الدعوة الوهابية في تقارير مؤسسة الأبحاث الأمريكية راند
إعداد قصي أبو يوسف
تعريف بمؤسسة راند
خرجت مؤسسة راند مِنْ رحم الحرب العالمية الثانية سنة 1945 بعدما أدركت أمريكا أهمية التقدم التكنولوجي والبحث العلمي في كَسْب المعارك وتغيير موازين القوى العالمية، لقد أدرك السياسيون والعسكريون الأمريكيون، ومنهم الجنرال “أرنولد” أهمية الأبحاث والتطوير أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي كان أبرز نتائجها اختراع القنبلة النووية التي كانت ثمرة مشروع “مانهاتن” البحثي.
ومن هنا، وخشيةَ أن ينتهي زمن البحث والتطوير، الذي كانت تتطلبه ظروف الحرب، وتوفر له الدافعية والأجواء الملائمة، عَمَدَ الجنرال “أرنولد” إلى عقد اجتماع مع شركة دوغلاس للطائرات، وأسفر الاجتماع عن توقيع عقد مشروع “راند” في الأول من أكتوبر عام 1945. وتعني RAND التي اختيرت اسمًا للمشروع: الحروف الأولى من: Research And Development. أي: البحث والتطوير.
وبعد شهرين من توقيع العقد، انطلق مشروع راند تحت إشراف نائب رئيس أركان القوات الجوية، للبحث والتطوير، ومع مرور الأيام، أصبح المشروع الموقع بين سلاح الجو وشركة دوغلاس تشوبه فترات إيجابية وسلبية، ولذا فكرت الإدارة في الاستقلال عن شركة دوغلاس التي كان يُنظر إليها على أنها تريد تحقيق الأرباح على حساب الأبحاث، فأرسل رئيس الأركان رسالة إلى رئيس شركة دوغلاس لتحويل مشروع راند إلى مؤسسة غير ربحية، فجاء الرد بالموافقة. فسُجِّلت مؤسسة راند على أنها مؤسسة مستقلة غير ربحية، ثم حصلت بعد ذلك على تبرع بقيمة مليون دولار من شركة فورد، وهو ما أعطاها دفعة قوية في البحث والتطوير.
ثم تطورت مؤسسة راند في مجال الأبحاث، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، بعد أكثر من ستين سنة على نشأتها، وصارت من أكبر المراكز البحثية الاستراتيجية في العالم، وعلى مدار تاريخها أجرت عددًا كبيرًا من التقارير والدراسات والمشاريع التي غيرت العالم، مثل أبحاث الأقمار الاصطناعية، والحاسب الآلي، والاتصالات العسكرية، والإنترنت، وقد انضمت إليها نخبة العلماء وكبار المتخصصين في مختلف العلوم في العالم.
وتعتبر مؤسسة راند باختصار هي: العقل المدبر أو مركز التفكير الاستراتيجي للمؤسسة العسكرية الأمريكية، إذ على ضوء التقارير التي تصدرها المؤسسة يتم رسمُ الخطط والاستراتيجيات للتحكم في الشعوب واستعبادهم بالتحكم في أفكارهم وعقائدهم ونهب ثروات البلدان ، وتوصفُ “راند” على أنها أكبر مراكز الدراسات الإستراتيجية في الولايات المتحدة، ولخطورة دورها في الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي كانت توصف راند في أدبيات السوفيات بأنها : “أكاديمية للدمار والموت” ، كما كان لها دور في حرب فيتنام ، ولا تزال تلعب دورَ الموجه للسياسة الخارجية الصهيونية -الأمريكية في العالم عامة ، وفي العالم الإسلامي خاصة ، وقد كان للتقارير المهتمة بالعالم الإسلامي حصةُ الأسد في مجموع تقاريرها الخطيرة ، إذ بلغت 39 تقريرا منذ 1970 ، أي بمعدل تقريرٍ واحدٍ في كل سنة !
وتعتبر التقارير التالية من أخطر التقارير فيما يتعلق بتوجه راند للعالم الإسلامي ومقالتنا مستقاة منهم:
- تقرير سنة 2003: “إسلام حضاري ديموقراطي-الشركاء والموارد والإستراتيجيات” للكاتب: شيريل بيرنارد.
- تقرير 2007: “بناء شبكات مسلمة معتدلة”.
