مقالاتمقالات مختارة

حجم جريمة الحكم العلماني

حجم جريمة الحكم العلماني

بقلم محمد خير رمضان يوسف

لا يجوز الحكم بغير شريعة الإسلام، في جميع شؤون الحياة، ومن فعل ذلك فهو ظالم، وفاسق وفاجر، يعاقب على فعله.

والذي حدث أن معظم حكام الدول العربية والإسلامية فعلوا ذلك في عصرنا، ليس بعد سقوط الخلافة الإسلامية، لأنهم أثناءها لم يملكوا من أمرهم شيئًا، فقد احتُلَّت بلادهم من قبل عدو صليبي أو كافر، ومن الطبيعي أن لا يحكم المحتل بالإسلام، بل حاربه، وربَّى جيلاً على أفكاره، وكان يرسل النخبة منهم إلى البلاد الغربية ليروا حضارتهم ويتأثروا بأحزابهم ومناهجهم، فيدرسون هناك، ويتدربون هناك، ويخالطون رجالهم الكبار، ويفتخرون بالتتلمذ عليهم، كما يخالطون النساء… فيعودون مبهورين بمدنيته، محبطين بما هو عليه بلادهم، ويقولون: إن الفعل فعلهم، وإن الحضارة حضارتهم.. ويدعون إلى تحرير المرأة من الدين والأخلاق، ويتبارون إلى تأسيس الأحزاب على هيئة أحزابهم اللادينية، لا آية في مبادئها، ولا حديث في لوائحها، ولا موضع لأدب أو خُلق إسلامي في أنظمتها، ويتلقون من أصدقائهم الدعم، ماديًا ومعنويًا، ويصير لهم أنصار من بلادهم، حتى كثروا وانتشروا.

ثم “يفوزون” ويحكمون، طبعًا بغير الإسلام، ولكن بأفكار قومية كما كانت في أوروبا في عهد ما، وبالاشتراكية كما كان في الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية، ولما تركوا القومية والاشتراكية تبلبلت أفكار الأحزاب في بلادنا واهتزت؛ لأن مؤسسيها وقيادييها ما كانوا سوى ظل لأحزاب الغرب وأنظمتهم، فمنهم من ترك، ومنهم من خلط، ومنهم من نهج نهجه في الليبرالية والعلمانية ودعوى الحرية، بعد تزويق وترقيع.

فالبلاء الأكبر جاءنا من الاحتلال، الذي ربَّى جيلاً على أفكاره.. وقد حكم تلامذتهم وذيولهم نصف قرن، ولكنهم لم يقدِّموا لبلادهم سوى النظم الدكتاتورية.. التي نادت بالحرية والديمقراطية لخدعة أهلها، ولتثبيت قبضتهم على الحكم، ونهب خيراتهم، مثل أساتذتهم الغربيين عندما احتلوا البلاد… فأذاقوا الشعوب أنواع القهر والتسلط والتخلف والجهل والجوع.

وقد بثَّ هؤلاء العلمانيون أفكارهم عبر جميع وسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية الكبرى التي تحتضن عقل الشعب وعاطفته، وتربيته ومعيشته، من مدارس وجامعات ووزارات.. مع تربية حزبية صارمة وعنصرية حاقدة، بعيدة عن الدين والمروءة والأخلاق، بل تعتبر الدين رجعية وتخلفًا. وصار هذا منهج كثير جدًا من الشعب العربي والشعوب الإسلامية، بعد تلك التربية المفروضة عليم من جميع الجهات، فصاروا لا يرون حواليهم سوى هذا، ولا يُسمح لهم بغيره.

