فتح القسطنطينية.. الحدث الذي غير وجه التاريخ (تقرير)
إعداد إبراهيم هايل
أُحتُفِل، أمس الجمعة، الأتراك خاصة والمسلمون عامة بالذكرى الـ 567 لـ “فتح القسطنيطينة” إسطنبول حاليا، والذي تم على يد السلطان محمد الفاتح في 29 أيار/مايو 1453 ميلادي، والموافق لـ 20 جمادى الأولى سنة 857 للهجرة.
وتعد ذكرى فتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، ذكرى عزيزة على جميع قلوب المسلمين، ونتيجة لجهود تراكمية قام بها المسلمون منذ العصور الأولى للدولة الإسلامية، رغبة منهم في تحقيق بشارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وزاد في ذلك ظهور الدولة العثمانية، التي جعلت ذالك الحلم يصبح حقيقة.
ومع تأسيس الدولة العثمانية وتوسع رقعة أراضيها الواقعة في منطقة الأناضول، تعاظمت قوة هذه الدولة وسعت لوقف الهجمات الصليبية التي كانت تأتي من المعقل الأول والهام للدولة البيزنطية وهي مدينة القسطنطينية.
ومنذ بداية تسلم السلطان محمد بن مراد الثاني والذي يلقب بالفاتح وأبي الخيرات الحكم عام 1451 للميلاد، قام بإعادة تنظيم إدارات الدولة المختلفة، وركز على تطوير كتائب الجيش وأعاد تنظيمها ووضع سجلات خاصة بالجند، وزاد من مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوفرة في ذلك العصر.
وانتهج محمد الفاتح المنهج الذي سار عليه أجداده في الفتوحات، بعد أن ساهم في استقرار الدولة وقام بالإصلاحات الداخلية الضرورية، تطلع إلى المناطق المسيحية في أوروبا لفتحها ونشر الإسلام فيها، ولقد ساعدته عوامل عدة في تحقيق أهدافه، منها الضعف الذي وصلت إليه الإمبراطورية البيزنطية بسبب المنازعات مع الدول الأوروبية الأخرى، إضافة إلى الخلافات الداخلية التي عمت جميع مناطقها ومدنها، فجعل نصب عينيه فتح مدينة القسطنطينية بعد أن أخذ بجميع الأسباب التي تمكنه من تحقيق هذا النصر.
وشجعه على ذلك العلماء الذين كانوا من حوله وساهموا في إثراء شخصيته ومن أبزهم أحمد بن إسماعيل الكوراني “معلم الفاتح”، وآق شمس الدين “الملهم الروحي للفتح”.
ومنذ بداية تسلم السلطان محمد للسلطنة عمل على إعداد جيش كبير بلغ حوالي 250 ألف مقاتل، وشرع في تجهيز الحصون والقلاع على أطراف مدينة القسطنطينية، وبنى قلعة روملي حصار على مضيق البوسفور من الطرف الأوربي، مقابل قلعة عثمانية التي شيدها السلطان بايزيد الثاني، فيما لم تفلح كل محاولات الامبراطور البيزنطي في إقناعه عن العودة عن قرار الفتح بالأموال ومعاهدات الصلح.
وعمل السلطان محمد الفاتح قبيل هجومه على القسطنطينية على توقيع معاهدات مع أعدائه المحتملين ليتفرغ لفتح المدينة، فوقع معاهدات وهدن مع إمارة (غلطة) المحادية للقسطنطينية من جهة الشرق، كما عقد معاهدات مع الإمارات الأوروبية المجاورة (المجد) و(البندقية) واللتان تجاورا مدينة القسطنطينية.
كذلك أولى محمد الفاتح أهمية كبيرة لتطوير الأسطول العثماني وزاد في تسليحه، حتى وصل قرابة 400 سفينة حربية، واعتمد على مهندسين خبراء لتطوير صناعة المدافع والأسلحة، ليكون قادرا على الهجوم على المدينة.
