مقالاتمقالات مختارة

الشرعية – ماهيتها.. لمن تعطى؟ وكيف؟ وأسباب نزعها؟ وكيف؟

الشرعية – ماهيتها.. لمن تعطى؟ وكيف؟ وأسباب نزعها؟ وكيف؟

بقلم أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

أولاً- الشرعية في الحكم والقيادة والسيادة

    لا بد لكل حاكم, أو زعيم, أو حامل رسالة, أو قائد جماعة من شرعية تؤهله وتمكنه من قيادة الناس, وتولي أمرهم, وتجعل له مكانة بينهم, وتجعلهم يلتفون حوله, ويسمعون له, ويطيعون أمره, ويعملون بما يوجههم إليه, إن لم يكن كلهم فجلهم وغالبيتهم.

    أولها: الشرعية الربانية الإلهية: وهي التي منحها الله للأنبياء والرسل؛ بتكليف رباني لهم بالرسالة, عن طريق الوحي الإلهي, وأمر الناس باتباعهم..

قال تعالى:

      {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة247

      وأيد الله بعضهم بالكتب السماوية, وأمر الله البشر بطاعتهم, والتزام أوامرهم, واجتناب نواهيهم, وتوعد من خالفهم بالعذاب, ووعد من أطاعهم بالجنة, والأمثلة بالقرآن كثيرة, قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}المائدة92

     وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}الأحزاب36. ولكن هذه الشرعية غير متوفرة الآن, لأن الوحي انقطع بوفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, وكل من يدعي بذلك وأن له صلة بالسماء فهو كاذب, وهذا ما يفعله الدجالون للكذب والنصب على الناس بأن له علاقة بالغائب, وأنه مرتبط باليسوع وموكل عنه, وكثرة الادعاء بالانتساب لآل البيت, وغيرها من الأساليب الملتوية لنيل الشرعية الدينية أو السياسية.

    الشرعية الثانية: شرعية التكليف من قبل الأنبياء والرسل أنفسهم, لخلفائهم؛ بالمباشر أم بالإيحاء: وهذا ما حصل مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه, حين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أن يصلي بالناس, ويؤمهم.

      ومن بعده أوصى أبو بكر الصديق بالخلافة لعمر بن الخطاب, رضي الله عنه, وقد انتقلت الخلافة إليه بسلاسة ويسر.

    الشرعية الثالثة: كانت  من خلال تشكيل اللجنة السداسية لتنوب عن الأمة في البيعة: تلك اللجنة التي اختارها وكلفها الخليفة عمر بن الخطاب باختيار الخليفة من بين شخصيتين كبيرتين لهما مكانتهما العظيمة بين الناس, وقربهما من رسول الله, وكانت الأمة تجمع عليهما, وقد تنافسا على الخلافة, وقد تم اختيار اللجنة ضمن معايير دقيقة محددة وضعها الخليفة عمر, ولم يعترض عليها أحد من الأمة, ولا من المرشحين, وقد عرضت اللجنة على المرشحين برنامجا للحكم, ومنهجا, عرضته على المرشحين؛ عثمان بن عفان, وعلي بن أبي طالب – رضي الله عنهما- اعترض عليه علي, ووافق عليه عثمان, وانتهت اللجنة بتكليف عثمان, وأخذ البيعة له, ثم انتقلت الخلافة بعد مقتله إلى علي بعد مقتل عثمان, وكانت الفتنة التي انتهت بمقتل علي.

     أما الشرعية الرابعة: فكانت شرعية التوريث من الإمام علي لابنه الحسن, رضي الله عنهما, وكانت أول توريث في الإسلام.

     الشرعية الخامسة: شرعية التنازل عن الخلافة من الحسن بن علي, إلى معاوية بن أبي سفيان.

     الشرعية السادسة: الشرعية الملكية الوراثية في بني أمية: ووحده عمر بن عبد العزيز الذي خلع نفسه من شرعية الوراثة إلى شرعية البيعة المباشرة من الناس.

      ومن بعدهم في بني العباس, الذين أخذوها بثورة مسلحة: – مدعومة فارسيا – من بني أمية, ثم توارثوها فيما بينهم.