فإذا أراد أحدهم أن ينشئ حزبًا تكون أهدافه قريبة من الحزب الحاكم، ولا تكاد تزيد عن مفهوم “الوحدة والحرية والاشتراكية”، مع زيادة ونقص هنا وهناك، يدور في فلك أفكار شرقية أو غربية. ولا يوضع فيها كلمة عن الإسلام، وصارت الأحزاب والإدارات والمؤسسات والبنوك والمعاملات والعلاقات الخارجية والداخلية لا مكان للدين فيها، ولا يسمح فيها حتى بوضع البسملة على الخطابات كما هو في سورية. يعني أنهم صبغوا جميع مؤسسات الدولة بعيدة عن دين الله، فصاروا كأنهم يعيشون في بلد غير إسلامي، فلا ولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا براء من زعماء الكفر والضلال، ويتبع “المسلم” أفكار الحزب ولو كان صاحبه أو رئيس فرعه مسيحيًا.. وانظر إلى عدد المسلمين المنتسبين إلى الحزب القومي السوري الذي أنشأه أنطون سعادة، وإلى عدد المنتسبين إلى حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أنشأه ميشيل عفلق… إنهم ملايين الشباب وكبار القادة والرؤساء والوزراء والمفكرين من المسلمين، وصاروا في درجة من التعصب للحزب إلى الدفاع عنه بأرواحهم، وهو ما لا يفعلونه لدينهم، على الرغم من أنه حزب دكتاتوري ذاق الشعب من جرائه الويلات في سوريا والعراق خاصة، ومعظم الأحزاب العلمانية عندنا متشابهة عمليًا، ولا تغرنك الشعارات.

ولما انطلقت الثورات العربية، وصار الدين أمرًا واقعًا وأساسيًا في الحكم، وخاصة في مصر، وسُمح للأحزاب والجمعيات والمؤسسات الإسلامية بالعمل والحركة، كشرت العلمانية عن أنيابها، وضاقت الدنيا في عينها، فصار العلمانيون يخططون، ويتلونون ويراوغون؛ لأنهم يعلمون أنهم لو تهجموا على الإسلام باسمه ورفضوه، لقام عليهم كثير من الشعب المتدين الذي انغرَّ بهم، ولكنهم صاروا يهدفون رموز الدين، والدعاة والجماعات الإسلامية بأسلوب قذر، فيه التنابز والكراهية، فيقولون “أخونة الدولة” بدل “أسلمة الدولة”، ويخوفون الناس من السلفية ويصبغونها بالجمود والأصولية، وما إلى ذلك.

وقد صدقهم بعض المغفلين من المسلمين، فصاروا يمشون في مواكبهم، ويرددون شعاراتهم ضد أهل الدين، وينادون بإسقاط الدولة الإسلامية الفتية، التي لا يريد لها أعداؤها أن تتنفس، ولمّا يمض عليها عام، وهو قصير جدًا جدًا في عمر الدول، لا يمكن إلا إصلاح أجزاء يسيرة منها، بعد ظلم وفساد وتخريب ذمم دام أكثر من نصف قرن!

فلا غرو أن تجد بينهم محجبات أو أصحاب لحى، لا يعرفون حقيقة دينهم، ولا ما يريد بهم العلمانيون وبدينهم.

وصاروا يجتمعون وكانوا متفرقين متحاسدين. يجتمعون على محاربة الدين للعودة إلى الحكم بالعلمانية والفساد الاجتماعي الذي تربوا عليه، فهم لا يطيقون العيش في أجواء ربانية، ولا تحت ظل أحكام شرعية، لا غشَّ فيها ولا تزوير، ولا مزايا فيها للكبار ولا رشوة، ولا بلطجية ولا عصابات ولا مؤامرات، فصاروا كأنهم يعيشون في غربة أو فراغ، وقد سُحبت الكراسي من تحتهم، وأُفرغ ما في أيديهم، وهم لم يألفوا ذلك، فبدؤوا يخططون لضرب الإسلام من جديد نيابة عن أساتذتهم المحتلين، الذين ربوهم على ذلك، ويتلقون منهم الدعم مرة أخرى بعد أن شعروا أن مواقعهم ومصالحهم وأصدقاءهم باتوا في خطر، وأن الشباب الجديد صار يربَّى على العمل والإخلاص للدين والوطن.

وباختصار، فإن تجربة الحكم العلماني أفرزت ملايين المسلمين الذين لا يعرفون دينهم حقًا، أو لا يأبهون به، أو لا يفرقون بينه وبين أي نظام آخر!! بل صاروا يدورون في فلك أعداء الدين وهم لا يعلمون أنهم بذلك يساعدون على هدم الدين، أو هم صاروا يحاربون الدين من حيث يدرون أو لا يدرون!

(المصدر: موقع الشيخ محمد خير رمضان يوسف)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى