قراءة في موقف اليسار الماركسي التونسي من الإسلام (1من2)
بقلم د. محمد الرحموني
الفكرة اليسارية، ارتبطت نظريا بالنضال من أجل الخلاص من الظلم الاقتصادي والاستبداد السياسي، لكنها واقعيا تباينت ليس في فهم الواقع وتحليله، ولكن أيضا في التعامل معه.
ومع أن أصل مصطلح اليسار يعود تاريخيا إلى الغرب وتحديدا إلى الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، فإنه وجد تطبيقه في أوروبا الشرقية، وتحديدا في الاتحاد السفييتي مع الثورة البولشيفية.. ومعه تغيّر وتشعّب استعمال مصطلح اليسار بحيث أصبح يغطي طيفًا واسعًا من الآراء لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسار.
عربيا نشأ التيار اليساري (القومي والاشتراكي والماركسي) أواسط القرن الماضي مقترنا مع نشأة الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار والرأسمالية الصاعدة يومها.. وبعد الاستقلال تمكنت بعض التيارات اليسارية من الوصول إلى الحكم، وكونت جمهوريات حاولت من خلالها ترجمة الأفكار اليسارية، لكن فكرة الزعيم ظلت أقوى من نبل الأفكار ومثاليتها…
وفي سياق صراع فكري مع التيار الإسلامي المحافظ تحديدا، وسياسي مع الأنظمة العربية التي تسلمت حكم البلاد العربية بعد جلاء المستعمر، استطاع اليساريون العرب الإسهام بفاعلية في تشكيل الوعي الفكري والسياسي العربي الحديث والمعاصر..
وعلى الرغم من شعارات الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، التي رفعها اليسار العربي على مدار تاريخه الطويل، فإنه ومع هبوب رياح الربيع العربي التي انطلقت من تونس أواخر العام 2010 مؤذنة بنهاية صفحة من تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر، اتضح أن كثيرا من الشعارات التي رفعها اليساريون العرب لجهة الدفاع عن الحريات والتداول السلمي على السلطة لم تصمد أمام الواقع، وأن اليساريين العرب ورغم تراكم تجاربهم السياسية وثراء مكتبتهم الفكرية، إلا أنهم انحازوا للمؤسسة العسكرية بديلا عن خيارات الصندوق الانتخابي..
“عربي21” تفتح ملف اليسار العربي.. تاريخ نشأته، رموزه، اتجاهاته، مآلاته، في أوسع ملف فكري يتناول تجارب اليساريين العرب في مختلف الأقطار العربية..
اليوم يقدم الأستاذ الجامعي الدكتور محمد الرحموني ورقة خاصة بـ “عربي21” عن موقف اليسار التونسي الماركسي من الإسلام ننشرها في جزأين:
مقدّمات مفاهيمية
اليسار في تونس تسمية واسعة تضمّ ماركسيين وبعثيين واشتراكيين ومستقلّين… لذا فاليسار الماركسي ليس سوى جزء من اليسار في تونس. ومع ذلك فهو أيضا متعدّد ومتنوّع فهناك اليسار السياسي وهناك اليسار الاجتماعي (النقابات) وهناك اليسار الثقافي. ولكي لا نُميّع الموضوع ارتأينا أن نقصر عملنا على اليسار السياسي أي مجموعة التنظيمات الحزبيّة الماركسية، وهي تضمّ مكوّنين أساسيين هما “الحزب الشيوعي التونسي” الذي تأسّس في عشرينات القرن العشرين و”منظّمات اليسار الجديد” ظهرت في الستينات وتكاثرت في السبعينات.
ومن ثمّة سعينا إلى تتبّع موقف هذا اليسار من المسألة الدينيّة عموما ومن الإسلام خصوصا منذ النشأة إلى بدايات التسعينات. ففي بداية التسعينات حصلت التحوّلات الكبرى في الاتّحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقيّة ومن ثمّة صلب الأحزاب الماركسية في العالم.