- تقرير 2008: “بكلماتهم الخاصة–أصوات الجهاد”. للكاتب: دايفيد آرون.
وكلها ضمن أبحاث شعبة الأمن القومي الأمريكي.
ميزان الأصولية والاعتدال
من هو “الوهابي”، “الأصولي”، “المتطرف” في هذه التقارير؟ ومن هو “المسلم المعتدل” الذي يُحتمل أن يكون شريكًا في تنفيذ سياسات أمريكا؟ وما هي المعايير الأمريكية للتطرف؟ وما هي المعايير الأمريكية للاعتدال؟ وهل “الدعوة الوهابية” مرشَّحة لـــ”شراكةٍ” محتملة مع الولايات المتحدة؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، يكفي أن نُعَرِّف “الوهابية” ونُعرِّفَ “الإسلام المعتدل“ في أَعْيُنِ مؤسسات الأبحاث الأمريكية. أما عن “الشخص الوهابي”، فتقرير راند عام 2008 يجيب عن هذا السؤال: فيصف التقرير الجهاديين بأنهم مثلُ الوهابيين والأصوليين الآخرين، فإنهم يُصرُّونَ على أنَّ الإسلام الحقيقي والوحيد هو: الإسلام الذي كانَ عليه محمد -صلى الله عليه وسلم- والقرون الثلاثة الأولى -أي السلف- وهم يصنفون في بعض الأحوال أنفسهم على أنهم سلفيون.
ربطت الفقرة السابقة من التقرير بين “الوهابيين“ والأصوليين برباط التشدد، وأنهم ينادونَ بالعودةِ إلى ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرون الثلاثة الأولى، وأن “الجهاديين” المتشددين يعتنقون الأيديولوجيا -العقيدة- الوهابية.
ويقول التقرير أيضًا: “أتباعُ الفرقة الوهابية يسمون أنفسهم سلفيين نسبةً إلى الجيل الأول من الخلفاء الراشدين -السلف- وتابعيهم”.
وفي مقدمة تقرير 2003 “إسلام حضاري ديموقراطي”: “الوهابية شكل متطرف ومتزمت وعدواني من الأصولية الإسلامية”. فعلى هذا، حيثما جاء اسم الأصوليين “fundamentalists” والمتطرفين “extremists” في تقارير راند فقد يراد به أتباع “الفرقة الوهابية” كما يسمونها أو الأشكال الأخرى للتطرف في ميزانهم.
وفي تقرير 2007 “بناء شبكات مسلمة معتدلة”:
“إن الإيديولوجية -العقيدة- المتطرفة والفاسدة التي تسكن عقول المتعصبين هي ما يهددنا بشكل مباشر خصوصًا الإيديولوجية الوهابية / السلفية، وهي أقلية دينية أصولية يُموِّلُها البترودولار”. ويقول: “لقد شنت العقيدة الوهابية السلفية غارات كبرى على العالم الإسلامي، وصارت الأصولية الإسلامية حركة عالمية جيدة التمويل، وتتخفى خلفَ واجهات متعددة، وتعمل كسيل كاسح في كثير من الدول النامية، وحتَّى بين المهاجرين المسلمين في الغرب. ولأجل تحييدِ هذه العقيدة الخبيثة التي تكمن خلفَ الإرهاب الأصولي وتُهدِّدُ أُسُسَ وأركان المدنية الغربية، علينا تحديدُ مناصريها، وفهم أهدافهم واستراتيجياتهم، وتقييم مواطن قوتهم وضعفهم، والتصدي بفاعلية لكل تَحَرَّك من جانبهم. إننا لا نتحدثُ عن أقلَّ من صراعٍ عالمي لتحديد جوهر الإسلام.
ويقول: “تشملُ أهدافُ الأصوليين السنة -المعادين للشيعة- بوجهٍ عام: استعادة مثالية الإسلام الأول الذي كان يمارسه محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: المُسَمَّوْنَ بالسلف الصالح “الأجداد الصالحون”، مقيمين بذلك مجتمعًا طوباويًا -مثاليًا- أسُسُه وقواعده تلك المبادئ السلفية، وذلك بفرض تفسيرهم للشريعة على كل أفراد المجتمع، وإبادة كل أشكال “الإسلام المحلي” باسم الأصالة والطهورية، ليحولوا الإسلام من إيمان شخصي إلى نظام سياسي استبدادي، ويقيموا خلافة إسلامية شاسعة محكومة وفقَ المعتقدات الصارمة للإسلام السلفي تمتدُّ من المغرب إلى إندونيسيا والفلبين، ليوضع العالم كله آخر الأمر تحت سيطرة عقيدتهم المتطرفة”.
