منذ إعادة فتحه.. إبعادات بالجملة عن المسجد الأقصى
انتظر خطيب المسجد الأقصى رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري بلهفة إعادة فتح الأقصى أمام المصلين، ليعود إلى رحابه بعد حرمانه من الدخول منذ الـ19 من يناير/كانون الثاني الماضي.
غير أن فرحته لم تكتمل إذ سلمته مخابرات الاحتلال قرارا جديدا بالإبعاد عن الأقصى لمدة أربعة أشهر، قبل إعادة فتح المسجد أمام المصلين بيومين فقط، واتهمته بالمشاركة في مسيرات ومظاهرات.
ووصف الشيخ صبري التهمة الأخيرة الموجهة إليه بالوهمية، قائلا للجزيرة نت إنه التزم بالحجر المنزلي طيلة الفترة الماضية بسبب فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” ولم يشارك بأي فعالية، معتبرا أن الاحتلال يخلق مبررات لإبعاده عن الأقصى بشكل دائم.
ورغم ازدحام ذاكرته بالأحداث وتفاصيل العمل اليومية، فإنه يحتفظ بدقة في ذاكرته بتاريخ آخر خطبة جمعة ألقاها بالمسجد الأقصى، وقال إنها كانت بتاريخ العاشر من يناير/كانون الثاني الماضي.
ولم يخبُ تاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 عن ثنايا الذاكرة أيضا، لأنه تاريخ أول إبعاد له عن مهوى قلبه الذي ألف وجوده منذ عقود.
وإضافة لعكرمة صبري، فإن شرطة الاحتلال تعمدت منذ إعادة فتح الأقصى الأسبوع الماضي تكثيف اعتقالها واستدعائها للمقدسيين وبعض أهالي الداخل المحتل للتحقيق معهم، وتسليمهم أوامر بالإبعاد عن المسجد الأقصى لفترات تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة.
واقع جديد
ومن بين هؤلاء، الصحفية المقدسية سندس عويس التي اعتقلت بُعيد فتح المسجد بساعات وسلمت قبل أيام قرارا بالإبعاد لثلاثة أشهر. وفي تعقيبها على ذلك، قالت إن الشرطة لاحقت وأبعدت العشرات لتفريغ الأقصى، ليحلو لها تنفيذ مخططاتها الجديدة في المسجد.
وتضيف سندس أن التهمة التي وجهت لكافة المبعدين أخيرا هي “القيام بأعمال شغب وتحريض ومظاهرات في الأقصى”، مشيرة إلى أنها سألت الشرطي لحظة اعتقالها كيف يكون تصوير مقاطع الفيديو في الأقصى شغبا أو تحريضا أو مظاهرة؟
ومنذ إعادة فتح المسجد الأقصى أمام المصلين قبل عشرة أيام، سُلّم أكثر من ثلاثين فلسطينيا قرارات بالإبعاد لفترات مختلفة.
ووفقا لمركز معلومات وادي حلوة، فإن 24 قرار إبعاد سلمت للفلسطينيين خلال مايو/أيار الماضي، عشرون منهم أبعدوا عن المسجد الأقصى، واثنان عن البلدة القديمة، وآخران عن مدينة القدس.
ويقصد بالإبعاد عن الأقصى منع مصلين محددين من دخول المسجد لفترة محددة. وبرز هذا الإجراء مع صعود أجندة تقسيم المسجد الأقصى بعد 2003، وزاد اعتماد الاحتلال عليها في وجه تجربة المرابطة التي قامت عليها الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، إذ أبعد مسؤولو الحركة الإسلامية والقائمون على مؤسساتها، وبعض المرابطين والمرابطات البارزين في تجربة مصاطب العلم.
واعتاد المقدسيون هذه الموجة من الاعتقالات والإبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة كل عام قبيل موسم الأعياد اليهودية وخلال تردي الأوضاع الأمنية في المدينة، لكنهم يجمعون هذه المرة على أن قرارات الإبعاد الأخيرة ترمي لتفريغ الأقصى من رواده لفرض واقع جديد على المسجد.
وهو ما يؤكده المحامي المختص في قضايا القدس خالد زبارقة الذي قال للجزيرة نت إن الاحتلال يضمر شرا في الأيام المقبلة للأقصى، وهو يهيئ الآن الميدان لفرض واقع جديد.
ويعلق زبارقة على الاستهداف المستمر لعكرمة صبري بقوله إن الشيخ صوته مؤثر ولا يتملق للاحتلال، ولا يحاول أن يجاري إجراءاته وروايته، بل يقود وعي الجماهير للرواية الصحيحة حتى بات مرجعا وأيقونة لهم.
ويضيف “يوجه الاحتلال رسالة لبقية الأئمة والمشايخ من خلال ملاحقته للشيخ عكرمة مفادها أن باستطاعته ملاحقة أي شخص مهما علا مقامه ولا أحد يمكنه الوقوف في وجهه، ويوجه الرسالة ذاتها للجماهير ويردعهم من خلال استهدافهم بالإبعاد عن الأقصى أيضا“.
الوجود الإسلامي
أما الباحث المختص في شؤون القدس زياد ابحيص فتطرق لتأثير قرارات الإبعاد على المشهد العام في القدس، مشيرا إلى محاولات الاحتلال من خلال سياسة المنع من دخول الأقصى تحقيق عدة أهداف أبرزها التحكم بطبيعة الوجود الإسلامي فيه.
ويقول ابحيص للجزيرة نت، إن ذلك يتجلى في إبعاد الشيخ عكرمة صبري، ليقول المحتل إنه هو من يقرر مواصفات الخطيب المناسب ليرتقي منبر الأقصى، وليخلق رادعا ذاتيا عند بقية الخطباء وإلا سيمنعون من الأقصى أيضا، وهذا رهان يجب إفشاله.
وحسب ابحيص، فإن الهدف الثاني المهم الذي يسعى المحتل لتحقيقه هو إعادة صياغة وعي المصلين، بصناعة صورة “المصلي السيئ” الذي يُبعد عن الأقصى لإصراره على مواجهة الاقتحامات ويقابله تلقائيا “المصلي الجيد” الذي لا يتدخل في هذا الشأن ويؤدي صلاته ويخرج.
وعن الرابط الذي يجمع المبعدين في الأيام الأخيرة، يقول الباحث المقيم في الأردن “إن هذه الإجراءات تأتي لتمهيد الميدان، لاستغلال وباء كورونا وتكريس أن الأقصى أعيد فتحه على أسس جديدة وضمن شروط مختلفة عن السابق“.
ويضيف أن “المحتل يحاول استخدام الوباء وإجراءات مكافحته عنوانا لفرض سيطرته المطلقة، فهو من يقرر الفتح والإغلاق والأعداد وشكل الصلاة ونوع الخطبة ونوع المصلين المسموح لهم بالدخول إلى الأقصى“.
وباتت إسرائيل تستخدم المنع من دخول الأقصى كوسيلة مركزية لفرض أجندة تقسيمه، فكل من يعارض الاقتحامات أو يواجهها أو يدعو إلى مواجهتها يمنع من دخول الأقصى وبشكل متكرر، ويتكثف توظيف هذه السياسة في لحظات المواجهة والاشتعال، مثل حالة هبة باب الرحمة العام الماضي.
وصدرت حينها أوامر إبعاد بحق المرابطين والمقدسيين الذين نشطوا في فتح المصلى، كما مُنع حراس المسجد الذين يفتحون بابه صباح كل يوم كجزء من عملهم، حتى تجاوزت أعداد الممنوعين من دخول الأقصى حينها 150 مرابطا وحارسا.
ويختم ابحيص حديثه للجزيرة نت بالقول إن “المنع من دخول الأقصى بات سلاحا بيد المحتل لا بد للمرابطين من مواجهته كي لا يبقى سيفا مسلطا يحقق أهدافه“.
ولعل التجارب تقول -حسب المتحدث- إن تبني الخيار الجماعي هو السبيل الأمثل، فهذا المنع عدوان ليس له أدنى مشروعية، تمارسه سلطة محتلة لتمنع الناس حقهم في حرية العبادة والتنقل.
ويتابع “كسر هذا العدوان بشكل جماعي وبوجود حاضنة اجتماعية داعمة، سيجعل المحتل أمام خيار العقوبات الجماعية الإجمالية أو التراجع، وفي ميزان قوى كالذي نمر به سيضطر إلى التراجع حتى لو كابر وعاند“.
(المصدر: الجزيرة – الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)