قراءة: عماد عدنان.
في الوقت الذي علت فيه أصوات المدافعين عن حقوق المرأة، وهللت فيه بهذا الانتصار ” التاريخي” – كما يتوهمون- الخاص بإقرار قانون يسمح للمرأة فيه بخلع زوجها، حيث لاقى هذا القانون ضجةً كبيرةً واعتراضاتٍ شديدة مِن قِبَل بعض مُنتقدي القانون من الأزواج، بينما اعتبرتْه بعض الصحف المصرية انتصارًا لحرية المرأة وحقوقها الزوجية، ومن المثير للسخرية والحسرة هو كتابة بعض الحقوقيِّين والعلماء في مسألة الخلع كإحدى مسائل النوازل المعاصِرة التي دعت إليها الحاجة في وقتنا الحالي، بينما هلَّل دعاة حقوق المرأة والمنظمات النسائية لهذا القانون الذي اعتبروه بمثابة تكريس لمبدأ مساواة المرأة بالرجل في سائر أمور الحياة، والتي دومًا ينادون بها، وتناسى كل هؤلاء أن هذا الحق نادى به الشرع وأقرَّتْه مُعاملات الشريعة منذ أربعة عشر قرنًا؛ حيث تواترت صحيح الأحاديث النبوية في إقرار حق خلع المرأة زوجها لعدم التوافق بينهما، أو في حالة حدوث غبْن وظلمٍ مِن أحد الزوجَين أو كليهما في الحياة الزوجيَّة، وفصَّلَ الفقهاء أبوابًا في هذه المسألة في كتبِهم، وفرَّعوا عليها المباحث العديدة في بيان أحكام عدم وئام الزوج مع زوجته، وحكْم الشرعِ بإعطاء الزوجة حق الطلاق من زوجها برأي القضاء في حالة الضرر الواقع عليها، ورد جميع مُستحقات الزوج المالية عِوَضًا له.
ويعد هذا الكتاب الذي بين أيدينا اليوم والمعنون بـ “الخلع بطلب الزوجة لعدم الوئام مع زوجها” للشيخ عبدالله بن محمد آل خنين من أفضل البحوث التي كُتبتْ في موضوع حق المرأة في إنهاء عقد النكاح بطلب الخُلع، وبيان مسائله المتفرِّعة عنه، إلى جانب ذلك – يعد من أيسَرِ البحوث في شرح المسائل الفقهية وآراء أهل المذاهب الأربعة.
بداية ساق الكاتب بيانًا لحكم مسألة الخُلع بطلب المرأة لعدم وئامها مع زوجها واستحالة العشرة بينهما؛ فالحياة الزوجية تقوم على الرحمة والتوادِّ والعِشرة بالمعروف؛ قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لا يَفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كَرِهَ منها خلُقًا، رضي منها آخَر” ( مسلم )، فإذا انتفَت هذه العِشرة وحلَّ بينها التخاصُم والفُرقة بين الزوجين والإخلال بحقوق أحد الزوجين أو كليهما، جازَت الفُرقة في النِّكاح على موجباته وعلى أصوله الصحيحة والسليمة، ومن أبواب هذه الفُرقة سؤال المرأة الطلاقَ من زوجها والاختلاع منه إذا كان سيِّئ المعاملة، فاسدَ الطبع، لا أمل في إصلاح أحواله، فبقاء المرأة معه على هذه الحال يعد عَضلاً لها وضياعًا لحقوقها الزوجية.
وقد قسم الباحث الكتاب إلى تمهيد، وفيه ثلاثة مباحِث، المبحث الأول: تعريف الخلع في اللغة والاصطِلاح، المبحث الثاني: تعريف (عدم الوئام) في اللغة، المبحث الثالث: الألفاظ ذات الصلة بمُصطلَح (عدم الوئام بين الزوجين) والعلاقة بينها، ثم الفصل الأول: أصول الأحاديث الواردة في طلب المرأة الخُلع لعدم الوئام مع زوجها وما يعارضها، الفصل الثاني: التحكيم بين الزوجين عند عدم الوئام بينهما، الفصل الثالث: تقرير العِوَض من قِبَل الحكَمَين أو نفيه عند الفُرقة بين الزوجين، الفصل الرابع: الدعوى القضائية في طلب الزوجة الفُرقة مِن زوجِها لعدم الوئام بينهما.
المصدر: الملتقى الفقهي.