ويستفادُ من هذه الفقرة: أنَّ الأصوليين السُّنَّة هم أنفسُهم المسمَّون بـــ”الوهابيين” و”السلفيين”. وهم جميعًا ينادون بالإسلام الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. وأنَّ الشيعة مخالفون لهؤلاء الأصوليين السنة، والأصوليون السنة مخالفون لهم. وأن الشيعة أعداء للدعوة الوهابية. وأيضا: أن الصهيونية الأمريكية هي عدو “الأصوليين السنة” ولـ”الوهابية” و”السلفية”.
ويقول التقرير: “يمكن للمسلمين أنفسِهم، نشر الفهم الصحيح للإسلام، بل يجبُ عليهم ذلك! وبهذا يضعفون مصداقية الأيديولوجية -العقيدة- المتطرفة. ومع هذا فإن تنفيذ هذه المهمة يتطلب تفهم ودعم الأفراد والجمعيات ذوات الميولات المتشابهة في أنحاء العالم، ويجب أن يكون هدفنا تنوير قلوب وعقول البشرية، وتقديم رؤية بديلة ومقنعة للإسلام، رؤية من شأنها إبعاد عقيدة الكراهية المتعصبة إلى الظلام الذي انبعثت منه”.
وحسب راند يتبيَّنُ أنَّ أخصَّ خصائص المسلم “الوهابي” هي:
- أنَّهُ يأخذُ القرآن والسُّنَّة بقوة، ويعضُّ على تعاليم الوحيين بالنواجذ.
- أنَّهُ شديدُ الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم.
- أنَّهُ يفهم نصوص الوحيين كما فهمها الصحابة والقرون الثلاثة الأولى.
- أنَّه ينتسب إلى عقيدة السلف وهم القرون الثلاثة الأولى.
- أنَّ عقيدته مخالفة ومناقضة لعقيدة الشيعة.
- أنه يدعو إلى تحكيم شريعة الله تعالى.
- أنه مخالف لكل من خالفَ عقيدة خير القرون ممن ينتسبُ إلى الإسلام.
- أنه لا يرى إمكانية توافقٍ أو شراكةٍ أو حلولٍ وسطٍ على حساب العقيدة.
فهذا هو “الشخص الوهابي” كما تصفُهُ مؤسسة راند، وعقيدته هي عقيدة “الفرقة الوهابية”.
وسيراً على قاعدة: وبضدِّها تتبيَّنُ الأشياء، فإنَّ معرفةُ معايير “المسلم المعتدل” حسب معايير راند من شأنه أن يلقيَ مزيدًا من الضوء على “الشخص الوهابي”، وإنْ كانَ ذلك يُفهم مبدئيًا من عكسِ خصائص الشخص “الأصولي” المتقدمة آنفًا، غيرَ أنَّ استخراجَ ذلك من منطوق التقارير أفضل وأشد وقعاً وتأثيرًا على القلوب الحية.
من هم الشركاءُ المحتمل انخراطُهم في هذا العداء الأمريكي؟
من أجل إيجاد شركاء مُحتملين، صنَّفَ تقرير عام 2003 الناسَ في العالم الإسلامي إلى أربعة أصناف:
- العلمانيون: وينادونَ بفصل الدين عن الدولة.
- الأصوليون: وهم “الوهابيون” و”السلفيون” وكل من “يدعو” عقيدة السلف.
- التقليديون: وهم دعاةُ “الإسلام المذهبي” المحلي.
- الحداثيون: وهم الذين يدعونَ إلى تطويعِ “القرآن والسنة” ليوافق الفكر الغربي.
يعترفُ تقرير 2003 أن كلَّ صنف من هذه الأصناف قابلٌ للشراكة والتوافق، وبنسب متفاوتة إلا “الأصوليين” الذين يحملون “الأيديولوجية الوهابية”! فيقول التقرير: “الحداثيون والعلمانيون هم أقرب هذه الأصناف إلى الغرب من حيثُ القِيَم والسياسات”. ويقول: “التقليديون يريدون مجتمعا محافظا، وهم متوجسون من الحداثة والإبداع والتغيير”. ويقول: “التقليديون يتبنون آراءَ أكثر اعتدالا بوجه عام، غيرَ أن ثمَّة فروقا معتبرة بين جماعات التقليديين، وبعضهم قريبٌ من الأصوليين، وليس فيهم من يؤمن بالديموقراطية الحديثة وثقافة الحداثة وقيمها، وأفضلُ ما يسمحون به هو التسامح المقلق مع كل ذلك”. ويقول: “ينطوي الإسلام التقليدي على عناصر ديموقراطية يمكن استخدامها لمكافحة الإسلام القمعي الاستبدادي الذي ينادي به الأصوليون ولكنه لا يناسبُ ليكونَ قاطرةً للإسلام الديموقراطي، بل إن عِبْءَ هذه المهمة يقعُ على المسلمين الحداثيين، والذين ضعُفَ تأثيرهم بسبب عددٍ من العراقيل التي سيستعرضها هذا التقرير”.
وأما التقليديون: فالمرادُ بهم حاملو مشعل “المذهبية”، وما أصدَقَ هذا الاسم أعني “التقليديين”، فإنَّ الدعوة إلى “التقليد” أوضحُ سماتِ دُعاة المذهبية في أيامنا هذه!
وليس يخفى على من قرأ القرآن، وعرف أصول الإسلام، أنه لا يجوزُ للمسلم أن يركنَ إلى الكفار والمشركين ويتنازلَ معهم إلى ما يخالفُ ثوابت الإسلام، وقد قال الله تعالى لنبيه وخيرِ عباده -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ` إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)، والخطابُ عامٌّ له ولأمته، ومع هذا قد تجد بعض من طمس الله على بصيرته يستدلُّ لنقض الثوابت بما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية، ولازمُ هذا عند هؤلاء المخذولين المخبولين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعمدُ مخالفة ربِّه وينقُضُ المحكمات! فالله المستعان.
وأما عن صنف “الأصوليون”، فيقول التقرير بشأنهم: “يعتقد عديدٌ من الكتاب أن عداء الأصوليين للولايات المتحدة يعكس في المقام الأول غضبًا من سياستنا الخارجية، أو ضيقًا بالمظاهر الليبيرالية، من حضارتنا الغربية، لكن من المهم الانتباه إلى أن هذه الاعتبارات ثانوية، نظرًا لرفض الأصوليين الجذري للديموقراطية ولقيم المجتمع المدني الحديث، وعلى حد تعبير علي بلحاج المتحدث الرسمي باسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر، فإن الأصولية تريد “كسر رقبة الديموقراطية”. إن الإشكالية عندهم ليست في التطبيق المعيب للديموقراطية، أو في تمركزها حول العراق، أو في براغماتيتها المتطرفة، أو في أي من تلك النقائص، لا، بل في الديموقراطية بذاتها”.
فيظهر جليًا من التقرير أن “الأصوليين” لا يقبلون إلا بالإسلام الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأتباعهم من القرون الثلاثة الأولى، وأن العداءَ مستحكم وجوهري بين المرجعية الغربية التي تمثلها أمريكا والمرجعية الأصولية التي تريد أن تحكمها الشريعةُ وفقًا للقرآن والسنة وعلى ما كان عليه القرون الثلاثة الأُول.
التصوف والحداثة
يعرف تقرير 2003 التصوف بما يلي: “إسلامٌ باطني، روحاني، عرفاني… إما على شكل ديانةٍ شعبية: “فولكلورية”، أو منظمة في أوامر دينية صوفية”. ويقول: “الصوفية يتبعون تأويلًا أكثر فلسفيةً وروحانيَّةً للإسلام”.
ويجعلُ التقريرُ الصوفية مع الحداثيين في خندق واحد! فيقول: “لا يدخل الصوفية تحت أي من الفئات المذكورة، لكننا سوف نسلكهم هنا مع الحداثيين! ويمثل التصوف تفسيرًا فكريًا منفتحًا للإسلام، ولهذا يجب تشجيع التأثير الصوفي بقوة في المدارس والمقررات التعليمية، والمعايير الاجتماعية والأخلاقية، والحياة الثقافية في البلدان التي فيها تقاليد صوفية مثل أفغانستان، والعراق، فمن خلال الشعر والموسيقى والفلسفة، يمكن للتصوف أن يكون جسًرا قويًا يخرجُ المجتمعات من تأثير الانتماءات الدينية”.