والحقيقة أنّ ردود فعل الأحزاب الماركسية في تونس حول ما حصل كانت مختلفة ومتباينة فمنها من كفّ عن أن يكون ماركسيا وانكفأ على نفسه وانبرى أغلب مناضليها إلى النشاط ضمن منظّمات المجتمع المدني ذات الخلفيات الليبرالية الواضحة ومنها من تخلّى عن ماركسيته نهائيا، ومنها من طوّعت الماركسية للواقع العالمي الجديد وأضحت منتهى مطالبها الحدّ من غلوّ الليبرالية المتوحشّة عبر الدعوة إلى ليبرالية اجتماعية. ومنها من ظلّت متمسّكة بماركسيتها. لقد كانت التسعينيات نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى من تاريخ اليسار الماركسي في العالم وفي تونس.
ورغم عراقة هذا اليسار وأثره الواضح في تاريخ تونس الحديث والمعاصر ورغم صراعه المرير مع حركات الإسلام السياسي فإنّ أدبياته قليلة وأقلّ من هذا القليل ما تعلّق بالمسألة الدينية وهو منحصر أو يكاد في المقالات الصحفيّة. ثمّ إنّ الأمر يكاد يقتصر على الحزب الشيوعي وحزب العمال الشيوعي ذلك أنّ الكثير من منظمات اليسار الجديد لا أدبيات لها على الإطلاق! ومع ذلك نعتقد أنّ موقف حزب العمال يعبّر عن مواقف أغلب مكوّنات اليسار الجديد فاختلافاتهم لم تتعلّق بالمسألة الدينية، بل بمسائل اقتصادية وسياسية وتكتيكيّة وبالصراع حول الزعامة.
الإسلام برؤية ماركسية
في السبعينيات خفت الجدل الذي عرفته مرحلة الستينيات وذلك نتيجة عاملين متلازمين. تمثلّ العامل الأول في القمع الشديد الذي واجه به النظام البورقيبي التنظيمات الماركسية. وكانت تهمة الإلحاد والإنبتات من أهم الأسلحة التي استعملها النظام ضدّهم، فقد شنّت صحيفة الحزب الحاكم آنذاك “العمل” حملة على جماعة آفاق ونعتتهم بـ” الملحدين”، كما نظّم الطلبة الدستوريون (طلبة الحزب الحاكم) ندوة حول مشاغل الشباب من أهم محاورها “موقف الشباب من التديّن” تمّ التركيز فيها على أنّ “الإسلام دين ثوري ودين الشباب والتجديد والقوة والعزة والمناعة”.
وفي المستوى السياسي تدخّل وزير التربية آنذاك، محمد مزالي (رحمه الله) في “مجلس الأمة” يوم 8 شباط (فبراير) 1972 في جلسة خُصّصت لتدراس الأوضاع المتفجّرة في الجامعة متّهما الطلبة اليساريين بأنهم “لا همّ لهم إلاّ القضاء على جميع ما لهذه البلاد من مكاسب ومن قيم دينية وروحية”. أمّا العامل الثاني، الذي هو نتيجة للأول فهو قرار القوى اليسارية عموما اتباع سياسة الاندساس الموجّه L’entrisme أي الاندساس ضمن هياكل الحزب الحاكم بغية التأثير في سياسات الحزب وتوجّهاته بما يخدم الإديولوجية الماركسية.
ولكن مع مفتتح عقد الثمانينيات عاد الجدل في صفوف الماركسيين حول “المسألة الدينية” وذلك نتيجة ثلاثة أحداث بارزة أوّلها انتصار الثورة الإيرانية (1979) وثانيها بروز حركة الإتجاه الإسلامي التي أعلنت عن نفسها بصورة رسمية يوم 6 حزيران (يونيو) 1981، وثالثها سياسة الانفتاح الإعلامي الملحوظة التي مارستها آنذاك حكومة محمد مزالي.
والملاحظ أن هذا الجدل حول الدين كان شاملا من جهة المشاركين فيه (جدل ماركسي ماركسي وجدل ماركسي إسلامي وجدل إسلامي) ومن جهة موضوعاته (الموقف النظري من الدين ـ موقف الماركسية من الإسلام ـ الموقف من الحركات السياسية الدينية…). وكانت الصحف الحزبية أهمّ منابر هذا الجدل.