       والشرعية السابعة: الشرعية الثورية الفردية الشخصية: التي ينتزعها الفرد بنفسه, بسبب ما, أو طريقة ما, أو عمل ما متميز خاص, وقد استطاع أن يثبت وجوده فيه, ويبرز شخصيته, ويترك بصمته في الحياة, ويكون رمزا وطنيا, وقائدا شجاعا تشهد الناس له بذلك, وتقر له بالزعامة, كـ عنترة في بطولته, وانتزاع حريته, من مجتمع يقر بالعبودية على السود, ويمنع الحرية عنهم, إلا باستثناء نادر.

       وعبد الرحمن الداخل – صقر قريش – في بناء دولة العرب بالأندلس, وصلاح الدين الأيوبي بتحرير بيت المقدس, وعمر المختار في مقارعة المحتل, وغاندي في تحرير بلاده الهند من الاستعمار الانكليزي, وجيفارا وكاسترو محررا أمريكا اللاتينية من الاحتلالين الإسباني والبرتغالي, وبن بلا, محرر الجزائر, وهوشي منه, محرر قيتنام, وماوتسي تونغ, محرر الصين, ومانديلا محرر جنوب أفريقيا من العبودية والتمييز العنصري, وعرفات رمز الثورة الفلسطينية, ومهاتير محمد باني ماليزيا الحديثة, ومن كان على شاكلتهم.

في عصرنا الحديث كانت:

1- الشرعية الديمقراطية في الغرب: أي السلطة العليا للشعب, والشعب هو مصدر السلطات, (الثورة الفرنسية نموذجا). وهذه لم تصل إليها أوربا إلا بع حروب أهلية, دامت عقودا وقرونا, وحربين عالميتين حصدت الملايين من البشر.

2- شرعية الانقلابات العسكرية:  بالقوة الجبرية, (الدول العربية التي يحكمها العسكر, ولاسيما مرحلة الانقلابات في مصر وسورية وليبيا واليمن والعراق).

3- شرعية العمالة للأجنبي: حيث يقوم الأجنبي باختيار شخص, أو قبيلة أو عائلة, أو مجموعة معينة من الأشخاص, ويوصلها إلى سدة الحكم, ويرعاهم, ويحميهم, ويحافظ على عروشهم, مقابل تنفيذ ما يأمرهم به, من خلال – نصائح ملزمة – كما أسموها – وتخادم متبادل فيما بينهم, وهذا ما حصل في ممالك الخليج قديما, وفي العراق حديثا, وما حصل معنا في اختيار قادة ثورتنا اليوم. (الائتلاف, ولجنان التفاوض, وبعض قادة الفصائل, وبعض رؤساء وبعض وزراء الحكومات المتعاقبة).

       حيث اختارهم الأجنبي, على هواه, ووفق معاييره, وبما ينسجم مع مخططاته في المنطقة, وما يحقق مصالحه وأهدافه, وينفذ مشروعه, ويتبناهم, ويدعمهم بالغطاء السياسي, والإعلامي, والمال والسلاح للفصائل العسكرية التي تعمل بإمرته, وتنفذ أوامره, ويقدم لهم كل ما يبرزهم, ويوصلهم إلى مركز صنع القرار.. وقد كان له ما أراد, ولهم ما أرادوا.

     فالثورة السورية لم تختر هؤلاء القادة, ومن اختارتهم الثورة ونالوا الشرعية الثورية, إما قتل, أو أبعد قسرا, أو غيب بطريقة أو بأخرى.

     ولم يؤخذ رأي الشعب الثائر في أولئك القادة الذين اختارهم الأجنبي, مع أن ثورتنا جسدت أجمل اللوحات, ورفعت أرقى الشعارات, وقدمت  أروع البطولات, وأعظم التضحيات, وأبهى شكل من أشكال الثورات الشعبية في العالم, ولكن العالم اختار لها أخس وأجبن وأتفه وأجهل القادة, والأمثلة كثيرة.

     كل هذه القيادات المتصدرة للمشهد اليوم, لم يخترها الشعب, ولم تحصل على شرعية ثورية, ولا على تفويض من الشعب؛ بتولي أمر الثورة وقيادتها, وقيادة الشعب الثائر, والجماهير المناضلة..

     وإنما فرضت نفسها على الشعب بقوة الأمر الواقع , وبالدعم الأجنبي الخارجي, وعملت على تنفيذ أجندة تلك الدول التي اختارتهم ودعمتهم ونصبتهم..

يتبع….

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى