بقلم عبد الأحد أحمدي
حقوق الله المالية كالزكوات والكفارات والنذور لا تسقط بالتوبة ، بل يجب مع التوبة تبرئة الذمة بأدائها [1] .
أما حقوق الله تعالى غير المالية كالحدود مثلا فقد اتفق الفقهاء على أن جريمة قطع الطريق ( الحرابة ) تسقط بتوبة القاطع قبل أن يقدر عليه ؛ لقوله تعالى : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم } [2] .
فدلت هذه الآية على أن قاطع الطريق إذا تاب قبل أن يظفر به سقط عنه الحد ، والمراد بما قبل القدرة في الآية أن لا تمتد إليهم يد الإمام بهرب أو استخفاء أو امتناع.
وتوبته برد المال إلى صاحبه إذا كان قد أخذ المال لا غير ، مع العزم على أن لا يعود لمثله في المستقبل . فيسقط عنه القطع أصلا ، ويسقط عنه القتل حدا ، وكذلك إن أخذ المال وقتل حتى لم يكن للإمام أن يقتله حدا ، ولكن يدفعه إلى أولياء المقتول يقتلونه قصاصا إذا تحققت شروطه . وإن لم يأخذ المال ولم يقتل فتوبته الندم على ما فعل والعزم على الترك في المستقبل [3] .
ولا يسقط عن المحارب حد الزنى والشرب والسرقة إذا ارتكبها حال الحرابة ثم تاب قبل القدرة عليه عند المالكية والشافعية في الأظهر ، وهو احتمال عند الحنابلة ، ومفهوم إطلاق الحنفية في هذه الحدود .
والمذهب عند الحنابلة وهو خلاف الأظهر عند الشافعية أنها تسقط عن المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه لعموم الآية .
أما حد القذف وما عليه من حقوق الآدميين من الأموال والجراح فلا تسقط عن المحارب كغير المحارب إلا أن يعفى له عنها [4] .
أما في غير المحاربة فإن الحدود المختصة بالله تعالى كحد الزنى والسرقة وشرب الخمر فلا تسقط بالتوبة عند الحنفية ، وهو المشهور عند المالكية ، والأظهر عند الشافعية ، ورواية عند الحنابلة ؛ لقوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [5] وقوله سبحانه : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } [6] وهذا عام في التائبين وغيرهم ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية ، وقطع الذي أقر بالسرقة ، وقد جاءوا تائبين يطلبون التطهير بإقامة الحد ، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم توبة فقال في حق المرأة : لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم [7]
والرأي الثاني وهو خلاف الأظهر عند الشافعية وهو رواية عند الحنابلة ورأي لبعض المالكية أنه إن تاب من عليه حد من غير المحاربين يسقط عنه الحد لقوله تعالى:{ واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما } [8] وذكر حد السارق ثم قال : { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه } [9] .
على أن بعض الفقهاء فرقوا بين التوبة من هذه الجرائم قبل الرفع للإمام وبعده فيقولون بإسقاط التوبة لها قبل الرفع لا بعده [10] .
——————————
المراجع:
[1] – الروضة 11 / 246 ، وكشاف القناع 2 / 257 .
[2] – سورة المائدة / 34 .
[3] – البدائع 7 / 96 ، ابن عابدين 3 / 140 ، وجواهر الإكليل 2 / 295 ، والفروق للقرافي 4 / 181 ، ونهاية المحتاج 8 / 6 ، والمغني 8 / 296 ، 297 ، والقليوبي 4 / 201 .
[4] – المراجع السابقة ، والدسوقي 4 / 2050 ، وكشاف القناع 6 / 153 ، وابن عابدين 4 / 479 ، ومسلم الثبوت 1 / 328 ، والوجيز 2 / 251 ، ونهاية المحتاج 8 / 6 ، والقليوبي 4 / 201 ، ومغني المحتاج 4 / 184 ، والفواكه الدواني 2 / 281 ، والمغني 8 / 296 .
[5] – سورة النور / 2 .
[6] – سورة المائدة / 38 .
[7] – أخرجه مسلم 3 / 444 ط عيسى الحلبي .
[8] – سورة النساء / 16 .
[9] – سورة المائدة / 39 .
[10] – البدائع 7 / 96 ، وبلغة السالك 4 / 489 ، وحاشية الجمل 2 / 130 ، ونهاية المحتاج 8 / 6 ، والمغني 8 / 297 ، وكشاف القناع 6 / 154 .
المصدر: الملتقى الفقهي.