وكانت مدينة القسطنطينية محصنة جدا من الناحية العسكرية، بسبب ماتملكه من قلاع وأبراج وأسوار عالية، إذ استعصت على عشرات المحاولات العسكرية لاقتحامها، فيما كان السلطان الفاتح يقوم بزيارات استطلاعية يشاهد فيها تحصيانتها وأسوارها، ويجهز الخرائط اللازمة لحصارها، وقد عمل السلطان على تمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لتكون صالحة لجر المدافع الكبيرة.
وقد تحركت المدافع من أدرنة إلى قرب القسطنطينية، في مدة شهرين تحت حماية الجيش العثماني الذي كان يقوده الفاتح بنفسه إلى مشارف القسطنطينية في يوم الخميس 6 نيسان/أبريل 1453 ميلادي والموافق لـ 26 ربيع الأول 857 للهجرة.
وأحكم الجيش العثماني قبضته على المدينة التي كانت محصنة بشكل قوي جدا، فيما ارتأى السلطان الفاتح أن يتم نقل السفن الراسية في ميناء بشكتاش إلى القرن الذهبي، وذلك بجرها على الطريق البري الواصل بين الميناءين بعيدا عن حي غلطة خوفا على سفنه من الجنوبيين الذين كانوا يقطنونه، وعمد على جر السفن على أخشاب مدهونة بالزيت لمسافة 3 أميال، حتى وصلت إلى نقطة آمنة في القرن الذهبي، وتمكنوا في ليلة واحدة من سحب أكثر من 70 سفينة وإنزالها بدون معرفة البيزنطيين وبعيدا عن أنظارهم.
وعند رؤية البيزنطيين للسفن الراسية في القرن الذهبي، ظهر اليأس في صفوفهم وكثرت الإشعات بينهم، ما ساهم في إضعاف الروح المعنوية لدى الجنود البيزنطيين المدافعين عن المدينة والذين اضطروا لسحب كثير من القوات المتمركزة على الأسور الأخرى في المدينة إلى الأسوار الواقعة على القرن الذهبي، إذ كانت تعتبر من أضعف الأسوار بسبب جهتها من المياه، ما سبب خللا في الدفاع الأسوار الأخرى.
وفي صباح يوم الثلاثاء 29 أيار/مايو 1453 للميلاد، بدأ الهجوم العام على المدينة، بعد أن صدرت الأوامر بالهجوم وتعالت صيحات التكبير لدى جنود الجيش العثماني الذين اتجهوا نحو الأسوار، وكان الهجوم متزامنا بريا وبحريا وموزعا على كثير من المناطق، فيما شرع البيزنطيون في دق أجراس الكنائس واللجوء إليها، بينما استشهد العديد من أفراد الجيش العثماني، وقتل الآلاف من المقاتلين البيزنطيين.
وبعد دخول الجيش العثماني لقلب المدينة، توجه السلطان محمد الفاتح إلى كنيسة آيا صوفيا، وكان يجتمع فيها عدد كبير من القسس والرهبان والسكان، وعندما اقترب من أبوابها خرج أحد الرهبان وفتح أبوابها له، فطلب السلطان محمد الفاتح منه أن يطمئن الناس وأمرهم بالعودة إلى منازلهم، ما دعى العديد من الرهبان إلى إعلان إسلامهم، وقد أمر الفاتح بتحويل الكنيسة إلى مسجد، وتحضيره لإقامة صلاة الجمعة، وسمح للنصارى الموجودين في المدينة بإقامة شعائرهم الدينية وممارسة طقوسهم في العبادة.
ويعتبر فتح القسطنطينية من أهم أحداث التاريخ العالمي، وعدّه الكثير من المؤرخين الأوربيين نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة، وفتح الباب على مصراعيه أمام الدولة العثمانية لنشر الدين الإسلامي في قارة أوروبا، حيث توسعت الانتصارات العثمانية فيما بعد لتشمل الممالك الأوربية المجاورة.
(المصدر: وكالة أنباء تركيا)