هل ينبغي إشراكُ الإسلاميين؟
وفي تقرير 2007 بناء شبكات مسلمة معتدلة: وفي جواب عن هذا السؤال يقول: “قد يكون التقليديون والصوفية هم الأغلبية الأكبر حجمًا بين المسلمين، وهم غالبًا وليسوا دائمًا مسلمين محافظين، يعتنقون ما ورثوا من اعتقادات وتقاليد عبر القرون، ألف وأربعمئة سنة من التقاليد والروحانية الإسلامية المعادية للعقيدة الأصولية، كما يقول “عبد الرحمن وحيد”، وتشمل هذه التقاليد تبجيل الأولياء، والصلاة عند قبورهم، وكثيرًا من الممارسات التي يحرمها الوهابيون، وهم يفسرون النصوص الدينية استنادًا إلى تعاليم المذاهب الفقهية التي ظهرت في القرون الأولى للإسلام، ولا يحاولون تفسير القرآن والأحاديث مباشرة دون وسيط كما يصنع السلفيون والحداثيون، وكثير من التقليديين يدمجون بعض العناصر الصوفية في ممارستهم للإسلام، إلا وهي التقاليد الروحانية الإسلامية، التي تؤكد على الدافع الذاتي والخبرة الشخصية مع الله! في ممارستهم للإسلام”.
ويضعُ التقرير الشيعة والصوفية وأصحاب الإسلام المعتدل في خندق واحد ضدَّ “الوهابية”، فيقول: “الوهابية شكل متطرف ومتزمت وعدواني من الأصولية الإسلامية، أسس في القرن الثامن عشر وتبناه آل سعود، لا يحترمُ النسخ الأخرى من الإسلام، بما في ذلك: “الإسلام الصوفي”، و”الإسلام الشيعي”، و”الإسلام المعتدل”، وينظر إليها جميعًا على أنها انحرافات عن الإسلام الصحيح”.
ويصرِّحُ تقرير 2007 بالأمر نفسِه تحت عنوان شركاء محتملون فيقول: “بوجه عام يبدو أن هناك ثلاث قطاعات عريضة داخل النطاق الأيديولوجي بالعالم الإسلامي، حيث يمكن للولايات المتحدة والغرب العثور على شركاء في جهود محاربة التطرف الإسلامي، تتمثل في: العلمانيين، والمسلمين الليبراليين، والمعتدلين التقليديين بما فيهم الصوفية”.
ويقول تقرير 2007 أيضًا: “كَوْنُ السلفيين خصومًا ألداء للتقليديين والصوفيين، فمتى وصلت الحركات الإسلامية المتشددة إلى السلطة فإنها ستسعى إلى قمع ممارسات التقليديين والصوفية، كما حصل عند تدمير الآثار الإسلامية القديمة في السعودية. وبسبب اضطهاد السلفيين والوهابيين لهم، كان الصوفية والتقليديون حلفاء طبيعيين للغرب إلى المدى الذي قد يخلق بينهم وبين الغرب أرضية مشتركة!”
توصيات لإسلام بلا أصولية
ومن التوصيات التي وردتْ في تقرير 2003 لمحاربة “الأصولية الوهابية”:
- تشجيع انتشار التصوف وتقبل المجتمعات له. يوصي التقرير بـــــالعمل على تعزيز مكانة التصوف بتشجيع الدول ذات التقاليد الصوفية القوية على زيادة الاهتمام بهذا الجانب من تاريخها، وبَـــثـِّهِ في مقرراتها الدراسية، وينصح التقرير فيقول: “أوْلُو الإسلام الصُّوفي مزيداً من الاهتمام”.
وأما “التقليديون” المذهبيون، أصحاب الإسلام المذهبي “التقليدي”، فإن للتقرير خطة بشأن الاستفادة منهم، فمن التوصيات بشأنهم:
يقول تحت عنوان “دعم التقليديين ضدَّ الأصوليين”:
- نشر انتقادات التقليديين للعنف والتطرف الأصولي، وتأجيج نار الصراع والخلاف بين الفريقين.
- الحيلولة دون تحالف التقليديين والأصوليين.
- تشجيع التعاون بين الحداثيين والتقليديين الأقرب منهم.
