الواجبات الشرعية نحو قرار ضم الضفة الغربية
بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد
أعلن الكيان الصهيوني مؤخرا عزمه على اتخاذ قرار بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية إلى هذا الكيان، وهو يمثل جريمةً بحق قضية فلسطين، وجورا جديدا على حقوق الشعب الفلسطيني، واعتداءً صارخا على مقدسات الأمة المسلمة.
طبيعة الحياة التدافع
ولقد أقام الله تعالى الحياة على سنن وقوانين لا تبديل لها ولا تحويل ولا محاباة، ومن أهم هذه السنن سنة التدافع، فلا حياة بدون تدافع، وبدون التدافع تفسد الأرض؛ إذ يسود الباطل ويتمكن من الأرض، وهو ما سيترتب عليه فساد في الأرض، بعدم معرفة الحق من الباطل ولا الباطل من الحق، قال تعالى: ﴿… وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [البقرة ٢٥١].
قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيرها: “أي: لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه ﴿ولكن الله ذو فضل على العالمين﴾ حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الأرض بأسباب يعلمونها، وأسباب لا يعلمونها”. [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 109. مؤسسة الرسالة. الطبعة الأولى. 1421هـ. 2000م].
ومن سنة الله تعالى في الاحتلال أنه لا يدوم، ولا يستقر ولا يستمر، فلم يحتل عدو أرضا على مر التاريخ إلا ووجد هبة الشعب المقاوم يدافعه ويقاتله حتى ينجلي انجلاء تاما من الأرض التي احتلها، هكذا تحدث التاريخ ونبَّأ الواقع!
الواجبات الشرعية
وأمام هذا الإقدام على قرار ضم أجزاء من الضفة الغربية لأرض المحتل الصهيوني فإن هناك عدة واجبات شرعية نوجزها في الآتي:
الواجب الأول: استحضار خطاب التحرير الكامل والمقاومة الشاملة:
أحيانا – بل دائما – يتعمد العدو إلهاء المسلمين في قضايا جزئية لينسى أصل القضية، ففي حالة فلسطين مثلا قد احتل الصهاينة الأرض، ثم يجورون شيئا فشيئا، ويحتلون أجزاء إضافية، ويقومون باعتداءات جديدة؛ فيكون الأمل والمطلب أو الهدف هو الرجوع للحالة التي قبل الاعتداء الإضافي، ويتناسى الناس أصل الاحتلال وواجب مقاومته حتى زواله عن الأرض كلها.
فمرة يبني مستوطنات، ومرة ثانية يجعل القدس عاصمة “إسرائيل”، ومرة ثالثة يقدم على التقسيم المكاني والزماني للأقصى، ومرة رابعة يعلن تهويد القدس، وهكذا .. فيتسربل الناس في الحديث عن الاعتداء الجديد وينسون الحديث أو استحضار الحديث في الخطاب الشرعي والسياسي والقانوني عن واجب التحرير الكامل للأرض والمقدسات والأسرى والمسرى والقدس وفلسطين كاملة.
وقد أجمع المسلمون من جميع المذاهب أن العدو إذا اغتصب أرضا وجب الجهاد على الرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فإن لم تتحقق الكفاية بأهل المحلة تحرك الواجب الشرعي على من يلونهم حتى تتحقق الكفاية في جهاد العدو ودحره.
فالواجب الشرعي استحضار خطاب التحرير الكامل مهما أقدم العدو على اعتداءات جديدة، ولا يجوز لنا الانغماس الكامل في الحديث عن الجديد ونسيان الأصل، بل استحضاره والحديث عنه جنبا إلى جنب مع الاعتداءات الجديدة واجب شرعا وعقلا وسياسة، وهو ما يحيي القضية بشكل حقيقي في نفوس الأمة، ويحقق غيظ العدو وإرهابه، وهو من مقاصد المقاومة.