1 ـ حقيقة الدين في الفلسفة الماركسية:
شهدت الصحافة التونسية عموما واليسارية خصوصا في الثمانينات جدلا واسعا وحادا حول “المسألة الدينية”، وكان ذلك في إطار الصراع مع التيار الإسلامي الصاعد آنذاك. وكان موقف الحزب الشيوعي التونسي من الثورة الإيرانية ومن حركة الإتجاه الإسلامي منطلقا لـ “معركة” بين الماركسيين أنفسهم حول “حقيقة” موقف الماركسية من الدين، إذ على أساسه يُبنى الموقف من الإسلام عقيدة وتاريخا ومن حركات الإسلام السياسي عموما وحركة الاتّجاه الإسلامي تحديدا.
أ ـ موقف الحزب الشيوعي:
المنطلق كان محاضرة بعنوان “نحن وماركس” ألقاها الأمين العام للحزب الشيوعي محمد النافع (توفي 2007) في إطار ندوة نظّمها الحزب بعنوان “الماركسية والوطن العربي اليوم” بتاريخ 2 نيسان (أبريل) 1983 بمناسبة الاحتفال بمائوية ماركس. ومما جاء في المحاضرة: “قيل الكثير عن ماركس واستغلت جملته الشهيرة “الدين أفيون الشعوب” مبتورة خارجة عن إطارها… ولكن ماركس قال أشياء أعمق من ذلك عن الدين وإن كانت نظريته مادية في المستوى الفلسفي، وإن مرّ هو نفسه من مرحلة “فيورباخ” فإنّ الماركسية ليست الإلحاد بمعنى معاداة للدين والعمل على القضاء عليه… ميدانها يختلف عن ميدان الدين(…) نحن شيوعيون في مجتمع إسلامي ولسنا في مجتمع مسيحي، ولعل الشيوعيين بتفانيهم في خدمة الشعب وعملهم من أجل أخلاق حميدة أقرب إلى الإسلام ممن يدعون الإسلام “وينقبون الأرض”.
بعد المحاضرة سعى مناضلو الحزب الشيوعي إلى مزيد توضيح موقف أمينهم العام وذلك في إطار الردّ على منتقدي موقف الحزب من الدين من جماعات اليسار الجديد ومن الإسلاميين. فقد جاء في مقال بعنوان “الماركسية ليست إلحادا”، أكّد عبد الحميد الأرقش أن القراءة التي قدّمها محمد النافع لموقف الماركسية من الدين لا تخضع لحسابات ظرفية تكتيكيّة وإنما هي تستند إلى موقف فكري وفلسفي واضح ومعلن عنه، فالجملة الشهيرة لماركس “الدين أفيون الشعوب” والتي جاءت في نقده لفلسفة حقوق الإنسان عند هيغل، لم تأت نقطةَ انطلاقٍ لتعريف الدين بصفة مطلقة باعتباره دينا بل جاءت لتعكس الدور الاجتماعي لبعض النظريات الدينية في ذلك العهد وفي ظروف معيّنة، حيث قال: ” إنّ الدين في شطر منه، تعبير عن التعاسة الواقعية وهو من جهة أخرى احتجاج على التعاسة الواقعية.. إنهّ أفيون الشعوب”.