- تدريب التقليديين وإعدادهم للمناظرة مع الأصوليين كلما كان ذلك ملائمًا، إذ غالبًا ما يكون الأصوليون أكثر فصاحة، في حين يمارس التقليديون إسلامًا شعبيًا لا يتمتع بالفصاحة نفسها، ففي أماكن مثل آسيا الوسطى، قد يحتاج التقليديون إلى أن يتعلموا ويتدربوا على “الإسلام القديم” لكيْ يثبُتوا في المناظرة.
- تعزير وزيادة حضور الحداثيين داخلَ المؤسسات التقليدية.
- التمييز بين القطاعات المختلفة للتقليديين، وتشجيع أقربهم للحداثة، كأتباع المذهب الحنفي مثلا ضدَّ غيرهم، وحثهم على إصدار الفتاوى ونشرها على نطاقٍ واسع، لإضعاف سلطة الآراء الوهابية المتخلفة.
وتحت عنوان “مواجهة الأصوليين ومخالفتهم”:
- الاعتراض على تفسير الأصوليين للإسلام، وإبراز أخطائهم.
- الكشف عن صلاتهم بالجماعات والأنشطة غير المشروعة.
- فضح نتائج أعمال العنف التي ينفذونها.
- نشر هذه الآراء وتوجيهها إلى الشباب خاصة، وإلى المتدينين التقليديين والأقليات المسلمة في الغرب، وإلى النساء.
- تشجيع الصحافيين على التحري عن حالات الفساد والنفاق والأعمال اللاأخلاقية في أوساط الأصوليين والإرهابيين.
- تشجيع الانقسام وبث بذور الخلاف بين الأصوليين.
ختامًا
وبهذا تظهرُ ملامحُ الشخص الأصولي جليَّةً لا تُخْطِئُها العين، كما تظهرُ ملامحُ الشخصيات الأخرى القابلة للشراكة: الحداثيون، والعلمانيون، والتقليديون، والصوفية، والشيعة، فكلُّ هؤلاءِ قابلون -على درجات متفاوتة- أن يضعوا أيديهم في الغرب -حسب زعم التقارير-، والتعاون معه للحيلولة دونَ عودة الإسلام الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابهُ ومن تبعهم على ذلك من السلف في القرون الثلاثة الأولى.
تنبيه مهم: ينبغي أن يُفهم أنَّ مصداقية هذه التقارير ليست ذاتية، أي أنها ليست من التقارير نفسِهَا، أو لأن الغربَ قالها كما يفعله المنهزمون ضعاف النفوس، الذين يعظمونَ كل ما يصدر عن الغرب أشدَّ من تعظيمهم لوحي السماء! لا، بل لأنها مصدِّقَةٌ لما أخبر الله تعالى به عن مكر أعدائه بالدين وما تغلي به نفوسهم من العداوة الشديدة للمسلمين، وحرصهم على تضليلهم وإخراجهم من الصراط المستقيم، فالأساسُ المتينُ في مصداقية هذه التقارير إنما هو إخبارُ الله تعالى ثُمَّ موافقة الواقع لكثيرٍ مما وردَ فيها، على أنَّ ثمَّةَ أشياءَ لَمْ يُردْ كشفُها لأنَّ ذلك سيقوضُ كلَّ ذلك المكر الكُبَّار، ومن ذلك الشراكة بين الشيعة والصهاينة.
وحاول التقرير محاولةً بئيسة إدخال “الشيعة الاثنا عشرية” في “الأصوليين”، والحقيقة التي على أرض الواقع هي أنَّ الشيعة حليفٌ قوي للسياسة الصهيو-أمريكية، وهم طائفة النفاق التي خانت الأمة عبرَ التاريخ، ومدَّتْ أيديها إلى أيدي الأعداء كما خَبَرَ حالهم علماؤنا رحمهم الله، ولا شكَّ أن مؤسسة راند تعلمُ أنَّ التقارير ستصل إلى أيدي المثقفين من أهل السنة، فحاولت التضليل بتصوير الشيعة على أنهم أعداء لأمريكا! غيرَ أن الواقع يكشفُ الحقيقة، كما أن المساحة المخصصة للشيعة في تلك التقارير الخطيرة لا تبلغ سطرًا كاملًا! وكان الجهد والمكر كله منصبًا ومتوجهًا إلى “الأصوليين” في كل صفحات التقارير.
المصادر
(المصدر: موقع تبيان)