الواجب الثاني: توحيد الصف الفلسطيني:
ومن الواجبات المهمة أمام قرار الضم وغيره من القرارات وجهاد العدو الصهيوني عموما هو توحيد الصف الفلسطيني، ولن يتم نصر أو أي إنجاز يذكر في قضية فلسطين ولا غيرها من قضايا الأمة إلا بتوحيد صف الشعب الفلسطيني وبخاصة فصائل المقاومة فيه، فالوحدة من واجبات الشرع عموما، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾ [الأنبياء ٩٢]. وتوحيد الصفوف فريضة في القتال أعلن الله تعالى في القرآن الكريم أنه يحبها، وهو حض عليها وأمر بها طبقًا لضيع الأمر عند الأصوليين، قال عز شأنه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلَّذِینَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِهِۦ صَفࣰّا كَأَنَّهُم بُنۡیَـٰنࣱ مَّرۡصُوصࣱ﴾ [الصف ٤]. قال ابن كثير في تفسيرها: “فَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى بِمَحَبَّةِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا اصْطَفُّوا مُوَاجِهِينَ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَدِينُهُ هُوَ الظَّاهِرُ الْعَالِي عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ”. [تفسير القرآن العظيم: 8/ 107. تحقيق سامي بن محمد سلامة. دار طيبة. الطبعة الأولى. 1418هـ.1997م].
وهذه الصف والتراص يجب أن يكون على الجهاد والمقاومة وليس على المهاترات السياسية والاتفاقات الزائفة التي ثبت أنها سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ومن هنا فإن العدو لن يحترمنا إلا إذا كنا صفًّا واحدًا، يدًا واحدة، كلمة واحدة، أمام صلفه المعهود، وكبره الدائم، وعدوانه المستمر، وإجرامه المتكرر.
وهذا التوحد والتراص يجب أن ينادي به العلماء ويبينوا وجوبه الشرعي، وتنادي به الأمة الفصائل أن تتحد وتتوحد؛ فإن في وحدتهم إغاظةً للعدو، وإعطاءَ دفقةِ أملٍ كبيرة للعلماء أنفسهم، وبث روح تفاؤل وأمل في جموع المسلمين في كل مكان.
الواجب الثالث: تطوير إمكانات المقاومة القتالية:
نحن في عصر – وهكذا كل عصر – لا يعرف إلا لغة القوة، والقوة عندنا محفوفة بضوابط الشرع وليست طائشة أو باغية، والله تعالى يقول: ﴿وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ …﴾ [الأنفال ٦٠].
يقول العلامة جمال الدين القاسمي في كتابه “محاسن التأويل في تفسير هذه الآية – وما أحسن ما قال! -: “دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى وُجُوبِ إعْدادِ القُوَّةِ الحَرْبِيَّةِ، اتِّقاءَ بَأْسِ العَدُوِّ وهُجُومِهِ. ولَمّا عَمِلَ الأُمَراءُ بِمُقْتَضى هَذِهِ الآيَةِ، أيّامَ حَضارَةِ الإسْلامِ، كانَ الإسْلامُ عَزِيزًا عَظِيمًا، أبِيَّ الضَّيْمِ، قَوِيَّ القَنا، جَلِيلَ الجاهِ، وفِيرَ السَّنا، إذا نُشِرَ لِواءُ سُلْطَتِهِ عَلى مُنْبَسَطِ الأرْضِ، فَقَبَضَ عَلى ناصِيَةِ الأقْطارِ والأمْصارِ، وخَضَّدَ شَوْكَةَ المُسْتَبِدِّينَ الكافِرِينَ، وزَحْزَحَ سُجُوفَ الظُّلْمِ والِاسْتِعْبادِ، وعاشَ بَنُوهُ أحْقابًا مُتَتالِيَةً وهم سادَةُ الأُمَمِ، وقادَةُ مَشْعُوبٍ، وزِمامُ الحَوَلِ والطَّوْلِ وقُطْبُ رَوْحَيِ العِزِّ والمَجْدِ، لا يَسْتَكِينُونَ لِقُوَّةٍ، ولا يَرْهَبُونَ لِسَطْوَةٍ.
