ 45 مليون نسمة , ناهيك عن أن أكثر من 80 % من سكان جنوب البلاد في منطقة تسمى “قطاني”هم من المسلمين , حيث يتواجد فيها حوالي 3,5 مليون مسلم من أصل أكثر من 5 ملايين في عموم البلاد ……إلا أن الحكومة البوذية هناك لا تمنحهم أدنى حقوقهم المشروعة , وعلى رأسها المطالبة بحكم ذاتي في المنطقة المعروفة تاريخيا بأنها كانت مملكة إسلامية مستقلة على الحدود الجنوبية لمملكة “سيام” التي تغير اسمها ليصبح فيما بعد “تايلاند” .
لم تكن مسألة الحكم الذاتي والاستقلال هو الحق الوحيد المسلوب من مسلمي تايلاند , فهناك حق المساواة مع غيرهم من المواطنين وخصوصا البوذيين , حيث تظهر نزعة الحكومة العنصرية ضد المسلمين هناك , من خلال التعامل مع الأقلية المسلمة على أنهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة , بل ربما عدم اعتبارهم مواطنين أصلا داخل البلاد .
وإذا انتقلنا إلى حقوق المسلمين الدينية والشخصية فحدث ولا حرج فالمسلمون محرمون حتى من اختيار أسمائهم وممارسة حريتهم في أداء شعائر دينهم , حيث تحارب الحكومة التايلاندية البوذية جميع الشعائر الإسلامية وخصوصا حجاب المرأة .
ولعل التحدي الأخطر الذي يواجه مسلمي تايلاند هو حرب الحكومة البوذية على هوية المسلمين هناك , حيث تسعى الأخيرة إلى تغيير أسماء القرى والبلدات ذات الجذور والأصول الإسلامية إلى أسماء بوذية , بالإضافة لمحاولات الحكومة المستمرة إحداث تغيير ديمغرافي في الجنوب الإسلامي , من خلال توطين الكثير من البوذيين في “قطاني” للتقليل من الغالبية المسلمة هناك , ناهيك عن محاربة التعليم الإسلامي عموما , وتشجيع البعثات التنصيرية للعمل في المناطق ذات الغالبية الإسلامية .
ولم يتوقف الاضطهاد البوذي الحكومي عند حد حرمان مسلمي تايلاند من حقوقهم الشخصية والدينية ومحاولة العبث بهويتهم الإسلامية , بل وصل الأمر إلى خطر تهديد وجودهم في البلاد , حيث لا تتوقف حالات الاعتقال التعسفي وتعذيب كل من يُتهم بالتمرد , والذي لا يعني في الحقيقة سوى المطالبة بالحكم الذاتي ووقف اعتداءات البوذيين ضد الأكثرية المسلمة في جنوب البلاد .
ومن هنا يأتي خبر قيام قوات الأمن التايلاندية مؤخرا بتعذيب عشرات المعتقلين جنوب البلاد ، وارتكاب انتهاكات من بينها الضرب والخنق والتهديد بالقتل حسب ما نقلت وكالة أنباء “فرانس برس” عن مجموعات حقوقية .
فقد أكدت الوكالة أن أكثر من 6 آلاف مسلم قتلوا على يد قوات الأمن التايلاندية معظمهم من المدنيين خلال 12 عاما الماضية , والتهمة الجاهزة لهذا الانتهاك الصارخ لحقوق المسلمين هناك هي : ” المطالبة بالحكم الذاتي ” , التي باتت الشماعة التي من خلالها تحارب الحكومة التايلاندية الوجود والهوية الإسلامية في البلاد .
فمن خلال هذه الذريعة الواهية تفرض الحكومة ما يسمى الأحكام العرفية وقانون الطوارئ في الجنوب ذي الغالبية المسلمة , لتعيث من خلال تلك الأحكام والقوانين أيدي قوات الأمن بالمسلمين هناك اعتقالا وتعذيبا وتنكيلا .
وفي كل مرة يتم فيها الحديث عن أحوال الأقليات الإسلامية في بلاد الشرق والغرب التي لم تخل يوما من الاضطهاد والعنصرية والتمييز , يتم التأكيد على أن الحل الأمثل للتحديات التي تواجهها هذه الأقليات مرتبط بشكل وثيق بمدى عودة الدول الإسلامية للتمسك بدين الله الإسلام الذي يأمر بإعداد القوة الرادعة لأعدائها اقتصاديا وعسكريا , وينهى عن التشرذم والتفرق الحاصل حاليا , ويدعو إلى اجتماع الكلمة و وحدة الصف .
فما كان لحكومات الشرق والغرب أن تضطهد الأقليات المسلمة لو كانت الدول الإسلامية قادرة اقتصاديا وعسكريا على الدفاع عن أبسط حقوق إخوانهم المشروعة , وفي مقدمتها المساواة وممارسة الشعائر الإسلامية بحرية .
المصدر: موقع المسلم.