لا مبرر لاستثناء المساجد من التخفيف من الحجر
بقلم د. احمد الإدريسي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مما تضرر منه الناس بسبب جائحة “كورونا” إغلاق المساجد، والذي كان في المغرب بتاريخ 16 مارس 2020، حين صدرت فتوى من “المجلس العلمي الأعلى”، بتاريخ: 21رجب1441، هذه الفتوى طمأنت المغربة بأن هذا الإجراء لن يستمر، وأن الحياة ستعود إلى طبيعتها لإقامة الصلاة في المساجد. والتخريج الفقهي عندهم هو “سد ذريعة الضرر الصحي المتوقع من فتح المساجد”، والتزم المغاربة بمقتضاها بأداء الصلوات في البيوت.
ولما تغيرت الحالة الوبائية في العالم وفي بلدنا، اتخذت كل الدول قرار التخفيف من الحجر الصحي، مع أخذ التدابير الكافية والإجراءات المناسبة لإعادة الحياة إلى طبيعيتها بشكل تدريجي، ومنها تنظيم إقامة شعيرة الصلاة في المساجد، ومن ذلك أيضا فتح المعامل والمقاهي والحمامات وقاعات الرياضة، وغيرها من المرافق والأماكن العامة. لكن ومع كامل أسف، فوجئ المغاربة بقرار استثناء المساجد من التخفيف من الحجر؛ حيث لم تأخذ الجهات المعنية بعين الاعتبار المعطيات المتجددة وتطورات الحالة الوبائية بالبلد، ولم يستفيدوا من الطرق والوسائل التي فُتحت بها المساجد في مختلف دول العالم.
فلماذا لم تفكر الجهات المعنية في بلدنا في الطرق والوسائل للاحتياطات الصحية اللازمة لإعادة فتح المساجد بشكل تدريجي، مع الموازنة بين مصلحة حفظ صحة وسلامة المصلين، ومصلحة الأمن الروحي الجماعي الذي يوفره المسجد. وهنا أقترح مجموعة من التدابير الوقائية، والبدائل عن استمرار الإغلاق غير مبرر لبيوت الله:
1– إعادة الفتح التدريجي للمساجد، مع مراعاة ظروف حال كل جهة، وكل إقليم.
2– فتح المساجد التي يكون فيها عدد المصلين محدودا، ومنها:
* مساجد الأحياء الصغيرة، والبوادي والقرى.
* مساجد الإدارات والمعامل والأماكن العمومية.
* قاعات الصلاة في محطات استراحة المسافرين. وغيرها.
3– أخذ الاحتياطات الصحية الضرورية، تضمن سلامة المصلين.
4– حث المصلين على ضرورة اتخاذ الإجراءات الاحترازية كإحضار سجادة خاصة، عدم اصطحاب الأطفال داخل المسجد، وعدم التزاحم عند دخول المساجد أو الخروج منها، والوضوء في المنزل.
5– التوعية الإعلامية اللازمة لتطبيق هذه الإجراءات والتدابير الوقائية.
أما إن قيل إن المرافق التي سمح لها باستئناف أنشطتها بتدرج، كان لتوقيفها أضرار اقتصادية لا يمكن للدولة ولا للمواطنين تحملها، أما فتح المساجد فليس له فوائد اقتصادية.
قلت: كان للمسجد عبر مختلف مراحل الحضارة الإسلامية دور بارز على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، وأذكر هنا بعض مساهماته الاقتصادية:
– يمكن للمسجد أن تكون به خلية لإرشاد التجار إلى فقه المعاملات الإسلامية في المال والتجارة و الاقتصاد بشكل عام.
– دور المسجد في تحسيس المجتمع بخطورة الآفات الاجتماعية المختلفة، كالخمر والمخدرات والمهلوسات، وهذا له أثر اقتصادي، وإن كان غير مباشر.
– يسهم المسجد في إصلاح السوق الذي تميز عندنا بالربا، والغش، والتدليس، والغرر، وبهذا الشكل يعي التاجر أهمية الجوانب الاقتصادية في حياة الأمة فتتحسن العلاقات التجارية بين الناس وتقل تلك الآفات السوقية الخطيرة التي كانت سببا في تدمير عدد من الدول.
– للمسجد دور فعال في محاربة الفساد والرشوة المنتشرة في مختلف الإدارات مع نماذج شاذة ممن تقلدوا المناصب وضيعوا حقوق المواطنين.
وما زلت أؤكد أن هذه المساهمات الاقتصادية –وفي كل المجالات- لا تتأتى إلا إذا عاد للمسجد دوره الحقيقي، وسمحت له المؤسسات الرسمية بالقيام بهذه الأدوار، كما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم.
خاتمة:
المساجد بيوت الله، أمر الله عز وجل أن تطهر ويُـرفع من شأنها، وتعمر بالذكر والعبادة وما ينفع المؤمنين في دنياهم وآخرتهم، قال تعالى: “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ”[1]. وفي المسجد تتصافى القلوب وتتآلف، وتزول الفوارق الطبقية، لذلك كانت له وظائف عظيمة وشاملة لكل مجالات الحياة؛ فاحتضن الشباب وأحيى الأمة، ويمكن له أن يؤدي دوره الريادي مرة أخرى في حياة المسلمين، وتربية أفراد المجتمع روحيا ونفسيا وأخلاقيا واجتماعيا إذا عادت للمسجد أهميته وهيبته ومكانته في قلوب الناس.
لكن تقلص دور المسجد شيئا فشيئا، وغُيبت وظائفه وأدواره اليوم، وقد ظهر الأثر السلبي واضحا على مستوى الفرد والجماعة وفي كل مجالات الحياة، وللأسف لازالت الجهود حثيثة للتضييق على المساجد وشل وظيفتها وتحجيم دورها.
وليس هناك أي مسوغ للاستمرار في غلق المساجد إلى أجل غير مسمى، مع أن الدولة لها الإمكانات المادية لتوفير الوسائل وتعزيز الاحتياطات الصحية اللازمة لإعادة فتح المساجد، واستمرار الأمن الروحي الجماعي الذي يوفره المسجد، مع حفظ صحة وسلامة المصلين.
والحمد لله رب العالمين.
[1] – سورة النور، من الآية: 36.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)