وأمّا اليَوْمَ، فَقَدْ تَرَكَ المُسْلِمُونَ العَمَلَ بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، ومالُوا إلى النَّعِيمِ والتَّرَفِ فَأهْمَلُوا فَرْضًا مِن فُرُوضِ الكِفايَةِ، فَأصْبَحَتْ جَمِيعُ الأُمَّةِ آثِمَةً بِتَرْكِ هَذا الفَرْضِ ولِذا تُعانِي اليَوْمَ مِن غُصَّتِهِ ما تُعانِي، وكَيْفَ لا يَطْمَعُ العَدُوُّ بِالمَمالِكِ الإسْلامِيَّةِ، ولا تَرى فِيها مَعامِلَ لِلْأسْلِحَةِ، وذَخائِرَ الحَرْبِ، بَلْ كُلُّها مِمّا يُشْتَرى مِن بِلادِ العَدُوِّ؟
أما آنَ لَها أنْ تَتَنَبَّهَ مِن غَفْلَتِها، وتُنْشِئَ مَعامِلَ لِصُنْعِ المَدافِعِ والبَنادِقِ والقَذائِفِ والذَّخائِرِ الحَرْبِيَّةِ ؟ فَلَقَدْ ألْقى عَلَيْها تَنْقُصُ العَدُوِّ بِلادَها مِن أطْرافِها دَرْسًا يَجِبُ أنْ تَتَدَبَّرَهُ، وتَتَلافى ما فَرَّطَتْ بِهِ قَبْلَ أنْ يُداهِمَ ما بَقِيَ مِنها بِخَيْلِهِ ورَجِلِهِ، فَيَقْضِي – والعِياذُ بِاللَّهِ – عَلى الإسْلامِ ومَمالِكِ المُسْلِمِينَ، لِاسْتِعْمارِ الأمْصارِ، واسْتِعْبادِ الأحْرارِ، ونَزْعِ الِاسْتِقْلالِ المُؤْذِنِ بِالدَّمارِ. وبِاللَّهِ الهِدايَةُ”. أ.هـ. [محاسن التأويل: 3025-3026. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. طبعة عيسى البابي الحلبي. الطبعة الأولى. 1376هـ- 1957م].
ومن هنا فإن من واجب المقاومة شرعًا تطوير قدراتها وإمكاناتها على القتال أرضًا وجوًا وبحرًا بما يحقق الإثخان في العدو، وإيلامه وإيجاعه، والإقدام عليه ومطاردته في كل مكان على أرض فلسطين حتى لا يجد أمامه مخرجًا إلا الجلاء الكامل وترك الأرض لأصحابها.
الواجب الرابع: تثوير الضفة الغربية:
إن الضفة الغربية وقد تعلق هذا القرار بها مباشرة فإن الواجب الشرعي أول ما يقع إنما يقع عليهم؛ لأنهم أهل المحلة الذين يتعلق بهم الوجوب العيني شرعًا، ثم ينضم إليهم من حولهم أو تبعهم حتى تتحقق الكفاية في الجهاد القتالي إلى التحرير، قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمۡ إِذَا قِیلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِیتُم بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا مِنَ ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ فَمَا مَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا قَلِیلٌ …. ٱنفِرُوا۟ خِفَافࣰا وَثِقَالࣰا وَجَـٰهِدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [التوبة ٣٨، ٤١].
وقد أورد شيخ المفسرين الطبري أقوالا في معنى “خفافا وثقالا”، وهي: شبابا وشيوخا، مشاغيل وغير مشاغيل، أغنيا وفقراء، نِشاطًا وغير نِشاط، ركبانًا ومشاة، ذا ضَيْعة وغير ذي ضيعة، ثم قال: “وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنَّفر لجهاد أعدائه في سبيله، خفافًا وثقالا. وقد يدخل في “الخفاف” كلُّ من كان سهلا عليه النفر لقوة بدنه على ذلك، وصحة جسمه وشبابه، ومن كان ذا يُسْرٍ بمالٍ وفراغ من الاشتغال، وقادرًا على الظهر والركاب. ويدخل في “الثقال” كلُّ من كان بخلاف ذلك، من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه، ومن مُعسِرٍ من المال، ومشتغل بضيعة ومعاش، ومن كان لا ظهرَ له ولا ركاب، والشيخ وذو السِّن والعِيَال. فإذ كان قد يدخل في “الخفاف” و”الثقال” من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا، ولم يكن الله جل ثناؤه خصَّ من ذلك صنفًا دون صنف في الكتاب، ولا على لسان الرسول ﷺ، ولا نَصَب على خصوصه دليلا وجب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافًا وثقالا مع رسوله ﷺ، على كل حال من أحوال الخفّة والثقل”. ا.هـ. [جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 11/ 474. تحقيق عبد الله التركي. طبعة هجر. القاهرة. 1422هـ. 2001م].
ولقد آن الأوان للضفة الغربية أن “تثور” حسب استطاعتها، وتنضم لقطاع غزة وغيره في التحرير والمقاومة؛ كي يذوق هذا الاحتلال الغاصبُ وبالَ أمره، ولا تظلَّ على حالتها التي يتحكم بها الاحتلال الغاشم الذي لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يكسره ويدحره إلا السلاح، فالواجب أن تشتعل أرض فلسطين نارًا تحت أقدام هذا العدو، ومن أمامه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله حتى يندحر وينجلي عن أرضنا ومقدساتنا.
الواجب الخامس: حشد الأمة للإسهام في التضامن العام والجهاد المالي:
من الواجبات الشرعية أمام هذا القرار وتجاه القضية بصفة عامة أن تُعزز الأمةُ قضيةَ فلسطين في نفوسها ونفوس أبنائها وأجيالها: رجالا ونساء، شيبا وشبانا، أطفالا وكبارا: بالتذكير بها، وذكر فضائلها، وبيان تاريخها، وتعظيم مقدساتها، والعمل على التضامن مع أهلها بإقامة الندوات، وعقد المؤتمرات، وإلقاء الخطب، وكتابة المقالات؛ كي تصبح القضية حاضرة دائما لا تغيب، قوية أبدا لا تخبو.
ومن الواجبات الشرعية على الأمة الجهاد بالمال دعمًا لهذا الشعب المسلوبةِ أرضُه والمغتصبة حقوقُه، قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَـٰرَةࣲ تُنجِیكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِیمࣲ . تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [الصف ١٠-١١].
فهذه هي التجارة الرابحة مع الله تعالى، وقد قدم الجهاد بالمال هنا على الجهاد بالنفس، وفي آية إعداد القوة يقول تعالى: ﴿… وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ﴾ [الأنفال ٦٠]. فإن إعداد القوة لابد له من مال، وتطوير المقاومة وتعزيز قدراتها القتالية يحتاج إلى المال، وتوحيد الشعب الفلسطيني يحتاج إلى مال، وتثوير الضفة الغربية يحتاج إلى مال، فالمال عصب الجهاد وقوته وعدته؛ ولهذا ربطه الله تعالى بالجهاد القتالي في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، وكذلك في السنة النبوية، فقد أخرج البحاري بسنده عن زيد بن خالد الجهني أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: “مَن جَهَّزَ غازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزا، وَمَن خَلَفَ غازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزا”. [صحيح البخاري، رقم: ٢٨٤٣].
وفي هذا الحديث بيان فضل تجهيز الغزاة، فهو بمثابة من يقوم بالغزو، وهو يشير من ناحية أخرى إلى أن تجهيز الغزاة بما يتضمنه هذا التجهيز من مال يعتبر بمثابة الغزو نفسه، وبهذا فإن دعم المرابطين في القدس، وإنفاق المال لكفالتهم، وإنفاقه كذلك لتطوير أدوات المقاومة وإمكاناتها أرضًا وجوًا وبحرًا لهو من أوجب الواجبات الشرعية على الأمة التي حيل بينها وبين الجهاد على أرض فلسطين بالسلاح، فيبقى المستطاعُ واجبًا عليها وهو الجهاد بالمال، والميسور لا يسقط بالمعسور، والله غالب على أمره.
(المصدر: مجلة المجتمع / موقع البوصلة)