حن شيوعيون في مجتمع إسلامي ولسنا في مجتمع مسيحي، ولعل الشيوعيين بتفانيهم في خدمة الشعب وعملهم من أجل أخلاق حميدة أقرب إلى الإسلام ممن يدعون الإسلام “وينقبون الأرض
وهذا يعني بالنسبة إلى ماركس أنّ الدين في جانب منه هو رفض لتعاسة الإنسان في الأرض. ومن هذه الزاوية يمكن أن يكون الدين عمليا أداة مضادة للاستغلال وسلاحا للتحرّر من الاضطهاد، وبالفعل فإنّ الممارسة التاريخية وصراع الإنسان ضدّ كلّ أشكال الاضطهاد والظلم عبر التاريخ، أثبتا أكثر من مرة أن الدين يمكن أن يكون الأداة الفكرية والسياسية للصراع من أجل التحرّر. لذلك فإنّ ماركس لم يشن حربه ضد الدين في المطلق، ولم يدع إلى ذلك، بل عارض استعمال الدين واستخدامه من جانبه السلواني سلاحا بين أيدي الطبقات الحاكمة والمسيطرة(…) وحتى عندما قال أنجلز: “إنّ المسيحية دخلت في مرحلتها الأخيرة، إذ أنه لم يبق في مستطاعها متابعة تقديم اللباس الإيديولوجي لمساعي أي طبقة تقدمية، وأصبحت أكثر فأكثر ملكا للطبقات الحاكمة، تستخدمها مجرّد وسيلة للحكم ولجاما للطبقات السفلى”، فإنما كان يقصد بالتحديد الكنيسة المسيحية الكاثوليكية في المجتمع الإقطاعي الأوروبي وليس كلّ المذاهب المسيحية، لأنه لم يصل إلى ذلك الاستنتاج إلا بعد دراسة مدقّقة للتطوّر الاجتماعي والفكري الأوروبي.
فقد أثبت أنجلز أنّ “الكلفينية” (وهي مذهب مسيحي إصلاحي) كانت مؤهّلة لكي تصبح الغطاء الإيديولوجي للمصالح البورجوازية الناشئة، إلا أن التدابير القهرية التي اتخذها الملك لويس الرابع عشر ضد هذا المذهب، وتهميشه في فرنسا “سهّلت على البورجوازية الفرنسية تحقيق ثورتها بالشكل اللاديني” (…) كذلك لا ننسى تجربتنا التاريخية الحديثة التي اضطلع فيها الدين الإسلامي بدور المحرك والدافع لكل محاولات الإصلاح والنهضة. وفشل تلك المحاولات الإصلاحية لا يمكن أن يجرّنا إلى تفسير ذلك الفشل بعجز الدين الإسلامي عن القيام بدوره التاريخي، فسرُّ فشل محاولات الإصلاح لا يصّح أن نبحث عنه في الدين أو في غموض الرؤيا التاريخية لتراثنا وماضينا الزاخر… فذلك التفسير يعني السقوط في المفاهيم المثالية الخاطئة. لأن الفشل التاريخي لحركة النهضة والإصلاح في العالم العربي الإسلامي يُفسّر بالظروف التاريخية الجديدة التي برزت فيها تلك المحاولات، فموازين القوى العالمية غير المتكافئة بين امبريالية عالمية صاعدة، ومجتمعات عربية متخلفة متداعية ومقهورة حكمت على كلّ محاولات النهضة والإصلاح بالفشل مهما كانت أدوات التحليل ودرجة الوعي والرؤيا التي تمتلكها تلك المحاولات”.
وفي مقال بعنوان: “ملامح من تعامل الحزب الشيوعي مع الإسلام” بيّن هشام سكيك القيادي في الحزب الشيوعي أن حزبه لم يعش أبدا، في شتّى مراحل حياته، القضية الدينية باعتبارها “مشكلا”. بل على العكس من ذلك فقد كان الشيوعيون واعين على الدوام بالدور الإيجابي الذي اضطلع به الدين في فترة الكفاح الوطني، حيث كان التشبّث بالإسلام عقيدة وحضارة وقيما من أهمّ مظاهر المحافظة على الذات والتصدي للمحاولات الاستعمارية الرامية إلى “الإدماج” والمسخ. ولذلك دافع الحزب الشيوعي في الأربعينيات عن مطالب شيوخ الزيتونة بقانون أساسي يضمن لهم إدماجهم في الوظيفة العمومية. بل أكثر من كل ذلك فقد كان الحزب يضمّ مناضلين متدينين يهودا ومسلمين يمارسون شعائرهم الدينية بكل حرية.
كان الشيوعيون واعين على الدوام بالدور الإيجابي الذي اضطلع به الدين في فترة الكفاح الوطني، حيث كان التشبّث بالإسلام عقيدة وحضارة وقيما من أهمّ مظاهر المحافظة على الذات والتصدي للمحاولات الاستعمارية الرامية إلى “الإدماج” والمسخ
هذا التوجه نفسه عبّر عنه القيادي الشيوعي رشيد مشارك في ردّه على مقال نُشر في جريدة المغرب بعنوان “شبهات حول الشيوعيين” إذ أعاد تأكيد رفض تهمة الإلحاد التي تلصق بالشيوعيين مؤكدا أنه ” إذا كان هناك شيء لا نؤمن به فليس الله وإنما التواطؤ مع الاستغلال تحت أي غطاء كان دينيا أم إيديولوجيا”. لأنّ ” ماركسيتنا ليست دينا نستبدل به دينا آخر وهي ليست هوية ثقافية نبتغي فرضها على الشعب، بل نعتبرها نظرية علمية من أروع ما أنتجه الفكر البشري في مجال الصراع ضدّ الاستغلال وهي تُوفّر لنا جملة من أدوات التحليل لواقع المجتمع”. وفي المائدة المستديرة التي نظّمتها جريدة المغرب حول “الإسلام والعمل السياسي” أعاد الشيوعي المهدي المسعودي تأكيد ثوابت الحزب في التعامل مع المسألة الدينية.
هذه المقالات والردود والتوضيحات توّج أحد مناضلي الحزب، مصطفى التواتي، بكتاب صدر سنة 1986 بعنوان: “التعبير الديني عن الصراع الاجتماعي في الإسلام”.
بيّن المؤلف أنّ عدم التمييز بين المستويات الثلاث للماركسية، الفلسفية (نظرة معيّنة إلى الكون) والعلمية (التحليل الاجتماعي) والسياسية (العمل على تغيير الواقع) كان له دور في عدم فهم موقف الماركسية من الدين. ويظهر سوء الفهم في ترديد المقولة الشهيرة المنسوبة إلى ماركس: “الدين أفيون الشعوب” دون العودة إلى النصوص الأساسية للماركسية. ومن ثمّة أورد المؤلف النص الكامل الذي وردت فيه عبارة “الدين أفيون الشعوب” التي تمّ فصلها عن سياقها إذ حذفت منها عبارتها المكملة لها وهي “الدين زفرة المخلوق المضطهد” وأردفه بالتعليق التالي: “هذا النص كتبه ماركس الشاب الذي ما زال منبهرا بمفهوم الاستلاب الفيورباخي.
وخلاصة رأيه في الدين: “الدين وعي مقلوب يحصل عندما لا يجد الإنسان ذاته في عالمه الاجتماعي فيخلق لنفسه عالما مثاليا يكون نقيضا للواقع، عالما يكمّل فيه كلّ ما ينقصه في الواقع الاجتماعي ويحس بالحاجة إليه” وهكذا يصبح الدين أمرا ضروريا كمصدر عزاء وتبرير يخفف عن الإنسان وطأة بؤسه الاجتماعي. ولكن الدين يمكن كذلك أن يكون عنصر احتجاج على الواقع، وهذا ما يهمله الدوغمائيون (= أقصى اليسار). ولذلك لا تعتبر الماركسية أن مهمتها الأساسية هي محاربة الدين وإنما تحصر المهمة في محاربة بؤس المجتمع ذاته ذلك يعني في الحصلة أنّ الدين ليس في ذاته رجعيا كما أنه ليس تقدميا وإنما يستعمله الطرفان، الرجعي والتقدمي . من جهة ثانية يقدّم المؤلف ما يمكن اعتباره اعترافا ضمنيا بأن لينين قد شوّه موقف ماركس من الدين معللا هجومه العنيف علي الدين ورفعه عاليا قولة ماركس ” الدين أفيون الشعوب” بالدور السلبي الذي اضطلع به الدين في روسيا.
(المصدر: عربي21)