مقالات

مقاصد القرآن .. لماذا أُنزل القرآن؟؟

بقلم د. ضياء الدين الحسيني

البحث عن الغاية من نزول القرآن يطلق عليه (المقاصد القرآنية)، وهذه الأخيرة لا يستغنى عن معرفتها أحد، فبمعرفتها يصل الإنسان إلى معرفة الغايات الكبرى من خلقه، فالفقه بلا مقاصد فقه بلا روح، وهكذا كل شيء بلا مقصد يكون بلا روح، فلا بد من تعريف المقاصد حتى يتسنى لنا الوقوف على حقيقة مقاصد القرآن الكريم.

والقصد في اللغة: استقامة الطريق ولذلك قال الله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ )، سورة النحل، الآية: (9) أي على الله تبيّين الطريق المستقيم، وجاء لفظ (قصد) في القرآن في ستة مواضع، تفيد أغلبها التوسط، والاستقامة، والاعتدال.

أما تعريف المقاصد في الاصطلاح، فنذكره وفقاَ للشاطبي الذي بيّن: إن المقصود الشرعي من الخطاب الوارد على المكلفين تفهيم ما لهم وما عليهم، مما هو مصلحة في دنياهم وأخراهم، وهذا يستلزم كونه بيناً واضحاً لا إجمال فيه ولا اشتباه. فلا بد للمكلف أن يعرف من المقصد ثلاثة أمور: إرادة التكليف، والمقصود الدلالي من الخطاب الشرعي، والمقصود الشرعي من الحكم.

وبوضوح نقول: بأنه الغايات التي وضعتها الشريعة لأجل تحققها، لمصلحة المكلف وهم العباد فكل عبادة في تطبيقها مصلحة للمكلف وهم العباد.

 والمقاصد في القرآن الكريم تنقسم إلى مقاصد عامة ومقاصد خاصة، فالمقاصد العامة تتمثل بإصلاح الفرد ومن ثم الجماعة ومن ثم بالصلاح العمراني، وكل ذلك من الأغراض الكلية التي جاء بها القرآن في مقاصده وتشمل: تحقيق الصلاح الفرد، والصلاح الاجتماعي والصلاح العالمي، وهي شمولية الإسلام وعالمية دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأما المقاصد الخاصة فقد ذكرها ابن عاشور في تفسيره وجعلها ثمانية أقسام وهي:

المقصد الأول: إصلاح الاعتقاد وهو عدم الإشراك بالله تعالى، وهذا أعظم سبب لإصلاح الخلق، لأنه يزيل عن النفس الرجس والشرك والاستعانة بغير الله، ويطهر القلب من الأوهام والخرافات الناشئة عن الإشراك بالله تعالى، فجميع الأنبياء جاء بالتوحيد ونبذ الشرك بالله، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)، سورة النساء الآية: (48).

المقصد الثاني: تهذيب الأخلاق، وهذا مقصد مهم بينه القرآن وأشار إليه النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، سورة القلم: الآية (4) وفسرت السيدة عائشة (رضي الله عنها) وعن أبيها خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:(كان خلقه القرآن)، أخرجه البخاري، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ( بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق)، أخرجه الإمام مالك.

المقصد الثالث: معرفة التشريع وهو معرفة الأحكام وكيفية تطبيقها وهو مقصد مهم من مقاصد القرآن قال الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً)، سورة النساء: الآية (105).

المقصد الرابع: سياسة الأمة، وهو باب عظيم في القرآن، القصد منه صلاح الأمة، وحفظ نظامها، من خلال الاعتصام بحبل الله قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، سورة آل عمران الآية (103)، وقوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )، سورة الأنعام: الآية (159)، وقوله (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ )، سورة الشورى: الآية (38)، فكل هذه الآيات تدل على هذا المقصد ووجوب العمل به بما يحقق مصلحة الأمة.

المقصد الخامس: القصص وأخبار الأمم السالفة، من باب التأسي بصالح أحوالهم ولهذا قال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)، سورة يوسف: الآية (3)، وأمرنا الله تعالى أن نقتدي بهدى من سبقنا إذا جاء موافق لشريعتينا وجميع الأنبياء اتفقوا بالعقيدة قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)، سورة الأنعام: الآية (90)، ومن معاني هذا المقصد أيضاً، الوقوف على مساوئ الأمم التي حذرنا الله منها على شكل قصة ولذلك قال تعالى: (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ)، سورة إبراهيم: الآية (45).

المقصد السادس: التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين، وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة، ونشرها، بما جاء عنه تعالى وبما جاء عن نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) وهذا باب عظيم، وواسع انبجست منه عيون المعارف، وانفتحت به عيون الأميين إلى العلم، وقد لحق به التنبيه المتكرر على فائدة العلم وهو المقصد الأعظم من مقاصد القرآن الكريم.

المقصد السابع: المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، وهذا يتناول جميع آيات الوعد والوعيد وكذلك المحاجة والمجادلة للمعاندين، وهذا باب الترغيب والترهيب وهو مقصد مهم من مقاصد القرآن الكريم.

المقصد الثامن: بيان الإعجاز بأن القرآن الكريم هو آية دالة على صدق رسالة الصادق المصدوق محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو معجزته مع بيان ما يتعلق بذلك كله وأن الله تعالى تحدى به جميع الخلق على أن يأتوا بمثله فلم ولن يستطيعوا، فهذا أيضاً مقصد من مقاصد القرآن المهمة.

وهناك مقاصد جزئية أشار إليها القرآن الكريم سنتناولها بالكتابة أيضاً لأهميتها. وما هذه المقالة إلا بيان لأهمية المقاصد ومفهومها وبيان أقسامها، وستكون المقالات القادمة في كيفية التطبيق لهذه المقاصد وفهمها بسلسلة كاملة إن شاء الله.

المصدر: مجلة الرائد – العراق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى