لماذا نبشُوا قبرَ الخليفة عمر بن عبد العزيز؟!
بقلم محمد خير موسى
ما الذي حدث؟
قبلَ عامٍ سيطرت قوّات النّظام السّوريّ ومعها الميليشيات الإيرانيّة واللبنانيّة على عددٍ واسعٍ من مدن ريف إدلب ومن بينها دير سمعان قرب معرّة النّعمان حيثُ يرقد الخليفةُ الأمويّ عمر بن عبد العزيز وإلى جانبه قبر زوجته وقبر خادم الضّريح.
يومَها دخل عددٌ من الضبّاط ومعهم الميليشيات إلى غرفة الضريح وعاثوا فيها فسادًا ثمّ أحرقوها دون أن يتعرّضوا للقبور بشكلٍ مباشر، وقبل بضعة أيّام دخلت الميليشيات إلى القبور فنبشتها كلّها؛ قبرَ الخليفة عمر بن عبد العزيز وقبر زوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، وقبر خادم الضّريح الشيخ أبو زكريا بن يحيى المنصور، وتمّ تجريفُ القبور وسرقة كلّ ما فيها بما في ذلك الرّفات في مشهدٍ يستحضرُ الكثيرَ من الأسئلةَ ويحشدُ العديدَ من الدّلالات.
لماذا تحقدُ الميليشيات الطَّائفيّة على الخليفة عمر بن عبد العزيز؟!
الأصلُ أنّ يحملَ الشيعة للخليفة عمر بن عبد العزيز ودًّا بالغًا وعظيمًا لكونه أوّل الخلفاء الذين رفعوا مظلمة أهل البيت وأعادوا الحقوق لهم كما يقرّ الشّيعة بذلكَ في كتبهم ومراجعهم؛ فهو الذي أمر ـ بناءً على مصادر وكتب الشّيعة المعتبرة عندهم ـ بوقفِ سبّ وانتقاد الخليفة عليّ بن أبي طالبٍ بعدَ أن كان هناك أوامر بانتقاده على المنابر في خطب الجمعة.
وهو الذي ردّ أرضَ “فدكَ” التي يراها الشّيعة حقًّا لآل البيت إلى أحفاد علي بن أبي طالب؛ فقد ذكر ابن أبي الفتح الإربلي في كتاب كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ـ وهو من الكتب ذات الشّأن المعتبر عند الشّيعة ـ “أنّ عمر بن عبد العزيز لمّا استُخلف قال: يا أيّها الناس إنّي قد رددت عليكم مظالمكم، وأوّل ما أردّ منها ما كان في يدي، قد رددت “فدك” على ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولد عليّ بن أبي طالب، فكان أوّل من ردّها، وروي أنّه ردّها بغلّاتها منذ ولي”.
كما أنّه قرّب منه أئمة أهل البيت ومنهم الإمام محمّد الباقر وهو الإمام الخامس من الأئمة الإثني عشر المعصومين عند الشّيعة؛ فإذا كان عمر بن عبد العزيز قد أسدى لأهل البيت وشيعتهم كلّ هذا فعلامَ يحقدونَ عليه إذن؟!
إنّ قراءة كتب الشّيعة ومصادرهم إلى جانب فهم الذّهنيّة الشّيعيّة في التّعامل مع قضايا التّاريخ تؤكّد بأنّ كلّ ما فعله الخليفة عمر بن عبد العزيز لم يغيّر الموقف الحقيقيّ تجاهه من قبل الشّيعة؛ فهو عندهم جزء من السّلطة السياسيّة الفاسدة التي اغتصبت حقّ أئمة آل البيت في الخلافة والحكم، وجميع ما قام به من إصلاحات بحقّ آل البيت لا يعدو كونه دهاءً سياسيًّا يهدف من ورائه إلى تخفيف نقمة أهل البيت وشيعتهم عليهم وإخماد تحرّكاتهم الشّعبيّة وثوراتهم السياسيّة.
فقد ذكر القطب الرّاونديّ في كتابه “الخرائج والجرائح” ـ وهو من المصادر المعتبرة عند الشّيعة ـ “عن أبي بصير قال: كنتُ مع الباقر عليه السلام في المسجد، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز عليه ثوبان ممصّران، متّكئًا على مولى له، فقال عليه السّلام: “لَيلِينّ هذا الغلام فيظهر العدل ويعيش أربع سنين ثمّ يموت فيبكي عليه أهلُ الأرض ويلعنُه أهل السّماء”، فقلنا: يا ابن رسول الله؛ أليس ذكرت عدله وإنصافه؟! قال: “يجلس في مجلسِنا ولا حقّ له فيه”.
كما أنّه من الفرع المروانيّ من بني أميّة الذين يعتقدُ فيهم الشّيعة أنّهم شرّ النّاس فلا خير فيهم في الدّنيا ولا جنّةَ لهم في الآخرة، حيث تنسب مصادرهم القديمة والمعاصرة على السواء كما في كتاب الخصال لابن بابويه وكتاب بحار الأنوار للمجلسي وكتاب معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي إلى الإمام الحسين بن عليّ قوله: “للنّار سبعة أبواب؛ إلى أن يقول: “وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أميّة لأنّه هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصّة يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار حطمًا لا تسمع لهم فيها واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون”.
أسباب نبش الميليشيات الطّائفيّة قبرَ الخليفة عمر بن عبد العزيز
من خلال فهم هذا الموقف الاعتقاديّ للشّيعة تجاه عمر بن عبد العزيز وفهم ذهنيّة الميليشيات الطّائفيّة التي تعيث في سوريا فسادًا وخرابًا يمكن تلخيص أسباب نبش القبر وتجريفه من قبلهم بالأسباب الآتية:
أولًا: الثّأر من عمر بن الخطّاب.
فمهما كان لعمر بن عبد العزيز من حسناتٍ مع الشّيعة فإنّ ذلك يمحوه أنّه من أحفاد عمر بن الخطّاب الذي يتمّ تحشيد الميليشيات طائفيًّا للحقد عليه والثّأر من كل من ينتمي إليه بصلةِ رحمٍ أو صلة محبّة.
ثانيًا: الثّأر من بني أميّة
فبنو أميّة لا سيما الفرع المرواني الذي ينتمي إليه عمر بن عبد العزيز هم أعداء الشّيعة الذين يستحضرون لعنهم في زيارات المراقد كما يحشدون الميليشيات طائفيًّا بتصوير أنّ المخالفين لهم من الشّعوب المقهورة هم أحفاد بني أميّة.
وما شعار “يا لثارات الحسين” الذي تهتفُ به هذه الميليشيات وهي تفتك بالبسطاء والأبرياء إلّا تجسيدٌ صارخٌ لبؤس التحشيد الطّائفيّ في هذا الإجرام المجنون
ثالثًا: فوبيا اسم عمر
قد لا يكون كثيرٌ من أعضاء الميليشيات التي نبشت قبر عمر بن عبد العزيز يعرفون شيئًا من سيرته، ولكنّهم اكتفوا بكون اسمه “عمر” هذا الاسم الذي نال قسطًا وفيرًا من التحشيد الطّائفيّ فقُتِل المئات في العراق إبّان السّعار الطّائفيّ لأنّهم يحملون اسم عمر في هويّاتهم الشّخصيّة فحسب وليسَ لشيء أكثر من ذلك.
رابعًا: ثقافة “التّعفيش”
والمقصود بالتّعفيش في قاموس المأساة السّورية هو نهب قوّات النّظام والميليشيات المساندة له كلّ ما يقع تحت أيديهم من ممتلكات قلّت أو كثرت وبيوتٍ ومنشآت صغرت أو كبرت في المدن والبلدات التي يتمّ السّيطرة عليها، وهذه الميليشيات مسكونةٌ بهذه الثّقافة، وإنّ نظرة هذه الميليشيات إلى هذه القبور على أنّها مظنّة كنوز مدفونةٍ أو أموال مخبوءة يمثّل دافعًا إضافيًّا لتعفيش القبر وسرقة ما فيه بما في ذلك الرّفات.
ألا ليت النّابشين سمعوا صوت الشّريف الرضيّ؛ وهو من أبرز شعراء الشّيعة؛ فهو رغم إقراره بعدم قدرته على البكاء على الخليفة عمر لكونه من آل مروان فإنّه يدين له بالفضل والحرص على الحماية والذّود عنه؛ إذ يقول:
يا ابنَ عبد العزيز لـو بكت العيــنُ فتًى من أميّةٍ لبكيتُكْ
أنت نزَّهتنا عن السّب والشتْم فلــو أمكن الجــزاءُ جـزيتُك
ديرَ سمعان لا أغبك غــيث خيرُ ميْت من آل مـروان مـيتُكْ
و لو أني رأيت قبرك لاستحـيـيتُ من أن أرى وما حيّيتكْ
فلوَ أنّي ملكــتُ دفعًا لما نابَكَ مـن طارق الرّدى لفـديتُك.
إنّ جنون النّداء الثّأريّ وسعار التحشيد الطّائفيّ يزيدُ المشهد البائس بؤسًا، ويعلي من ثقافة نبش القبور الغريبة عن أمتنا وشعوبنا تاريخًا وحاضرًا، وينذرُ بمزيدٍ من الحرائق التي اصطلت بها شعوبٌ كاملة، واختنقت بدخانها الأسود أجيالٌ آن لها أن تستريح.
(المصدر: موقع تلفزيون سوريا)